كعب بن زهير
كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، ولُقّب بأبي المُضرَّب، هو من الشعراء المخضرمين؛ أي عاش في عصرين مختلفين هما: العصر الجاهلي، وعصر صدر الإسلام. كان من أعرق الناس في الشعر؛ إذ إنّ والده هو زهير بن أبي سلمى، وابنه عُقبة، وأخوه جُبير، وحفيده العوّام وكلّهم من الشعراء.
من أشهر قصائده هي القصيدة اللامية التي مطلعها (بانت سعاد)، والتي مدح فيها كعب بن زهير النبي محمد صلّى الله عليه وسلم عندما أتى النبيّ مسلماً متخفياً بعد أن أُهدِر دمه، فكساه النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ببردته، وقد كَثُر المخمّسون للاميته ومشطّروها وترجموها إلى غير العربية. (1)
قصيدة بانت سعاد (البردة)
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ
صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ
مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت
ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها
فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها
كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت
إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً
وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ
وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت
إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها
إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ
فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت
عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ
إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها
في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ
وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ
يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ
مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ
عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ
مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ
كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها
مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ
تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ
في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ
قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها
عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ
تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ
ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ
سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً
لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ
يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً
كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ
كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت
وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ
وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت
وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا
شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ
قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ
نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها
لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ
تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها
مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ
يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم
إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ
لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبا لَكُمُ
فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني
وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ
ـقُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم
أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ
أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ
مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً
جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ
في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ
وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ
مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً
بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ
يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما
لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ
إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ
أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ
مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً
وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ
وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ
مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم
بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ
عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ
مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ
كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم
ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ
قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ
ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
قصائد أخرى للشاعر
من القصائد الخالدة التي نظمها كعب بن زهير ما يأتي:
بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا
بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا
ولا أرى لشبابٍ ذاهبٍ خلَفا
عاد السوادُ بياضاً في مفارقهِ
لا مرحباً هابذا اللونِ الذي ردفا
في كلِّ يومٍ أرى منه مبيِّنة ً
تكاد تُسْقِطُ منِّي مُنَّة ً أَسَفَا
ليت الشَّبَابَ حَلِيفٌ لا يُزَايِلُنا
بل ليته ارتدّ منه بعضُ ما سلفا
ما شَرُّها بعد ما ابيضَّتْ مَسَائحُها
لا الود أعرفه منها ولا اللَّطفا
لو أنها آذنتْ بِكراً لقلتُ لها
يا هَيْدَ مالِك أو لو آذنَتْ نَصَفَا
لولا بنوها وقولُ الناسِ ما عطفتْ
على العتاب وشرُّ الودِ ما عطَفَا
فلن أزالَ، وإنْ جاملتُ، مضطغِناً
في غيرِ نائرِة ٍ ضبَّا لها شنَفَا
ولا حبٍ كحصيرِ الراملات ترى
من المطيِّ على حافاته نَطِفا
والمُرْذِياتِ عليها الطّيْر تَنْقُرها
إمّا لهِيداً وإمّا زاحِفاً نَطِفَا
قد ترك العاملاتُ الراسِماتُ به
من الأحِزَّة في حافاته خُنُفَا
يَهْدِي الضَّلُولَ ذَلُولٍ غيرِ مُعْتَرِفٍ
إذا تَكَاءدَه دَوِّيُّهُ عَسَفَا
سمحٍ دريرٍ اذا ما صُوَّة ٌ عرضتْ
له قَريباً لسَهْلٍ مال فانحرَفا
يجتازُ فيه القطا الكُدريّ ضاحية ً
حتّى يَؤوبَ سِمَالاً قد خَلَتْ خُلُفَا
يَسْقِينَ طُلْساً خَفِيّاتٍ تَرَاطُنُها
كما تَرَاطَنُ عُجْمٌ تَقْرَأ الصُّحُفَا
جَوَانحُ كالأَفَانِي في أَفاحِصِها
ينظُرْنَ خَلْفَ رَوَايَا تَسْتَقِي نُطَفَا
حمرٌ حواصلها كالمغدِ قد كسيتْ
فوقَ الحواجبِ مما سبدتْ شعفَا
يوماً قطعتُ وموماة ٍ سريتُ إذا
ما ضاربُ الدُّفِّ من جنانِها عزَفا
كلفْتُها حرّة َ الليتينِ ناجية ً
قَصْرَ العَشِيِّ تُبَارِي أَيْنُقاً عُصُفَا
أبقى التهجرُ منها بعد ما ابتذلتْ
مَخِيلة ً وهِبَاباً خَالَطَا كَثَفَا
تَنْجُو وتَقْطُر ذِفْرَاها على عُنُقٍ
كالجِذْع شذَّب عنه عاذِقٌ سَعَفَا
كأن رَحْلِي وقد لانتْ عَرِيكتُها
كسوتُه جورَفاً أقرابُهُ خصفَا
يجتازُ أرضَ فلاة ٍ غيرَ أنّ بها
آثارَ جنٍّ ووسماً بينهم سلفا
تَبْرِي له هِقْلة ٌ خَرْجاءُ تحسبَهُا
في الآلِ مخلولة ً في قرطفٍ شرفا
ظَلاَّ بأَقْرِية ِ النَّفَّاخِ يومَهما
يَحْتَفِرَانِ أُصُولَ المَغْدِ واللَّصَفَا
والشَّرْيَ حتّى إذا اخضرَّتْ أُنُوفُهما
لا يألوانِ من التنُّومِ ما نقفا
راحا يطيرانِ معوجَّين في سرعٍ
ولا يريعان حتى يهبطا أنُفا
كالحَبَشِيَّيْنِ خافَا من مَلِيكهما
بعضَ العَذاب فجالا بعدَ ما كُتِفَا
كالخاليَيْنِ إذا ما صَوَّبا ارتفعا
لا يحقرانِ من الخطبان ما نقفا
فاغترَّها فشآها وهي غافلة ٌ
حتى رأته وقد أوفى لها شَرفا
فشَمَّرَتْ عن عَمُودَيْ بانة ٍ ذَبَلاَ
كأنّ ضاحِيَ قِشْرٍ عنهما انْقَرَفَا
وقارَبَتْ من جَنَاحَيْها وجُؤْجُئِها
سكَّاءَ تثني إليها ليناً خُصفَا
كانت كذلك في شأوٍ ممنعة ٍ
ولو تَكَلَّفَ منها مِثْلَه كَلِفَا
ألمّا على ربعٍ بذات المزاهرِ
ألمّا على ربعٍ بذات المزاهرِ
مقيمٍ كأخلاقِ العباءة ِ داثرِ
تراوحه الأرواح قد سارَ أهله
وما هُوَ عن حَيِّ القَنَانِ بسائرِ
ونارٍ قبيلَ الصبحِ بادرتُ قدحها
حيا النار قد أوقدتها لمسافرِ
