أهميَّة بناء الثِّقة بالنَّفس لدى متعلِّمي اللُّغات المتعدِّد

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/23
أهميَّة بناء الثِّقة بالنَّفس لدى متعلِّمي اللُّغات المتعدِّد


https://static.arageek.com/wp-content/uploads/2020/09/بليب.jpg


ملحوظة: تمَّ تقديمُ هذا المقال من قِبَل آنا بانونتو Anna Panunto، وهي معلمة لمدة اثنين وعشرين عاماً في المدرسة الثانوية لمركز مونتريال لتعليم الكبار.


 


تمهيد


فيما يلي ملاحظاتي المستنِدة على اثنين وعشرين عاماً من تدريس اللغة الإنكليزية للكبار في كلٍ من الثانوية الأكاديمية الإنكليزية من المستوى الأول للخامس، وجامعة ميغيل بقسم اللغة الإنكليزية للدراسات المستمرة بمستوياته المتوسطة والمتقدمة، بالإضافة إلى التدريب المؤسسيِّ للموظفين في كلٍّ من مركزَي عائدات كيبيك وعائدات كندا.


المقدِّمة


يعكِسُ المتعلِّمون البالغون في فصولهم المدرسية تجاربهم الحياتية المتنوعة والمنبثقةَ من مجتمعاتهم الثقافية والاجتماعية. وهذا هو السَّبب في أنَّ معظم البالغين ينتهجون مبدأ التَّعلُّم بما يتناسب مع ثقافاتهم وانتماءاتهم. فما إن يتجلى هدفهم من التعلُّم إلا ويصبح واضحاً جلياً كيف ستكون طريقة سيْرِ تعلُّمهم للوصول إلى غاياتهم.


كيف يمكن للمعلِّم تعزيز القدر الأكبر من إمكانات طلابه؟


الجواب بسيط: من خلال توفير بيئةٍ تعليميةٍ آمنةٍ وفعَّالةٍ، الأمرُ الذي سيُعزِّزُ ثقة الطلَّاب بأنفسهم.


لماذا نتعلَّمُ لغاتٍ إضافيَّةَ؟


لعلَّها خطوةٌ كبيرةٌ أنْ تُصبحَ متقناً للغة جديدة.


في بادئ الأمر، قد يشعرُ المتعلِّم بتحدِّياتٍ هائلةٍ. لكنَّها تستحقُّ كلَّ جهدٍ مبذولٍ في سبيل تطويرها، فالطَّلاقة والتمكُّن من مهاراتِ اللغة الأساسية كالكتابة والتحدُّث والاستماع، يفتحُ الكثير من الأبواب فيما يختصُّ بالحياة المهنيَّة والاجتماعية، كما توفِّر الكثيرَ من الفرص لهم، إضافةً إلى أنَّ ذلك يسهِّل عليهم الاندماج مع متحدَّثي هذه اللغة، فالتحدُّث بلغة أهل البلد الأصلية يحقِّق شكلاً من أشكال التكامل.


إنَّ الطَّلاقة في اللغة لا تتعلق بالقراءة والكتابة فحسب، بل تعزِّز أيضاً كلَّاً من التفكير النَّقدي والوعي السياسيِّ والاجتماعيِّ والثقافيِّ بصرفِ النَّظر عن الغرض الوظيفيِّ لها، وهذا ما يساعدنا على التَّواصل مع الآخرين في ظلِّ مستويات متعددة. ولا نُغفِلُ دور لغة الجسد المحورية عند تعلم أيِّ لغة جديدة، إننا نحتاج إلى الفصل بين ما نعرفه من لغتنا الأم وأيِّ لغة جديدة، وهذا ما يبيِّن لنا أنَّ هناك ثقافة يجب فهمها وراء كلِّ لغة.


عملية التدريس / التعلُّم – عمليِّة تبادل الخبرات


من الجدير بالذِّكر أنَّ التَّجارب الشَّخصية للمتعلِّمين تُؤثِّر على عمليَّة التَّعلُّم. وهذا من شأنه أنْ يوسِّع الوعي الذاتي للمعلم، ويسلِّط الضَّوء على الغرض الوظيفي له حيث يصبح المعلم متعلماً أيضاً.


يتمثل الدَّور الأساسي لأي معلِّم في الإيمان بقدرة طلابه الواسعة على التَّعلم بغض النظر عن قيودهم اللغوية.


كيف يقيس المعلُّم هذه ” القدرة”؟


لا يمكن قياس قدرة الطُّلَّاب على التَّعلُّم إلا بمجرد وصول المتعلِّم لمستوى معين من الثِّقة بالنَّفس.


كيف يقوم المعلِّم برفعِ الطُّلاب لمستوىً عالٍ من الثقة؟


أولاً، من خلال تشجيع الطُّلاب على مواجهة واقعهم الحياتي خارج صفوفهم المدرسية، وذلك من خلال منحهم مهاماً صغيرة، مثل الاستطلاعات والاستبيانات والمقابلات القصيرة وما إلى ذلك… وأيضاً منحهم فرصة لمشاركة تجاربهم الشَّخصية مع متحدِّثي اللغة الأصليين.


ثانياً، عبر تزويد الطُّلاب بأدوات مفيدة وعملية عند مواجهة بعض المعيقات كالَّتفسير الخاطئ وسوء الفهم الناشئ عن اختلاف الثقافات، وما إلى ذلك.. فبقدر ما يكون فيه صعباً التواصل بلغة جديدة بين المتحدثين الأصليين، بقدر ما يكون مشاركة انتصارات الطلاب الصغيرة مفيداً كإجراء مقابلة عمل ناجحة أو اجتياز امتحانات القبول الجامعي، … الخ


إنَّ كلَّ ما ذُكر يساعد على بناء الثقة بالنَّفس للطَّالب خطوة بخطوة، وسيدرك الطُّلاب لاحقاً أن اندماجهم أمرٌ كان بالإمكان حدوثه، وعند ذلك يكون المعلِّم جاهزاً لمعرفة قدرة وسعة كلِّ طالب لديه.


