التضخم الاقتصادي: حقيقة مفروضة أم ظاهرة يمكن التصدي لها؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/23
التضخم الاقتصادي: حقيقة مفروضة أم ظاهرة يمكن التصدي لها؟

كثيرًا ما يتردد على مسامعنا مصطلح التضخم الاقتصادي وكثيرًا ما يكون هذا المصطلح الاقتصادي مبررًا للارتفاع في الأسعار، وضعف لقدرة العملة المحلية على الشراء، دعونا نتعرف في هذا المقال على واحد من أحد الضغوط الرئيسية على اقتصادات الدول ولقمة عيش سكانها.


التضخم كمصطلح


التضخم هو مقياس كمي للمعدل الذي يرتفع عنده متوسط ​​مستوى سعر سلة من السلع والخدمات المختارة في الاقتصاد خلال فترة من الزمن وتشير سلة السلع إلى مجموعة ثابتة من المنتجات والخدمات الاستهلاكية التي يتم تقييم سعرها على أساس منتظم، غالبًا شهريًا أو سنويًا. تُستخدم هذه السلة لتتبع التضخم في سوق أو دولة معينة، بحيث إذا ارتفع سعر سلة السلع بنسبة 2% في السنة، يمكن القول إن التضخم سيكون 2%.


من المفترض أن تكون السلع الموجودة في السلة ممثلة للاقتصاد ويتم تعديلها بشكل دوري لمراعاة التغيرات في عادات المستهلكين. والتضخم هو الارتفاع في المستوى العام للأسعار بحيث تشتري الوحدة الواحدة من العملة كمية أقل مما كانت تشتريه في فترات سابقة. وغالبًا ما يتم التعبير عن التضخم بنسبة مئوية، وبالتالي يشير التضخم إلى انخفاض في القوة الشرائية لعملة الدولة.


ويمكن تعريف التضخم أيضًا أنه:


المعدل الذي يرتفع عنده المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، وبالتالي تنخفض القوة الشرائية للعملة.


أنواع التضخم


يُصنف التضخم إلى ثلاثة أنواع: تضخم الطلب، تضخم التكلفة، والتضخم الداخلي. ومؤشرات التضخم الأكثر استخدامًا هي مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ومؤشر أسعار الجملة (WPI).


يمكن النظر إلى التضخم بشكل إيجابي أو سلبي اعتمادًا على وجهة النظر الفردية ومعدل التغيير.


قد يرغب أصحاب الأصول الثابتة، مثل الممتلكات أو السلع المخزنة، في حصول بعض التضخم لأن ذلك يزيد من قيمة أصولهم. بينما لا يرغب الأشخاص الذين يمتلكون النقد بحصول تضخم، لأنه يؤدي إلى تآكل قيمة ممتلكاتهم النقدية.


وبشكل عام، يطلب مستوى معين من التضخم لتعزيز الإنفاق إلى حد ما بدلاً من الادخار، وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي.


ولتوضيح التضخم أكثر فإنه ومع ارتفاع الأسعار، تفقد العملة قيمتها لأنها أصبحت تشتري سلعًا وخدمات أقل مما كانت تشتريه. تؤثر خسارة القوة الشرائية هذه على تكلفة المعيشة العامة لعامة الناس، مما يؤدي في النهاية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وبشكل عام إن التضخم المستدام يحدث عندما يفوق نمو المعروض النقدي في الدولة النمو الاقتصادي.


ولمكافحة ذلك تتخذ السلطات النقدية للبلد، مثل البنك المركزي، الإجراءات اللازمة للحفاظ على التضخم ضمن الحدود المسموح بها والحفاظ على سير الاقتصاد بسلاسة.