فلوِّحَ فيها زاده وربأتُهُ
على مَرْقَبٍ يَعْلُو الأحِزَّة َ قَاهِرِ
ولَمَّا أَجَنَّ اللَّيْلُ نَقْباً ولَمْ أَخَفْ
على أثرٍ منّي ولا عينَ ناظرِ
أخذتُ سلاحي وانحدرتُ إلى
امرئٍ قليلٍ أذاهُ صدرهُ غيُر واغرِ
فَطِرْتُ بِرَحْلي واسْتَبَدَّ بِمثْلِهِ
عَلَى ذَاتِ لَوْثٍ كَالبَلِيَّة ِ ضامِرِ
تُعَادِي مَشَكَّ الرَّحْلِ عَنْهَا وتَتقِي
بِمثْلِ صَفِيحِ الجَدْوَلِ المُتَظَاهِرِ
فأصبحُ ممسانا كأن جباله
مِنَ البُعْدِ أَعْنَاقُ النِّساءِ الحَوَاسِرِ
مَا بَرِحَ الرّسْمُ الذي بينَ حَنْجَرٍ
مَا بَرِحَ الرّسْمُ الذي بينَ حَنْجَرٍ
وذَلْفَة َ حَتَّى قِيلَ هَلْ هُوَ نَازِحُ
ومازلتَ ترجو نفعَ سعدى وودها
وتُبْعِدُ حَتَّى ابْيَضَّ مِنْكَ المسائح
وحَتَّى رَأَيْتَ الشَّخْصَ يَزْدَادُ مِثْلُهُ
إليه ، وحتى نِصفُ رأسي واضحُ
عَلاَ حاجِبَيَّ الشَّيْبُ حتّى كأنّه
ظباءٌ جرت منها سنيح وبارحُ
فأصبحتُ لا أبتاعُ الا مؤامراً
وما بيعُ من يبتاعُ مثليَ رابحُ
الا ليت سلمى كلما حانَ ذكرها
تُبَلِّغها عنِّي الرِّياحُ النَّوَافِحُ
وقالت تعلَّم أن ما كان بيننا
إليكَ أدَاءٌ إنَّ عَهْدَكَ صَالِحُ
جمِيعاً تُؤَدِّيه إليكَ أَمانَتِي
كما اُدِّيَتْ بعدَ الغِرازِ المنائِحُ
وقالت تعلّم أنّ بعض حموَّتي
وبعلي غضابٌ كلُّهم لك كاشحُ
يُحدون بالأيدي الشفارَ وكلُّهمْ
لحلقك لو يستطيعُ حلقَك ذابحُ
وهِزَّة ِ أَظْعانٍ عليهنَّ بَهْجَة ٌ
طَلَبْتُ ورَيْعَانُ الصِّبَا بيَ جَامِحُ
فلمَّا قَضَيْنا مِن منى ً كُلَّ حاجَة
ومَسَّحَ رُكْنَ البيتِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ
وشُدَّتْ على حُدْبِ المَهَارِي رِحالُها
ولا ينظرُ الغادي الذي هو رائحُ
فَقُلْنَا على الهُوجِ المَرَاسِيلِ وارْتَمَتْ
بهنَّ الصحارى والصِّمادُ الصّحاصِحُ
نزعنا بأطرافِ الأحاديثِ بيننا
ومالت بأعناقِ المطيِّ الأباطحُ
وطِرْتُ إلى قَوْادَاءَ قَادَ تَلِيلُها
مناكِبَها واشْتَدَّ منها الجَوانِحُ
كأنِّي كَسَوْتُ الرَّحلَ جَوْناً رَبَاعِياً
تَضَمَّنَهُ وَادِي الرَّجَا فالأَفايِحُ
مُمَرّاً كَعَقْدِ الأَنْدِريِّ مُدَمَّجاً
بدا قارحٌ منه ولم يبدُ قارحُ
كأن عليه من قَباءٍ بِطانة ً
تَفَرَّجَ عنها جَيْبُها والمَناصِحُ
أخو الأرضِ يستخفي بها غير أنهُ
اذا استافَ منها قارحاً فهو صائحُ
دَعَاهَا من الأمْهادِ أمْهادَ عَامِرٍ
وهاجَتْ من الشِّعْرَى عليه البَوَارِحُ
بكرتْ عليّ بسحرة ٍ تلحاني
بكرتْ عليّ بسحرة ٍ تلحاني
وكفى بها جهلا وطيشِ لسانِ
ولقد حفظتُ وصاة َ من هو
ناصحٌ لي عالمٌ بمآقِطِ الخُلاَّنِ
حتى إذا برتِ العظامَ زجرتها
زجرَ الضنينِ بعرضهِ الغضبانِ
فرأيتها طلحت مخافة نهكة ٍ
مِنِّي وبَادِرَة ٍ، وأَيَّ أَوَانِ
ولَقَدْ عَلِمتِ وأنْتِ غَيْرُ حِلِيمة ٍ
ألاَّ يُقَرِّبَني هَوى ً لِهوَانِ
هَبِلَتْكِ أُمُّكِ هَلْ لَدَيْكِ فتُرْشِدِي
في آخر الأيامِ من تبيانِ
أَرْعَى الأمانة َ لا أَخُونُ ولا أُرَى
أبداً أدَمِّن عَرْصة َ الخَوَّان
وتنكَّرَت لي بعدَ ودٍ ثابتٍ
أنّى تجامعَ وصلُ ذي الألوانِ
يوماً طواعكِ في القيادِ وتارة ً
تَلْقَاكَ تُنْكِرُها مِنَ الشَّنَآنِ
طوراً تلاقيه أخاكَ وتارة ً
تلقاهُ تحسبهُ من السُّودانِ
ومريضة ٍ قفْرٍ يحاذرُ شرُّها
مِنْ هَوْلِها قَمَنٍ منَ الحَدَثانِ
غَبْراءَ خَاضِعة ِ الصُّوَى جَاوَزْتُها
ليلاً بكاتمة ِ السُّرى مذعانِ
حرفٍ تمدّ زمامها بعذافرٍ
كَالْجِذْعِ شُذِّبَ لِيفُهُ الرَّيّانِ
غضبى لمنْسمِها صياحٌ بالحصى
وقعْ القدومِ بغضْرة ِ الأفنانِ
تَسْتَشْرِفُ الأشْبَاحَ وهْيَ مُشِيحة ٌ
ببصيرة وحشيَّة ِ الإنسانِ
خوصاءَ صافية ٍ تجودُ بمائها
وَسْطَ النَّهَارِ كَنُطْفَة ِ الحَرَّانِ
تَنْفِي الظَّهِيرَة َ والغُبَارَ بِحَاجِبٍ
كَالكَهْفِ صَينَتْ دُونَهُ بَصِيانِ
زهراءُ مقلتها تردّدَ فوقها
عِنْدَ المُعَرَّسِ مُدْلِجُ القِرْدَانِ
أَعْيَتْ مَذَارِعُها علَيْهِ كَأَنَّما
تَنْمِي أَكَارِعُهُ عَلَى صَفْوانِ
فتعجرفتْ وتعرّضت لقلائصٍ
خوصِ العيونِ خواضعِ الأذقانِ
شَبَّهْتُها لَهِقَ السَّرَاة ِ مُلَمَّعاً
مِنْهُ الْقَوَائمُ طَاوِيَ المُصْرانِ
فغدا بمعتدلينْ لم يسلبهما
لا فيهما عوجٌ ولا نقدانِ
وكِلاَهُمَا تَحْتَ الضَّبَابِ كَأنَّمَا
دهن المثقِّفُ ليطه بدهانِ
وغَدَا بِسَامعَتَيْ وَأى ً أَعْطَاهُمَا
حَذَراً وسَمْعاً خَالِقُ الآذَانِ