الطُّلَّاب المتمرِّدون – لا أريد تعلَّم هذه اللغة!


في بعضِ الأحيان، يواجه المعلِّمون تحدِّي الطُّلاب المتمرِّدين، أولئك الذين لا يرغبون في تعلُّم اللغة لأنَّهم مُجبرون على تعلُّمها. من الممكن أن يتسبَّب هذا في كرهِهم للغة بكل تفاصيلها كالتراكيب النحويّة وقواعد النطق وغيرها. وهذا بدوره يؤثِّر على ثقة المتعلِّمين بأنفسهم. وعند هذه النقطة يُحَبَّذُ تذكير الطلَّاب دوماً بإنجازاتهم كونهم يتحدثون أكثر من لغة، وعلى المُعلِّم إرشادُهم بكلِّ لُطْفٍ وتفهُّم عبر مسيرتهم التعليمية. إنَّ تعلُّم اللغة لا يعتمد على إحراز الدرجات التحصيلية، بل يعتمدُ أكثر على المهارات المكتسبة حال تعلُّمهم لتلك اللغة. إنَّها عملية تطوُّرٍ تدريجي، وعلى الرغم من أنها قد تبدو فردية إلا أنها تتطلَّب دعماً مجتمعياً.


اللغة والتكنولوجيا


حقَّقت التكنولوجيا في زماننا هذا قفزات واسعة، مما يتطلَّبُ منّاَ تقبُّل هذا المَنْحى الجديد، والتحلِّي إزاءه بالمرونة والصَّبر. إنَّ إلزام كلٍّ من المُعلِّمين والمتعلِّمين على تطبيق التكنولوجيا الجديدة ضمن عملية التعلُّم يمكن أن يسبِّب الضيق والحرج لكليهما. وهنا يكون توفير بيئة تعليمية آمنة أمراً في غاية الأهمِّيَّة، وللتغلِّب على هذا العائق المُستجَد يَلزمُ تقبُّل ارتكاب الأخطاء للجميع. إن التأكَّد من حصول الطُّلاب على الدَّعم اللازم عند تعلُّم التكنولوجيا الجديدة وتقبُّل أخطائهم بروح مرحة، إضافة إلى دعم الأقران لبعضهم البعض يخلق إحساساً بالانتماء في الصَّفِّ الدراسي. وفي معظم الأحيان يتواجد مِن المتعلَّمين من يقوم بحلِّ المشكلات التكنولوجية الطارئة للمعلِّم. وقد حدث لي هذا عدَّة مرات حيث ساعدني أحد طلَّابي في تعلُّم مهارات جديدة في التكنولوجيا، ممَّا ساعد على تبادل الثقة بيننا. كما أثبت فعاليَّته إنشاء مجموعات للتواصل على تطبيق الفيس بوك. فوسائل الاتصال يمكن أن تكون منفذاً إيجابياً وتمنح بعض الطلَّاب الخجولين فرصة للتعبير عن ذواتهم. لقد كنتُ أفعل ذلك في الصف الدِّراسي طيلة السنوات الستِّ الماضية، وفي كثير من الأحيان يستمرُّ الطلَّاب على تواصل حتى بعد انتهاء الفصل الدراسي.


تقييم الزملاء


هناك نوع من التعليقات من أجل تعزيز الثقة بالنفس في الفصل الدراسي ألا وهو “تعليقات الزملاء”. في البداية، يجب أن يتأكَّد المعلِّم من أنَّ تعليماته واضحة بحيث يسهل تطبيقها وأنَّ ملاحظات زملائه تعكس ذلك. يجب أن تكون التعليقات في الصفِّ الدِّراسيِّ بنَّاءة ممَّا يوفر فرصة للطلاب لمعرفة درجة التَّقدُّم. ومن المفيد أيضاً للمعلِّم إنشاء ورقة ملاحظاتٍ حيث يتمُّ فيها تحديد هذه الأهداف بوضوح ويمكن للطالب الرُّجوع إليها. تدعى هذه الورقة بقائمة الملاحظات. فعندما يقوم الطلاب بتبادل الملاحظات سويّاً، هنا يمكن للمدرِّس بدء العمليَّة مما يُسهِّل على الطُّلاب تطبيقها لاحقاً. كما يمكن أن تختلف ملاحظات الزملاء من صفٍّ إلى آخر اعتماداً على نشاط الطُّلاب وتفاعلهم، إنَّ وضع القواعد الخاصة بكيفية تطبيقها والإشارة إلى الأهداف باستمرار سيجعلها أمراً طبيعياً ومتقبَّلاً لدى الطلاب ممَّا يخلق إحساساً بالانتماء لصفوفهم الدراسيَّة. عندها يلاحظ المعلِّم تفاعلهم ويمكنه بعد ذلك تقديم مداخلات إضافية لازمة.


إن عمليّة بناء الثِّقة بالنَّفس للطلاَّب هي عمليَّة مهمَّة وتحتاج لجهدٍ كبير. لكنَّ المعلِّم بالمقابل يتعلَّم من طلَّابه وهذا التبادل يُثري كلا الطرفين. وأستشهد هنا بقول جوزف جوبرت:” التدريس هو التَّعلُّم مرَّتين”.


بقلم: آنا بانونتو Anna Panunto
ترجمة: ربى ياسين قصَّاب
تدقيق لغوي: هدى بساطة