يتم قياس التضخم بطرق متنوعة اعتمادًا على أنواع السلع والخدمات التي يتم النظر فيها وهو عكس الانكماش الذي يشير إلى انخفاض عام يحدث في أسعار السلع والخدمات عندما ينخفض ​​معدل التضخم إلى ما دون 0%.§


الأسباب الرئيسية للتضخم


تضخم الطلب


عندما يصل الاقتصاد الى حالة العمالة الكاملة أو يقترب منها، فإن الزيادة في إجمالي الطلب (AD) تؤدي إلى زيادة في مستوى السعر (PL). وعندما تصل الشركات إلى طاقتها الكاملة، تستجيب من خلال رفع الأسعار التي تؤدي إلى التضخم. أيضًا، ومع الاقتراب من حالة العمالة الكاملة مع نقص العمالة، يطالب العمال بالحصول على أجور أعلى مما يزيد من قدرتهم الشرائية.


مثال على تضخم الطلب في المملكة المتحدة في الثمانينات، حيث شهدت المملكة المتحدة نموًا اقتصاديًا سريعًا. خفضت الحكومة أسعار الفائدة وخفضت الضرائب. ارتفعت أسعار المنازل بنسبة تصل إلى 30% مما أدى إلى تأثير الثروة الإيجابية وزيادة ثقة المستهلك. أدت هذه الثقة المتزايدة إلى ارتفاع الإنفاق وانخفاض الادخار وزيادة الاقتراض وعجزت الشركات عن تلبية الطلب.


تضخم التكاليف


إذا كانت هناك زيادة في تكاليف الشركات، فستقوم الشركات بنقل ذلك إلى المستهلكين ويمكن أن يحدث تضخم التكلفة بسبب العديد من العوامل:


  1. ارتفاع الأجور: عندما تكون النقابات جبهة موحدة، فيمكنها المساومة للحصول على أجور أعلى. ارتفاع الأجور هو سبب رئيسي لتضخم التكلفة لأن الأجور هي التكلفة الأكثر أهمية للعديد من الشركات. (قد تساهم الأجور المرتفعة أيضًا في ارتفاع الطلب).

  2. أسعار الاستيراد: إذا كان هناك انخفاض في قيمة العملة، فستصبح أسعار الاستيراد أكثر تكلفة مما يؤدي إلى زيادة التضخم. إن تخفيض قيمة العملة يعني أنه علينا أن ندفع أكثر لشراء نفس السلع المستوردة.

  3. أسعار المواد الخام: أهمها هو سعر النفط. إذا ارتفع سعر النفط بنسبة 20%، فسيكون لذلك تأثير كبير على معظم السلع في الاقتصاد، وسيؤدي ذلك إلى تضخم التكاليف. على سبيل المثال، في عام 1974 كان هناك ارتفاع حاد في أسعار النفط مما تسبب في فترة من التضخم العالي في جميع أنحاء العالم.

  4. انخفاض الإنتاجية: إذا أصبحت الشركات أقل إنتاجية وسمحت بارتفاع التكاليف، فإن هذا يؤدي دائمًا إلى ارتفاع الأسعار.

  5. ضرائب أعلى: إذا فرضت الحكومة ضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، فيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي سيزداد مؤشر أسعار المستهلك. ومع ذلك، من المرجح أن تكون هذه الزيادات الضريبية زيادات لمرة واحدة. حتى أن هناك أحد مقاييس التضخم يتجاهل تأثير الزيادة أو النقصان المؤقت في الضرائب.

ماذا يمكن أيضًا أن يكون سببًا للتضخم؟



  1. ارتفاع أسعار المنازل: ارتفاع أسعار المنازل لا يسبب التضخم بشكل مباشر، ولكن يمكن أن يسبب أثرًا إيجابيًا على الثروة ويشجع النمو الاقتصادي، هذا يمكن أن يسبب تضخم الطلب بشكل غير مباشر.

§
  1. طباعة المزيد من المال: زيادة المعروض النقدي بشكل أسرع من نمو الناتج سيؤدي إلى التضخم. والسبب هو أن هناك المزيد من الأموال مع نفس العدد من السلع. لذلك، فإن الزيادة في الطلب تدفع الشركات إلى رفع الأسعار. إذا زاد العرض النقدي بنفس معدل النمو، فستبقى الأسعار كما هي.

في عام 2001 وفي المملكة المتحدة، زاد الناتج 20%. وازداد عرض النقود بنسبة 20%. فلم يتغير متوسط سعر القطعة وظل عند 0.50 جنيه إسترليني (صفر تضخم).


