التجربة التي حسمت النقاش بين نيلز بور وألبرت أينشتاين حول معنى ميكانيك الكم

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/23
التجربة التي حسمت النقاش بين نيلز بور وألبرت أينشتاين حول معنى ميكانيك الكم

كنا قد رأينا في مقال “مفارقة EPR: أخطر سلاح تم رفعه في وجه ميكانيك الكم” كيف أن أينشتاين وبور يؤولان التشابك بشكل مختلف جذرياً عن بعضهما، ومع ذلك فهما يتفقان على الذي سنرصده بعد القياس.


وللتذكير، لو وضعنا زوجاً من الإلكترونات في حالة بل، فسنجد في هذه الحالة أننا عندما نقيس اتجاهي السبين للإلكترونين بأنهما سيكونان بنفس الاتجاه وفق أي محور، وسيكونان بجهة المحور معاً أو بعكسه معاً باحتمال قدره 50%.


والآن، لو سألنا أينشتاين عما ستكون نتيجة قياس سبيني إلكترونين في حالة بل السابقة، فسيقول إننا سنجد أن لهما نفس الاتجاه فيما لو قسناهما وفق أي محور، ولكن لأن السبينين كانا أصلاً موجهين وفق نفس الاتجاه. بينما لو سألنا بور نفس السؤال، فسيجيب بأننا سنجد بعد القياس أن سبيني الإلكترونين بنفس الاتجاه، ولكن هذا التوجه حصل لدى إجراء القياس وليس قبله.


وبذلك، تبدو مسألة التمييز من من بين الرأيين هو الصحيح، مسألة فلسفية لا يمكن لنا معرفتها بالتجربة، أو هكذا كان الفيزيائيون يظنون ولفترة طويلة.


جون بل


لقد تغير كل شيء مع قدوم فيزيائي إيرلندي يدعى جون بل. حيث قام بل بإثبات مبرهنة مذهلة تبين بأنه يمكن لنا من خلال توليد عدد كبير من أزواج الإلكترونات الموجودة في حالة بل التي ذكرناها مثلاً أن نقوم بسلسلة من القياسات على هذه الأزواج، وهذه القياسات ستمكننا من تمييز من كان على حق من بين بور وأينشتاين. إذ أنه لو كان كلام أينشتاين صحيحاً، فالرياضيات ستتنبأ بنتائج محددة، في حين أنه لو كان كلام بور صحيحاً، فالرياضيات ستعطي نتائج أخرى. ويمكن من إجراء القياسات المذكورة فعلاً أن نعرف من من بينهما ستنطبق تنبؤاته على التجربة ونحسم الموضوع!§


في الواقع، إن عمل جون بل ذهب أبعد من ذلك، إذ أنه بين أنه لو ثبت أن كلام أينشتاين صحيح، فلن يكون ميكانيك الكم نظرية غير مكتملة فقط، بل سيكون نظرية خاطئة! وكم ستكون كارثة علينا عندها!


لعبة CHSH


بعد عدد قليل من السنوات، قام كل من كلاوزر§ وهورن§ وشيموني§ وهولت§ بتبسيط عمل جون بل من خلال وضع متراجحة سميت بمتراجحة CHSH وذلك وفق الأحرف الأولى من أسمائهم والتي يمكن لنا اختبارها تجريبياً بسهولة نسبياً كي نحسم النقاش بين بور وأينشتاين حول معنى ميكانيك الكم.


ولفهم هذه المتراجحة، سنشرحها كلعبة يقوم بها شخصان سندعوهما أليس وبوب (اسمان يحبهما الفيزيائيون كنايةً عن الحرفين A و B).
إن اللعبة بسيطة للغاية. سيجلس كل من أليس وبوب في غرفتين منفصلتين، بحيث لا يمكن التواصل بينهما بأي شكل.


وفي كل غرفة، توجد شاشة على الجدار تولد في كل ومضة لها رقماً هو 0 أو 1 بطريقة عشوائية تماماً. والمطلوب من أليس وبوب هو أن يكتبا رقماً عندما يرى كل منهما ومضة الشاشة وهذا الرقم سيكون هو إما 0 أو 1 ولا يشترط أن يكون نفسه الرقم الظاهر على الشاشة. وسيربحان في حين كانت أرقامهما التي يكتبانها متطابقة إذا أعطت الشاشتان الأرقام التالية (الخانة الأولى للشاشة الأولى والثانية للثانية):


(0,0), (0,1) ,(1,0)


في حين أن عليهما أن يكتبا رقمين مختلفين لو ظهر على الشاشتين النتيجة:


(1,1)


وعلى الرغم من عدم سماحنا لأليس وبوب بالتواصل خلال التجربة، إلا أنه يسمح لهما بوضع خطة للعبة قبل التجربة يتفقان عليها.


