اكتشف الذكاء الصناعي (الحلقة الثانية) هل سيحقق الذكاء الصناعيّ حلم أينشتاين؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
اكتشف الذكاء الصناعي (الحلقة الثانية) هل سيحقق الذكاء الصناعيّ حلم أينشتاين؟

هذه هي الحلقة الثانية من سلسلة نتكلم من خلالها عن (الذّكاء الصناعيّ) من جوانبه المختلفة، وقدّ استعرضنا في الحلقة الأولى لمحةً عن إمكانيات الذكاء الصناعيّ، وما هي المرحلة التي وصل إليها في عام 2016 والتي تتمثل في ألفاغو، وذلك بعد عرض لمحةٍ عن تاريخ الذكاء الصناعيّ. اليوم سنخبركم كيف يمكن للذّكاء الصناعيّ تحقيق حلم أينشتاين بالإضافة إلى الحديث عن بعض المواضيع المهمة جدًا والتي من الممكن وضعها تحت إطار فلسفة الذكاء الصناعيّ. ماهو حلم أينشتاين؟


حلم أينشتاين


توفي أينشتاين في الثامن عشر من نيسان عام 1955 مخلّفًا وراءه نظرياتٍ غيّرت العالم ونظرتنا إلى الكون والفيزياء، إلّا أنّه مات وهو يحلم بنظرية توحّد كل شيء، وهي نظريّة تحاول توحيد القوى الأساسية في الكون تحت قانونٍٍ واحد. حاول العديد من الفيزيائيين على مر التاريخ إيجاد هذه النظرية وقد اقترحوا عدة نظرياتٍ واعدةٍ كنظرية الأوتار الفائقة، ولكن كل النتائج حتى يومنا الحالي لا ترقى للتوقعات. تخيّلوا معي أكثر من 50 سنة في البحث، وألمع العقول على مستوى العالم كأمثال أينشتاين وهايزنبرغ وستيفن هوكينغ وغيرهم، لم تستطع التقدم إلّا قليلًا في هذا المجال.


إذًا ما هي العلاقة بين حلم أينشتاين في نظرية توّحد كل شيء وبين الذكاء الصناعيّ؟ الحقيقة إنّ الذكاء الصناعيّ ربما هو من سيجد هذه النظرية وسيحلّ لنا هذه المعضلة وغيرها من المعضلات التي تواجه البشريّة والتّي نقف أمامها عاجزين غير قادرين على عمل أيّ شيء، وبأحسن الحالات نخطو خطواتٍ صغيرةٍ جدًا وغير كافية لتغيير أي شيء.


“حل مشكلة الذكاء الصنعي هو حل محتمل لكل المشاكل الأخرى”


ديميس هاسابيس


هل تذكرون ألفاغو الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى، إنّ ديميس هاسابيس هو رئيس مختبر Deep Mind التابع لجوجل، وهذا المخبر هو المسؤول عن تطوير ألفاغو. يقصد ديميس بأنّ الذكاء الصناعيّ حلّ لكل المشاكل الأخرى حرفيًّا، أي أننا بمجرد حصولنا على ذكاء صناعي عالي المستوى سيكون هذا الأخير بدوره قادرًا على حل كل مشاكلنا العالقة والتي لم نستطع حلها، كمشاكل المناخ والأمراض المستعصية والطاقة وحتى النظريات الفيزيائية ومنها نظرية كل شيء، ربما سنجد علاجًا للسرطان ونقص المناعة المكتسبة وسنحل مشكلة الاحتباس الحراريّ كذلك.


هلل تتخيّل ذلك كل مشاكل البشريّة ستحلّ بضغطة زرٍ واحدةٍ، يرى ديميس إذًا أنّ الحلّ هو أنّ نعمل جميعًا على حل مشكلة واحدة وهي الوصول إلى ذكاءٍ صناعيٍّ عام وهو بدوره سيحل جميع المشاكل الأخرى، ويحلم ديميس كذلك برؤية علماء روبوتات تعمل جنبًا إلى جنب مع العلماء البشر لحل هذه المشاكل.


هل تحمستم كثيرًا للموضوع، إذًا فلنسرع بجرعة من الواقعية. إنّ الوصول إلى هذه المرحلة الواعدة جدًا يمرّ عبر طريق إيجاد ذكاء صناعي عام أو قوي حتى نقول أنّ هذا الحلم سيتحقق. وهو طريقٌ طويلٌ كما سنبيّن ولكن أولًا ماهو الذكاء الصناعي العام؟ وما هو نقيضه الذكاء الصناعي الضيّق؟.


الذكاء الصناعيّ الضيّق narrow AI
يُعرف أيضًا بالذكاء الصناعيّ الضعيف، وهو يمثل أنظمة ذكية قادرة على الاستنتاج ولكنّها تهتم بمجال واحد فقط فمثلًا: خوارزمية قادرة على ترجمة نص من لغة إلى أُخرى ولكنها غير قادرة على تحليل الكلام، ونظام ذكي قادر على لعب الشطرنج وغير قادر على التعرف على الوجوه. هذا النوع من الذكاء يُمثِّل معظم الذكاء الصناعيّ الموجود حاليًّا.


