التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2018-09-05T16:04:24+00:00
التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي

سنقدم من خلال هذه المقالة المميزة التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي وكل ماتودون معرفته عن العالم العربى الحديث.

يؤرخ الدكتور علي المحجوبي لمحطات هامة من تاريخ بعض البلدان العربية في العصر الحديث في المغرب والمشرق، والذي تقاذفته ثنائية الاستعمار والمقاومة، وأسهمت -إلى حدّ بعيد- في بناء الفضاء التاريخي للهوية الجمعية، خصوصاً وأن عودة الاستعمار مجدداً تطرح أسئلة محيرة في عصر العولمة على الدول التي استقلت سياسياً منذ عدة عقود من الزمن، وظهر أن استقلالها شكلي وجزئي ونسبي، وأنها أنتجت نخباً سياسية انحصر همها في الحفاظ على السلطة صوناً لمكاسبها ومواقعها وميزاتها، فلجأت إلى طاحونة الاستبداد السياسي، ولم تنجز حتى الشعارات التي رفعتها في التحرر من التبعية والتنمية البشرية وتحسين ظروف عيش مواطنيها، الذين لم يشعروا بأنهم مواطنين حقاً بقدر ما هم رعايا في دويلات شبه سلطانية.


تخلف واستعمار

ينطلق المؤلف من اعتبار أن تاريخ العالم العربي الحديث ارتبط كثيراً بتاريخ أوروبا الغربية ثم الولايات المتحدة الأميركية، حيث لعبت العوامل الخارجية دوراً لا يستهان به في السيرورة الحديثة للمجتمعات العربية، وأصبح مصير العرب يقرّر في عواصم القوى العظمى وفقاً لما تقتضيه مصالحها، منذ اختلال موازين القوى بين الغرب والشرق الذي بدأ مع النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر واستفحل في القرنين التاسع عشر والعشرين عقب الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا الغربية ثم الولايات المتحدة الأميركية.

وبناء على ما تقدم، فإن العالم العربي عرف في العهد الحديث والمعاصر تطوراً دورياً يكمن في تعاقب التخلف والاستعمار والمقاومة، وظل طوال حقبة تمتد زهاء خمسة قرون يتخبط في هذه الحلقة المفرغة.

بالمقابل تقدم الغرب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وبقي العالم العربي متخلفاً في جميع هذه المجالات وبالتالي عاجزاً، بالرغم من بعض المحاولات، على النهوض بمجتمعاته والخروج بها من حالة الضعف والهوان. وعليه أصبح قابلاً للاستعمار، وسقط تدريجياً تحت هيمنة القوى الغربية. غير أن الشعوب العربية رفضت الاحتلال الأجنبي وعملت على التصدي له ومقاومته دفاعاً عن الحرية والكرامة والأرض.

ويُرجع المؤلف احتلال بلدان المغرب العربي، كالجزائر والمغرب وتونس وليبيا، إلى حاجة القوى العظمى، وخصوصاً بريطانيا العظمى وفرنسا، إلى أسواق لتصريف بضائعها المصنعة المتراكمة، وإلى مجالات لاستثمار أموالها الفائضة، بسبب الأزمة الاقتصادية التي واجهتها هاتان الدولتان، والتي تعود إلى ضيق السوق الداخلية وإغلاق الأسواق الأوروبية. وعليه كان لا بد من إيجاد حلّ لها وإنقاذ اقتصادها من الإفلاس والبحث عن أسواق جديدة، والذي وجدته في احتلال الجزائر ثم تونس ومصر والمغرب الأقصى.

ويرى المؤلف أن تخلف البلدان العربية وسوء أحوالها، قد جعلها قابلة للاستعمار، ووفر الظروف الملائمة لاحتلالها والهيمنة عليها من جانب القوى الأجنبية. لكنه يعتبر أيضاً أن تدهور الأوضاع في الإمبراطورية العثمانية جعلها عاجزة عن النهوض باقتصادها ومجتمعها على منوال القوى الغربية، فأصبحت تُنعت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بالرجل المريض، ووفرّ أرضية سانحة لأطماع الغرب في مقاطعاتها العربية، حيث استغلت إيطاليا هذه الظروف لاحتلال ليبيا سنة 1911، ثم قُسمت قبيل الحرب العالمية الأولى، منطقة الشرق الأوسط بين القوى الأوروبية الكبرى، فكانت سوريا ولبنان من نصيب فرنسا والعراق وفلسطين من نصيب بريطانيا العظمى، وذلك لما لهذه المنطقة من أهمية إستراتيجية بالغة.

