الخيل والليل والبيداء تعرفني
الخيلُ والليلُ والبَيداءُ تعرِفُني
- والسّيفُ والرّمحُ والقرطاسُ وَالقَلَمُ
 
أنا الذي نظر الأعمَى إلى أدَبي
- وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
 
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
- وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
 
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
- أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
 
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
- وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
 
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
- أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
 
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها
- أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ[١]
 
محبّي قيامي ما لذلكم النصل
أَمِط عَنكَ تَشبيهي بِما وَكَأَنَّهُ
- فَما أَحَدٌ فَوقي وَلا أَحَدٌ مِثلي[٢]
 
كم قتيل كما قتلت شهيد
لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي
- وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي
 
وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّا
- دَ وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ
 
إِن أَكُن مُعجَبًا فَعُجبُ عَجيبٍ
- لَم يَجِد فَوقَ نَفسِهِ مِن مَزيدِ
 
أَنا تِربُ النَدى وَرَبُّ القَوافي
- وَسِمامُ العِدا وَغَيظُ الحَسودِ
 
أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَها اللَـ
- ـهُ غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ[٣]
 
ملامي النوى في ظلمها غاية الظلم
كأنّي دحوْتُ الأرضَ من خبرتي بها
- كأنّي بَنى الإسكَندرُ السدّ من عزْمي[٤]
 
لكل امرئ من دهره ما تعودا
وَمَا الدّهْرُ إلّا مِنْ رُواةِ قَلائِدي
- إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا
 
فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّراً
- وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا
 
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا
- بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
 
وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني
- أنَا الصائِحُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
 
تَرَكْتُ السُّرَى خَلفي لمَنْ قَلّ مالُه
- وَأنعَلْتُ أفراسي بنُعْماكَ عَسجَدَا
 
إذا سَألَ الإنْسَانُ أيّامَهُ الغِنى
- وَكنتَ على بُعْدٍ جَعَلْنَكَ موْعِدَا[٥]
 
دمع جرى فقضى في الربع ما وجبا
وَإِن عَمَرتُ جَعَلتُ الحَربَ والِدَةً
- وَالسَمهَرِيَّ أَخاً وَالمَشرَفِيَّ أَبا[٦]
 
أطاعن خيلا من فوارسها الدهر
تَمَرّستُ بالآفاتِ حتى ترَكتُهَا
- تَقولُ أماتَ الموت أم ذُعِرَ الذُّعْرُ
 
وأقدَمتُ إقدامَ الأتيّ كأنّ لي
- سوَى مُهجَتي أو كان لي عندها وِتْرُ[٧]
 
أمن ازديارك في الدجى الرقباء
أنا صَخرَةُ الوادي إذا ما زُوحمَتْ
- وإذا نَطَقتُ فإنّني الجوزاءُ
 
وإذا خَفِيتُ على الغَبيّ فَعَاذِرٌ
- أَلّا تَراني مُقْلَةٌ عمياءُ
 
شِيَمُ اللّيالي أنْ تُشكِّكَ ناقَتي
- صَدري بها أفضَى أمِ البَيداءُ
 
فَتَبيتُ تُسئِدُ مُسئِداً في نَيّها
- إسآدَها في المَهْمَهِ الإنضاءُ[٨]
 
بقائي شاء ليس هم ارتحالا
أرَى المُتَشاعِرينَ غَرُوا بذَمّي
- ومَن ذا يَحمَدُ الدّاءَ العُضالا
 
ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ
- يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا
 
وقالوا هَلْ يُبَلّغُكَ الثّرَيّا؟
- فقُلت نَعَمْ إذا شئتُ استِفالا
 
جَوابُ مُسائِلي ألَهُ نَظِيرٌ؟
- ولا لكَ في سُؤالكَ لا ألاَ لا[٩]
 
لك يا منازل في القلوب منازل
وإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ
- فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ[١٠]
 
فؤاد ما تسليه المدام
وما أنا مِنهُمُ بالعَيشِ فيهِم
- ولَكِن مَعدِنُ الذَهَبِ الرَغامُ[١١]
 