في الواقع إن أفضل خطة يمكن لهما اتباعها هي أن يتفقا سلفاً على أن يكتبا نفس الرقم مهما كان الرقم الظاهر على الشاشة، ولنقل أنهما اتفقا على أن يكتبا 0 دائماً. في هذه الحالة، فسيربحان اللعبة عند ظهور 3 نتائج من أصل 4 من النتائج الممكنة. وبما أن النتائج الممكنة تظهر بشكل عشوائي تماماً، لذلك يمكننا أن نحسب احتمال ربحهما بالطريقة التي ذكرناها في مقال “مدخل إلى الاحتمالات.. عالم ميكانيكا الكم حيث لا شيء يقيني“، وسيكون ¾ أو 75%.


وفي الواقع إنها أفضل استراتيجية يمكن اتباعها كلاسيكياً ويمكن إثبات ذلك بسهولة، وبالتالي في أي سيناريو كلاسيكي، كأن يكون تصور أينشتاين للواقع هو الصحيح وأن الواقع له توصيف كلاسيكي لا نعلمه، فلن يتجاوز احتمال النجاح 75%.


ولكن، ماذا لو لم يكن كلام أينشتاين هو الصحيح، وكان كلام بور هو الصحيح؟ ماذا لو كان غموض ميكانيك الكم هو كما يصفه نيلز بور تماماً؟


في هذه الحالة، سنحسب احتمال نجاح أليس وبوب في مسعاهما. إن الخطة التي سيتبعانها هنا هي أن كلاً منهما سيأخذ أحد الإلكترونين الموجودين في حالة بل المذكورة في الأعلى، وذلك للعديد من هذه الأزواج. وسيجري كل منهما سلسلة من القياسات على الإلكترون الذي لديه، وفق اتجاهات مختلفة في الفراغ، يتم اختيارها بناءً على الرقم العشوائي الذي سيظهر على الشاشة (لن نفصل هذه القياسات هنا لأنه سيتطلب شرحاً اختصاصياً للأسف). ويسمح ميكانيك الكم في الواقع بإيجاد سلسلة قياسات تجعلهما يربحان اللعبة باحتمال 85% وهو أعلى من أي آلية كلاسيكية!


إذاً، فقد عرفنا كيف سنحسم النقاش بين بور وأينشتاين، فما علينا سوى القيام بالتجربة في العالم الواقعي وأن نرى هل سيجعلنا ميكانيك الكم فعلاً ننجح في لعبتنا 85% من المرات أم أن نجاحنا سيكون ضمن الحدود الكلاسيكية؟§


التجربة


وبالفعل، فقد تم إجراء التجربة، وتبين أن تنبؤات ميكانيك الكم كما فسره بور هي التي تطابق الواقع، وبذلك تم حسم القضية لمصلحة بور لا أينشتاين!§


إذاً، علينا أن نقبل بأن العالم حقاً هو بالغموض الذي يخبرنا عنه ميكانيك الكم، حتى وإن لم يعجب البعض ذلك! وعلينا في النهاية أن نقول، أنه يوجد مخرج لمن يريدون الالتفاف حول نتائج التجربة السابقة، وهو القبول بأن هناك شيئاً ما ينقل المعلومات بين الإلكترونين ويتحرك أسرع من الضوء، إلا أن هكذا حل سينتهك النظرية النسبية نفسها.


لذلك، ومنذ هذه التجربة، فقد معظم الفيزيائيين الرغبة في محاولة تفسير ميكانيك الكم بنماذج كلاسيكية أعمق منه.


هل انتهت التحديات التي تعرض لها تفسير كوبنهاغن يا ترى؟ في الواقع، لا. وفي المرة المقبلة سنتحدث عن قطة شرودينغر، هذا الموضوع الذي قد سمع به غالبية الناس، ولكنه أعمق بكثير من مجرد التصور السائد حول قطة حية وميتة في نفس الوقت.