وازداد اهتمام القوى الكبرى بها مع اكتشاف النفط وتطور إنتاجه، إذ أصبحت بذلك للمشرق العربي، إلى جانب أهميته الإستراتيجية، أهمية اقتصادية.

وعرفت البلدان العربية المحتلة حركات مقاومة مسلحة في ظروف استفحال التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين القوى الاستعمارية والشعوب العربية، وتغيّر الظروف الدولية مع الحرب العالمية الثانية، ونمو الوعي الوطني، وعدم جدوى وسائل الكفاح السياسية السلميّة.

فاستقلت مصر والعراق، على الأقل نظريا، تباعاً سنتي 1922 و1932، ثم لبنان وسوريا سنة 1943 و1946، وتلتهما ليبيا سنة 1951 ثم تونس والمغرب الأقصى سنة 1956 وأخيراً الجزائر سنة 1962. ولم يبق تحت نير الاستعمار سوى فلسطين، حيث حلّ منذ 1948 الاستعمار الصهيوني محلّ الانتداب البريطاني وما زال الشعب الفلسطيني الذي خاض منذ أوائل القرن العشرين عدة معارك ضدّ الانتداب البريطاني والاستيطان اليهودي، يقاوم الاستعمار الصهيوني.

ويخلص المؤلف إلى نتيجة مؤداها أن تاريخ العالم العربي الحديث والمعاصر هو بمنزلة الصراع المستمر بين القوى الإمبريالية، التي ما انفكت تعمل من أجل الهيمنة على العالم العربي، والشعوب العربية ترفض الخضوع لها وتثابر بالتالي على مقاومتها.

ويستند إلى مقولة للمؤرخ البلجيكي هنري بيران التي تعتبر أن التاريخ هو امتداد وتضامن، وأن دراسة الماضي تمكننا من بلورة الحاضر لاستشراف المستقبل، كي يحدد الغاية من كتابه في إدراك ما يدور في العالم العربي ومعرفة كيفية وصوله إلى الحالة التي هو عليها اليوم والتي ما زالت تتسم بالتخلف وعودة الاحتلال الأجنبي والاستعمار المباشر كما هو الشأن في فلسطين والعراق، بغية معالجة الأوضاع المكربة للخروج من التخلف والانعتاق من الهيمنة الأجنبية وبناء مستقبل أفضل.

والأمل معقود على أن استحضار حقبات قاتمة ومشرقة من تاريخ العرب الحديث والمعاصر وتقديم صور حية من نضالات الشعوب العربية ضد الهيمنة الأجنبية، قد تكون حافزاً، على الأقل للقسم الأكثر وعياً من العرب للخروج من حالة اليأس والقنوط التي هو عليها اليوم، والثورة -على منوال أسلافه- على مثل هذه الأوضاع بقصد تغييرها وفقاً لمصلحة وطنه وتماشياً مع كرامته وسيادته واستقلاله.

إذ إن وجود ذاكرة تاريخية من شأنه أن يعلّم ويحرّض، ويجعل التاريخ ليس سجلاً بارداً للموتى وإنما حياة موّارة تعجّ بالأمثولات الحيّة والمعارف والمقارنات حتى تقع الاستفادة منها، لكي لا تتكرّر الأخطاء ودفع ثمن سبق أن تمّ دفعه.

غير أن ذلك لا ينفي ابتداع وسائل مبتكرة للتعامل مع الوقائع الجديدة التي تواجهنا، مستفيدين من الذاكرة ومجتهدين في القياس على الأحداث المشابهة تماماً مثل الصانع الماهر الذي يستفيد من تجاربه السابقة ومن أخطاء الآخرين، ويحاول في كل مرة أن يقدم إضافة جديدة في هذا المشوار الذي ليس له نهاية.


عودة الاستعمار

شهدت السنوات القليلة الماضية، خصوصاً مع مطلع الألفية الثالثة، عودة الاحتلال العسكري والاستعمار المباشر الذي نجم عنه، الأمر الذي يطرح أسئلة عديدة حول هذه العودة القوية في ظل العولمة بعد ما ظنّ الكثير أن عصرهما قد ولىّ.