مدح أبي الطيب المتنبي لبدر بن عمار الأسدي
في الخَدِّ أَن عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا
- مَطَرٌ تَزيدُ بِهِ الخُدُودُ مُحولا
 
يا نَظرَةً نَفَتِ الرُقادَ وَغادَرَتْ
- في حَدِّ قَلبي ما حَيِيتُ فُلولا
 
كانَت مِنَ الكَحلاءِ سُؤلي إِنَّما
- أَجَلي تَمَثَّلَ في فُؤادي سولا
 
أَجِدُ الجَفاءَ عَلى سِواكِ مُروءَةً
- وَالصَبرَ إِلا في نَواكِ جَميلا
 
وَأَرى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّبًا
- وَأَرى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَملولا
 
تَشكو رَوادِفَكِ المَطِيَّةَ فَوقَها
- شَكوى الَّتي وَجَدَت هَواكَ دَخيلا
 
وَيُعيرُني جَذبُ الزِمامِ لِقَلبِها
- فَمَها إِلَيكِ كَطالِبٍ تَقبيلا
 
حِدَقُ الحِسانِ مِنَ الغَواني هِجنَ لي
- يَومَ الفِراقِ صَبابَةً وَغَليلا
 
حِدَقٌ يُذِمُّ مِنَ القَواتِلِ غَيرَها
- بَدرُ بنُ عَمّارِ بنِ إِسماعيلا
 
الفارِجُ الكُرَبَ العِظامَ بِمِثلِها
- وَالتارِكُ المَلِكَ العَزيزَ ذَليلا
 
مَحِكٌ إِذا مَطَلَ الغَريمُ بِدَينِهِ
- جَعَلَ الحُسامَ بِما أَرادَ كَفيلا
 
نَطِقٌ إِذا حَطَّ الكَلامُ لِثامَهُ
- أَعطى بِمَنطِقِهِ القُلوبَ عُقولا
 
أَعدى الزَمانَ سَخاؤُهُ فَسَخا بِهِ
- وَلَقَد يَكونُ بِهِ الزَمانُ بَخيلا
 
وَكَأَنَّ بَرقًا في مُتونِ غَمامَةٍ
- هِندِيُّهُ في كَفِّهِ مَسلولا
 
وَمَحَلُّ قائِمِهِ يَسيلُ مَواهِبًا
- لَو كُنَّ سَيلا ما وَجَدنَ مَسيلا
 
رَقَّت مَضارِبُهُ فَهُنَّ كَأَنَّما
- يُبدينَ مِن عِشقِ الرِقابِ نُحولا
 
أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ
- لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا
 
وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ
- نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا
 
وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِبًا
- وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا
 
مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ
- في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا
 
ما قوبِلَت عَيناهُ إِلا ظُنَّتا
- تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا
 
في وَحدَةِ الرُهبانِ إِلا أَنَّهُ
- لا يَعرِفُ التَحريمَ وَالتَحليلا
 
يَطَءُ الثَرى مُتَرَفِّقًا مِن تيهِهِ
- فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَليلا
 
وَيَرُدُّ غُفْرَتَهُ إِلى يافوخِهِ
- حَتّى تَصيرَ لِرَأسِهِ إِكليلا
 
وَتَظُنُّهُ مِمّا يُزَمجِرُ نَفسُهُ
- عَنها لِشِدَّةِ غَيظِهِ مَشغولا
 
قَصَرَت مَخافَتُهُ الخُطى فَكَأَنَّما
- رَكِبَ الكَمِيُّ جَوادَهُ مَشكولا
 
أَلقى فَريسَتَهُ وَبَربَرَ دونَها
- وَقَرُبتَ قُربًا خالَهُ تَطفيلا
 
فَتَشابَهُ الخُلُقانِ في إِقدامِهِ
- وَتَخالَفا في بَذلِكَ المَأكولا
 
أَسَدٌ يَرى عُضوَيهِ فيكَ كِلَيهِما
- مَتنًا أَزَلَّ وَساعِدًا مَفتولا
 
في سَرجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرَّةٍ
- يَأبى تَفَرُّدُها لَها التَمثيلا
 