في عام 2002، زاد الناتج 16.6% وزاد المعروض النقدي 16.6%. الأسعار بقيت على حالها ومعدل التضخم 0%.


ومع ذلك وفي عام 2003، زاد الناتج 14% لكن المعروض النقدي زاد بنسبة 42%. ومع زيادة المعروض النقدي بشكل أسرع من الناتج، حصل هناك ارتفاع في الطلب. استجابة لهذا الارتفاع في الطلب، رفعت الشركات الأسعار وحصل التضخم.


ولكنه أيضًا، وفي ظروف استثنائية مثل حالة ركود السيولة، من الممكن زيادة المعروض النقدي دون التسبب في التضخم. هذا لأنه في حالة الركود، قد يتم حفظ المعروض النقدي الزائد.§


كيف يمكن ضبط التضخم؟


يمكن تقليل التضخم من خلال السياسات التي تبطئ نمو الطلب الكلي أو تعزز معدل نمو العرض الكلي أو اتخاذ الإجراءين معًا، وهناك مجموعة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها.


السياسات المالية


إن التحكم في الطلب الكلي مهم إذا أردنا السيطرة على التضخم. إذا كانت الحكومة تعتقد أن الطلب الكلي مرتفع للغاية، فقد تختار تشديد السياسات المالية عن طريق تقليل إنفاقها على السلع ومدفوعات الرفاهية. يمكن أن تختار زيادة الضرائب المباشرة، مما يؤدي إلى انخفاض الدخل الحقيقي المتاح.


السياسة النقدية


ينطوي “تشديد السياسة النقدية” على قيام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة لفترة مؤقتة بهدف خفض الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري.


قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع سعر الصرف مما يؤدي إلى انخفاض في تكلفة السلع والخدمات المستوردة وكذلك انخفاض في الطلب على الصادرات.


السياسات الاقتصادية الخاصة بالعرض


تسعى هذه السياسات إلى زيادة الإنتاجية والمنافسة والابتكار- وكلها يمكن أن تحافظ على أسعار منخفضة. وقد تختار الحكومة إدخال ضوابط مباشرة على بعض الأسعار والأجور حيث يمكن التحكم في الزيادة السنوية في أجور القطاع الحكومي أو حتى تجميدها (وهذا يعني انخفاضًا حقيقيًا في الأجور).


ما أفضل طريقة للسيطرة على التضخم؟


الطريقة الأنسب للسيطرة على التضخم على المدى القصير هي أن تسيطر الحكومة والبنك المركزي على الطلب الكلي بحيث يكون في مستوى يتفق مع قدراتها الإنتاجية.


يمكن أن يتم ضبط الطلب الكلي بشكل أفضل من خلال استخدام السياسة النقدية بدلًا من الاعتماد على السياسة المالية كأداة لإدارة الطلب.


من المرجح أن يكون التحكم في الطلب للحد من التضخم غير فعال على المدى القصير إذا كانت الأسباب الرئيسية ناتجة عن الصدمات الخارجية مثل ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية. وعلى المدى الطويل، فإن نمو الإمكانات الإنتاجية لجانب العرض هو ما يمنح الاقتصاد المرونة للنمو دون المعاناة من تضخم التكلفة والتضخم.§


تجارب عالمية في مواجهة التضخم


إندونيسيا


شهد الاقتصاد الإندونيسي معدلات منخفضة ومستقرة نسبيًا من التضخم بعد اتباع البنك المركزي سياسة استهداف التضخم في يوليو 2005 مع حرصة على كسب ثقة المتعاملين في السوق من القطاع الخاص والأفراد، إلا أن التحديات التي واجهت البنك المركزي في هذا الشأن بعد الأزمة المالية العالمية خضعت إلى نقاشات مستفيضة من جانب صناع السياسات النقدية.