الذكاء الصناعيّ العام Artificial General Intelligence
يُعرَف بالذكاء الصناعيّ القوي، ويُمثّل تلك النوعية من الأنظمة القادرة على التفكير بعدة أشياء معقّدة في بيئات مختلفة بشكل يشابه عمل عقل الإنسان تقريبًا، أو بعبارة أُخرى عدة خوارزميات يمكنها العمل يمكنها العمل سويةً على مهام معقدة مختلفة. يمكن لهذا المهام أن تكون منفصلة تمامًا كلعب ألعاب الحاسب البسيطة ولعب لعبة معقدة كلعبة غو، أو مثلًا اكتشاف علاج لمرض السرطان والتفكير بنظرية توّحد كل شيء.


لكن الطريق ما زال طويلًا كما قلنا، فحتى نحصل على ذكاء صناعي عام لا بدّ لنا من الإجابة على الأسئلة العالقة. هذه الأسئلة تندرج تحت إطار فلسفة الذكاء الصناعيّ. فعلى سبيل المثال ما زال الباحثون في مجال الذكاء الصناعيّ عالقون عند سؤال أساسيّ وهو هل يستطيع الحاسب أن يُفكَر؟ بالإضافة إلى أسئلة من قبيل هل من الممكن للحاسب أن يملك الوعي؟ أو هل يستطيع الحاسب أن يفهم المشاعر أو أن يحس بالألم؟ هل يستطيع الحاسب أن يبدع؟ وغيرها فلنقف عند كل منها بشيء من الإيضاح.


هل يمكن للحاسب أن يفكر؟


سؤالٌ من أصعب الأسئلة للإجابة، فأساسًا البشرية لم تصل إلى تعريف واضح للتفكير البشري وآلية عمله فما بالكم بتفكير الآلة أو الحواسب. إنّ القيام بالعمليات الحسابية بسرعة كبيرة وفهم بعض الرموز لا يعتبر تفكيرًا، وإنما هو تطبيق للقواعد فقط.


ولأن هذا السؤال معقدٌ جدًا _على بساطته _ حاول بعض الباحثون الالتفاف حوله، وإيجاد طريقة أخرى لتبيان ما إذا كان الحاسب يستطيع التفكير أم لا. إنّ أحد أشهر هؤلاء الباحثين هو آلان تورنغ Alan Turing حيث وضع اختبارًا يّسمى بإسمه ويجب على الحواسب اجتيازه حتى نقول أنها تملك ذكاءً مشابهًا لذكاء البشر. هذا الاختبار ببساطةٍ قائمٌ على قدرة الحاسب على خداع أي أحد بأنه بشر، فإذا وضعنا حاسبًا ما في غرفة مغلقة وجعلناه يتواصل مع شخص “يُسمّى حكمًا” واستطاع هذا الحاسب أن يخدع الحكم ويجعله يعتقد أنه كائن بشري بنسبة ما فيكون الحاسب عندها قد تجاوز الاختبار ويمكن القول أنه ذكيًّا.


اكتشف الذكاء الصناعي (الحلقة الثانية) هل سيحقق الذكاء الصناعيّ حلم أينشتاين؟
اختبار تورنغ: حيث يتوجّب على الحاسب أن يخدع الحكم حتى يظنه كائنًا بشريًّا/ حقوق الصورة: ويكيميديا

حتى يستطيع الحاسب اجتياز الاختبار يجب أن يقوم ببعض المهام مثل:1- معالجة اللغات الطبيعية (فهم اللغة الإنكليزية مثلًا). 2- القدرة على تمثيل المعرفة حتى يتمكن من تخزين ما يرى وما يسمع. 3- القدرة على الاستنتاج انطلاقًا من المعلومات المخزنة.


تمّ في عام 2014 اجتياز اختبار تورنغ من قبل برنامج يُدعى يوجين ويحاكي طفلًا في عامه الثالث عشر، واستطاع هذا البرنامج خداع 33 بالمئة من الحكام بأنه طفل فعلًا وبالتالي ووفقًا لاختبار تورنغ فإن هذا البرنامج يُعد ذكيًّا. إلّا إنّ لهذا الإنجاز معارضيه وهو ما يتمثل بتيار فلسفي يؤمن بأنّ الذكاء الصناعيّ لا يمكن أن يرتقي إلى أن يكون شبيهًا بذلك الذي يمتلكه البشر. في سبيل التأكيد على ذلك قام الفيلسوف الأمريكي جون سيرل John Searle بوضع حجة فلسفية دعاها بحجة الغرفة الصينية للتأكيد على أنّ الحواسب لا يمكن أن تفهم أي شيء وذكائها محدود، أمّا الحجة فهي على الشكل التالي:


جون سيرل شخص لا يفهم اللغة الصينية أبدًا والكتابات الصينية بالنسبة له مجرّد خربشات لا يتمكن من إدراكها، ولكنه الآن محبوس ضمن غرفة تحوي صناديق عليها كتابات باللغة الصينية. يوجد في الغرفة أيضًا كتاب للقواعد اللغوية، يحوي يجانب كل سؤال مكتوب باللغة الصينية جوابًا له، ويمكن لأي شخص من خلال هذا الكتاب الردّ على متحدث لغته الصينية هي اللغة الأم. يقوم أشخاص خارج الغرفة بتمرير مجموعة من الأسئلة باللغة الصينية فيقوم جون بالبحث في كتاب القواعد والردّ على هذه الأسئلة فيخدع الأشخاص خارج الغرفة حيث يظنونه شخصًا صينيًّا فعلًا، ولكن هل هو يفهم الصينية حقًا؟ الجواب قطعًا لا وإنّما اقتصر دوره على مقارنة كل سؤال بجوابه ومن ثمّ إرسال الجواب.


اكتشف الذكاء الصناعي (الحلقة الثانية) هل سيحقق الذكاء الصناعيّ حلم أينشتاين؟
حجة الغرفة الصينيّة: الشخص في الداخل لا يفهم اللغة الصينيّة ومع ذلك يخدع من في الخارج./ حقوق الصورة: يوتيوب

اعتقد أنّ الأمور بدأت تتوضح فجون سيرل يلعب دور الحاسب في اختبار تورنغ، والشخص خارج الغرفة هو الحكم، وبشكل مكافئ استطاع الحاسب أن يخدع الحكم ويرد على كافة أسئلته ولكن هذا لا يثبت أي شيء، ويبقى الحاسب لا يفهم شيئًّا على الإطلاق ويقتصر دروه على تنفيذ البرنامج المخزّن بشكل مسبق وهو ما يكافئه كتاب القواعد في الغرفة الصينية.


وبهذا نكون قد عدنا إلى نقطة البداية فهل يستطيع الحاسب أن يفكر أم لا؟ ألم أقل لكم إن في الموضوع فلسفة. أنتم ما رأيكم؟ في حين أنكم تفكرون بالإجابة سأنتقل أنا للسؤال الثاني.


هل من الممكن أن يكون للحاسب وعي خاص وهل من الممكن أن يملك مشاعر؟


عندما كتب اسحاق أزيموف روايته “أنا روبوت” بين العامين 1940 و1950 ابتدئها بروبوت يُدعى روبي يلعب لعبة الغميضة مع فتاة صغيرة تُدعى جلوريا، ولكن من خلال سرد القصة لا تشعر بأن روبي هو روبوت على الإطلاق بل وكأنّه طفل صغير واعٍ لما يحدث حوله يفهم اللغة المحكية ويستجيب للمشاعر المختلفة ويبدي مشاعره كذلك. بعد ذلك بسنوات ظهرت سلسلة أفلام المدمّر The Terminator وهي سلسلة يلعب فيها آرلوند شوارزنيجر دور روبوت مبيد قادم من المستقبل، وهو الآخر كان روبوتًا واعيًّا يتمكن من التفكير واستنتاج الخطط. وبين تلك الرواية وهذا الفيلم لم تقف مخيلة البشر عند أي حدّ، حيث أُلّفت أفلام وروايات عديدة عن موضوع الروبوتات الواعية وكيفية تفاعلها مع البشر.


ولكن هل من الممكن للروبوت أن يملك وعي حقّا؟ سؤالٌ صعبٌ آخر، فأساسًا ومرة أُخرى لم تصل البشريّة إلى ماهية الوعيّ أو تعريف واضح له، وكما رأينا في حجة الغرفة الصينيّة فيمكن للذكاء الصناعيّ أن يخدع الحكم ولكنه لا يعي ما يفعل. انتصر ألفاغو ولكن هل شعر بروعة انتصاره؟!


يعتقد البعض أنّ الوعي سيأتي بشكل آلي مرافقًا للأنظمة شديدة التعقيد فلربما يأتي كناتج جانبي لأنظمة تملك ذكاءً صناعيًّا عامًا، أمّا بالنسبة للمشاعر فيمكنها أن تأتي بشكل جانبي عندما يصبح الذكاء الصناعي واعيًّا.


هل من الممكن للحواسب أن تبدع؟


هل من الممكن لحواسب أن ترسم وتعزف الموسيقا وتؤلّف الروايات؟ سنتناول هذا السؤال بشيء من التفصيل في المقالة القادمة.


هنا تكون حلقتنا الثانية قدّ انتهت، وجاء دوركم لمشاركتنا بآرائكم حول ما تضمنته هذه الحلقة؟ هل هنالك أسئلة ما دارت في خلدكم بعد قراءة الأسطر الماضية؟ شاركونا بها.


المراجع


1- Artificial Intelligence A Modern Approach, Stuart J. Russell and Peter Norvig, Prentice-Hall 1995


2- Artificial Intelligence: what every one needs to know, Jerry Kaplan, Oxford University Press 2016