نَيّالَةِ الطَلَباتِ لَولا أَنَّها
- تُعطي مَكانَ لِجامِها ما نيلا
 
تَندى سَوالِفُها إِذا استَحضَرتَها
- وَيُظَنَّ عَقدُ عِنانِها مَحلولا
 
ما زالَ يَجمَعُ نَفسَهُ في زَورِهِ
- حَتّى حَسِبتَ العَرضَ مِنهُ الطولا
 
وَيَدُقُّ بِالصَدرِ الحِجارَ كَأَنَّهُ
- يَبغي إِلى ما في الحَضيضِ سَبيلا
 
فكَأَنَّهُ غَرَّتهُ عَينٌ فَادَّنى
- لا يُبصِرُ الخَطبَ الجَليلَ جَليلا
 
أَنَفُ الكَريمِ مِنَ الدَنِيَّةِ تارِكٌ
- في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا
 
وَالعارُ مَضّاضٌ وَلَيسَ بِخائِفٍ
- مِن حَتفِهِ مَن خافَ مِمّا قيلا
 
سَبَقَ التِقاءَكَهُ بِوَثبَةِ هاجِمٍ
- لَو لَم تُصادِمُهُ لَجازَكَ ميلا
 
خَذَلَتهُ قُوَّتُهُ وَقَد كافَحتَهُ
- فَاستَنصَرَ التَسليمَ وَالتَجديلا
 
قَبَضَت مَنِيَّتُهُ يَدَيهِ وَعُنقَهُ
- فَكَأَنَّما صادَفتَهُ مَغلولا
 
سَمِعَ اِبنُ عَمَّتِه بِهِ وَبِحالِهِ
- فَنَجا يُهَروِلُ مِنكَ أَمسِ مَهولا
 
وَأَمَرُّ مِمّا فَرَّ مِنهُ فِرارُهُ
- وَكَقَتلِهِ أَلا يَموتَ قَتيلا
 
تَلَفُ الَّذي اتَّخَذَ الجَراءَةَ خُلَّةً
- وَعَظَ الَّذي اتَّخَذَ الفِرارَ خَليلا
 
لَو كانَ عِلمُكَ بِالإِلَهِ مُقَسَّمًا
- في الناسِ ما بَعَثَ الإِلَهُ رَسولا
 
لَو كانَ لَفظُكَ فيهِمِ ما أَنزَلَ الـ
- ـقُرآنَ وَالتَوراةَ وَالإِنجيلا
 
لَو كانَ ما تُعطِيهِمِ مِن قَبلِ أَنْ
- تُعطِيهِمِ لَم يَعرِفوا التَأميلا
 
فَلَقَد عُرِفتَ وَما عُرِفتَ حَقيقَةً
- وَلَقَد جُهِلتَ وَما جُهِلتَ خُمولا
 
نَطَقَت بِسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنِّيًا
- وَبِما تُجَشِّمُها الجِيادُ صَهيلا
 
ما كُلُّ مَن طَلَبَ المَعالِيَ نافِذًا
- فيها وَلا كُلُّ الرِجالِ فُحولا[١٢]
 
المراجع
- 1 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " الخيل والليل والبيداءُ تعرفني " .
 - 2 - مُحِبّي قِيامي ما لِذَلِكُمُ النَصلِ .. أبو الطيب المتنبي .
 - 3 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " كم قتيل كما قتلت شهيد .. أبو الطيب المتنبي " .
 - 4 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " ملامي النوى في ظلمها غاية الظلم " .
 - 5 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " لكل امرئ من دهره ما تعودا " .
 - 6 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " دمع جرى فقضى في الربع ماوجبا " .
 - 7 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " أطاعن خيلا من فوارسها الدهر " .
 - 8 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " أمن ازديارك في الدجى الرقباء .. أبو الطيب المتنبي " .
 - 9 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " بقائي شاء ليس هم ارتحالا " .
 - 10 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " لك يا منازل في القلوب منازل " .
 - 11 - اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2019 " فؤاد ما تسليه المدام .. أبو الطيب المتنبي " .
 - 12 - اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2019 " في الخد إن عزم الخليط رحيلا .. أبو الطيب المتنبي " .