بهدف ضرورة تحقيق الاستقرار الاقتصادي تبنى البنك المركزي استهداف التضخم كإطار عام للسياسة النقدية بناءً على مقتضيات قانون البنك المركزي الإندونيسي وفقًا لاتفاقية التفاهم بين البنك المركزي والسلطات السياسية. عمليًّا وقبل إصدار قانون البنك المركزي رقم 23 لسنة 1999 كانت السلطات النقدية تستهدف معدلات محددة للتضخم، إلا أن عملية الاستهداف أصبحت رسمية بعد صدور القانون الذي ضمن للبنك المركزي الاستقلالية الكاملة بما يعزز مصداقية البنك المركزي.


كما يحرص البنك المركزي على نشر معدلات الفائدة المستهدفة في الموقع الإلكتروني للبنك بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية الأخرى للسلطات الحكومية ذات الصلة مثل وزارة المالية.


تركيا


بدأ البنك المركزي التركي خطوات التحول التدريجي إلى سياسة استهداف التضخم في عام 2002 في أعقاب ليلة الاستقلالية التامة عن السلطة السياسية في هذا الشأن، ومُنح البنك المركزي صلاحيات أوسع من ذي قبل تمثلت في إعادة هيكلة البنك المركزي وتوسيع نشاطه وأصبح هدفه الرئيسي المحافظة على الاستقرار السعري بالإضافة إلى منحه حق التدخل للمحافظة على تذبذبات سعر الصرف.


من ضمن أسباب نجاح سياسة التضخم في تركيا نذكر ما يلي:


  • استقلالية البنك المركزي: إذ استطاعت تركيا من خلال القانون زيادة درجة استقلالية البنك المركزي وإدخال تعديلات على قانون البنك المركزي وتمكينه من التغلب على الهيمنة المالية.

  • تبني البنك المركزي لهدف وحيد: تمثل في استقرار الأسعار وإعطاء هذا الهدف أولوية أولى لسعر الصرف بالتوازي مع زيادة مرونة سعر الصرف تحسن سياسة الاتصال وشفافية المعلومات، وتطوير أدوات وطرق جديدة للتنبؤ بالتضخم حيث قام البنك المركزي بتصميم عدد من النماذج لتشخيص وضع الاقتصاد التركي إلى جانب إصدار تقارير شهرية دورية، وتقارير خاصة بسوق النقد الأجنبي والسياسة النقدية وكان لهذه الشفافية الجديدة آثار إيجابية في زيادة ثقة المتعاملين بالسوق.

الجدير بالذكر أن الإجراءات سابقة الذكر التي اتخذها البنك المركزي خلال الفترة (2001-2005)، كان هدفها تخفيض معدلات التضخم وتوفير أرضية صلبة لمرحلة أكثر صرامة في تبني سياسة استهداف التضخم التي تم اعتمادها رسميًا في عام 2006 وتم استهداف معدل تضخم بحدود 5% في عام 2006، و4% في عامي 2007- 2008 وتم اتخاذ الإجراءات الاتية:


  • اختيار مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك لقياس التضخم باعتباره المؤشر الذي يتمتع بسهولة ومرونة في القراءة لدى الجمهور، بالإضافة إلى القدرة الجيدة على قياس تكلفة المعيشة وتحديد نطاق السماح. يتقلب معدل التضخم الفعلي في حدود (+/- 2) في المئة مقارنة بالمعدل المستهدف.

  • تم تحديد الأقق الزمني لبلوغ معدل التضخم قيمته المستهدفة بما يعكس تحديدًا ضمنيًا للسرعة اللازمة للتدخل لمعالجة الاختلال عند وقوعه.

رغم الظروف الصعبة التي تمثلت في تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمي لا سيما في أعقاب الأزمة المالية العالمية، مكنت الإجراءات سابقة الذكر البنك المركزي من تنفيذ سياسة استهداف التضخم كما أن كثرة الأزمات لعبت دورًا لا يستهان به في إكساب البنك المركزي التركي خبرة واسعة حيث عمد إلى التدخل كلما دعت الضرورة من خلال الإعلان عن عمليات شراء معلقة في السوق بغرض امتصاص الفائض الناتج عن تدفق العملة الأجنبية، ومن ثم الحد من حجم التقلبات الكبيرة التي قد تصيب سعر الصرف.§