وتجلت هذه الظاهرة في الاحتلال الأميركي للعراق، وقبله أفغانستان، واستمرار الاحتلال الاستيطاني العنصري لفلسطين، حيث جرى احتلال أفغانستان بعد الأحداث التي استهدفت الولايات المتحدة الأميركية في 11 سبتمبر/أيلول 2001، ثم احتلال العراق عام 2003. كما استغل الكيان الصهيوني هذه الظروف لإحكام قبضته على الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، وكذلك لاجتياح لبنان في صيف 2006 بدعوى الدفاع عن النفس ومقاومة الإرهاب.

وتهدف مقولة عودة الاستعمار إلى معاني تجسد نهب الموارد، وتدمير البنى الاجتماعية والمادية، وتمزيق الدولة والجماعات والروابط، والتلاعب بماضيها وحاضرها من أجل الحيلولة بينها وبين النهوض والتجدد، والبناء على طريق المساهمة في الحضارة الإنسانية. لكن مقولة عودة الاستعمار لا يمكنها تفسير كل شيء يصيب العالم العرب

أما ردّ فعل الشعوب العربية فكان يتمثل في المقاومة التي احتدت في إثر الاحتلال المباشر للعراق سنة 2003، وكذلك في إثر اجتياح الكيان الصهيوني لأرض لبنان في شهر يوليو/تموز 2006. وبرهنت على قدرتها على التصدي بشجاعة للعدو الصهيوني وقصف أراضيه بصواريخها، داحضة بذلك أسطورة الجيش الذي لا يقهر وكذلك الاعتقاد السائد في إسرائيل بأن الحرب مع العرب لا تقوم إلا على الأراضي العربية وبالتالي بمنأى عن التراب الإسرائيلي.

ويعتقد المؤلف بأنه لا بدّ أن تكون لمثل هذه المقاومة انعكاسات جسيمة على الوضع في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي عامة. من ذلك رفع معنويات الشعوب العربية وإعادة الثقة بها بعد حقبة تاريخية طويلة المدى لم تعرف فيها سوى الهزائم والقهر والإحباط الناجم عنها.


أسباب التخلف

يرجع المؤلف حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي التي يتسم بها العالم العربي اليوم، إلى عدة عوامل، أولها: احتلال إسرائيل، المدعومة من الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، لأراض عربية في فلسطين وسوريا ولبنان.

وثانيها: سوء التصرف وغياب الحكم الرشيد، المسؤول عن ازدياد سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، والمتمثل في سياسة التبذير والإسراف والفساد، وتحويل جزء هام من موارد الدول لمصلحة الحكام وعائلاتهم وحاشيتهم، وذلك على حساب التنمية والنهوض بالمجتمع.

وثالثها: غياب السوق العربية المشتركة على غرار السوق الأوروبية، باعتبار أن توفر السوق شرط ضروري لنجاح كل مشروع تنموي.

ورابعها: عجز العالم العربي في المعرفة وتمكين المرأة والديمقراطية والمواطنة، فالمعرفة التي تقوم على التعليم والبحث العلمي هي بمثابة قوة الدفع المحركة للإبداع الاقتصادي والاجتماعي والبشري، حيث تتجسد أسباب التخلف في عدم احترام حقوق المرأة وعدم تمكينها من المساهمة الفعالة في النهوض بمجتمعاتها، ويعود ذلك إلى رواسب العقلية الأبوية والعشائرية التي ما زالت قائمة في العديد من البلدان العربية.

ويستوجب نمو المعرفة وتمكين المرأة قدراً كبيراً من الحرية والديمقراطية، إلا أن السائد في البلدان العربية هو غياب الديمقراطية وغياب حرية الرأي والتعبير والفكر والتجمعات السلمية.

أما سبل الخروج من التخلف والاستعمار فيكمن في استبدال الأنظمة السياسية التي تقوم على الحكم المطلق والاستبداد بأنظمة ديمقراطية، يكون فيها الشعب مصدراً لكل السلطات. ويتطلب ذلك إرساء أنظمة دستورية حقيقية، تنهض على حرية الفكر والحوار والمواطنة، وبالتالي على مشاركة المواطنين، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، في صنع القرارات المصيرية للنهوض بمجتمعاتهم.

ويرى المؤلف أن الديمقراطية تمثل في نهاية التحليل الحل الأنجع للنمو في المجتمعات العربية، وللخروج بها من التخلف الذي ما زال جاثماً فيها، ولضمان استقلالها وسيادتها وكرامتها، والسبيل للتخلص من الاستبداد وما ينتج عنه من سوء تصرّف وفساد وكل التجاوزات التي تتنافى مع حقوق الإنسان والمواطنة وتعرقل مسيرة التقدم.