تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!

انتشر مصطلح السيارة ذاتية القيادة في الآونة الأخيرة بشكل كبير، بعد دخول شركات عريقة وكبيرة ولها اسمها في هذا المجال، فشركات مثل جوجل وآبل ساهمت بشكل كبير في انتشار هذه التقنية/الصناعة بعد أن وفرت لها العتاد البشري والتقني واللوجستي في سبيل تطوير مثل هذه السيارات.


فحلم قيادة سيارة بدون تدخل العنصر البشري يعتبر قديمًا بعض الشيء، ويرجع إلى خمسينيات القرن الماضي عندما ظهرت أول سيارة ذاتية القيادة حقيقية في ثمانينيات ذلك القرن من خلال مختبرات “نافلاب” التابعة لجامعة كارنيغي ميلون في عام 1984، ومشروع مرسيدس بنز وجامعة بندسويهر في ميونيخ بألمانيا سنة 1987.


ومنذ ذلك التاريخ شهدت هذه الصناعة/التقنية تطورًا كبيرًا، وكل يوم يمر علينا نكون أقرب لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة، فدخول شركات السيارات مثل جنرال موتورز وتويوتا وأودي وبي أم دبليو وفورد ساهم بشكل كبير في إحراز تقدم كبير في تحويل هذا الحلم لحقيقة.


وما يجعلنا أقرب أكثر هو دخول الشركات التقنية في هذا المجال مثل: جوجل وآبل وإنتل والشركة الوليدة تسلا التي ساهمت بشكل كبير في جعل ميدان هذه الصناعة/التقنية أقرب بحلبة تنافس يسعى الكل من أجل الفوز بجائزتها النهائية، من خلال تسارع الاختبارات والنماذج الأولية التي بدأت في الظهور، والكُل يريد أن يكون أول من ينتج سيارة ذاتية القيادة بشكل حقيقي تسير فعلًا في الشوارع والطرقات بدون مشاكل.


ومثلما لكل صناعة أو تقنية وليدة عقبات، فإنّ تطوير سيارة ذاتية القيادة قد لا يكون بتلك السهولة التي يتوقعها البعض، وعلى الرغم من توافر كل شيء بشكل نموذجي للمضي قدمًا في هذا المجال، إلّا أنّ الدماغ البشري لا زال حتى الآن أفضل من البرمجيات الكمبيوترية في اتخاذ القرارات اللحظية في مواجهة الحالات الطارئة والمفاجئة.


وهنا عدة حالات أو مشاكل قد تعترض هذه الصناعة/التقنية في المضي قدمًا على الأقل في الوقت الراهن، ولم يجد لها المهندسون والعاملون في هذا المجال حلًا حتى الآن


سلوك السائقين الآخرين


تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!
كيف تتعامل هذه السيارات مع السائقين المتهورين؟!


الخوارزميات والبرمجيات المدمجة في السيارات ذاتية القيادة يمكن أن تجعل السيارة مثالية لتطبيق قواعد السير في الطرقات، من حيث التوقف والإبطاء واحترام إشارات المرور، فتبطئ من سيرها عند الضوء الأصفر، وتتأهب للسير عند التحول من الضوء الأحمر إلى الأخضر.


كل هذا يجعل السيارة ذاتية القيادة مثالية للجميع، ولكن ماذا عن سلوك السائقين الآخرين الذين لا يمكن لهذه التكنولوجيا أن تسيطر عليهم، وبالتالي على السيارة الذاتية التعامل مع السائقين المسرعين، والذين يتخطون إشارات المرور وحتى أولئك الذين ينحرفون من المسار بدون سابق إنذار.


ففي أحدث تقرير لشركة جوجل حول السيارات ذاتية القيادة التي تطورها “بالرغم من قطع سيارتها لأكثر من مليون كيلومتر على الطرقات”  هنالك 17 حادثًا حدثت لسياراتها التجريبية والمتسبب الأول كان سائقو المركبات الآخرين.


الخرائط وضرورة تحديثها


تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!


هل الجميع يمتلك خرائط ملاحية بتلك الجودة؟!


للسير على الطرقات تحتاج إلى خرائط معدة مُسبقًا لتحديد اتجاهاتك ومساراتك، وهذا بالضبط ما يسير عليه السيارة ذاتية القيادة التي تكون لديها خرائط ثلاثية الأبعاد للمُدن والشوارع للسير عليها بشكل سليم حتى لا يختلط عليها الأمر.


فسيارات جوجل ذاتية القيادة مثلًا لديها خرائط مدمجة مُسبقًا في أنظمتها تحدد مواقع التقاطعات والمنحدرات وعلامات التوقف والمباني المحيطة بالشوارع وما إلى ذلك، الجزء الكبير من هذه البيانات أو الخرائط تم جمعها من برنامج خرائط جوجل بالإضافة إلى تطبيقها الآخر جوجل إيرث.


ولكن ماذا عن الشركات الأخرى فمثل هذه البيانات لا يتم تجميعها بين ليلة وضحاها بل تتطلب سنوات من العمل المستمر، وهو ما تتفوق فيها جوجل بشكل واضح، وحتى إذا افترضنا أنّ الشركات الأخرى قد تحصلت على هذه الخرائط بطريقة أو أخرى.


ماذا عن التغييرات المتسارعة التي تحصل في هذه الطرقات مثل تغيير ظروف بعض الطرق، وإلغاء بعض الطرق وتغيير المنحدرات والإشارات، أو جعل بعض الطرق دائرية بعد أن كانت بشكل مستقيم.


أخلاقيات الطريق


تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!


ماهي خيارات السيارة ذاتية القيادة الاصطدام أم الانحراف أم التوقف؟!


تعتبر من أكبر العقبات التي تواجه تطوير سيارات ذاتية القيادة، فمسألة التصرف عند قيادة السيارة العادية تقع على السائق البشري بشكل رئيسي، وهو مطالب باتخاذ قرار في أقل من ثانية والتي قد تنقذ أرواحًا أو تسبب في موت آخرين، وربما يكون من بينهم أيضًا، بعكس السيارة ذاتية القيادة التي توجهها برمجيات وخوارزميات معدة بشكل مسبق.


فسيناريو مثل عبور طفل أو كائن حي بطريق الخطأ في الطريق يواجه بعدد من الأسئلة، وهو هل ستصطدم السيارة ذاتية القيادة به أم تنحرف عن مسارها؟! وفي حالة الانحراف ماذا عن السيارات القادمة في الاتجاه المعاكس أو المشاة في الممشى الخاص بهم؟! ففي هذه الحالة ركاب السيارة ذاتية القيادة سيكونون في خطر محدق بإمكانية اصطدامهم بالسيارات القادمة، مع العلم أنّ جميع السيارات ذاتية القيادة حتى الآن مبرمجة للتوقف فقط بدون سابق إنذار عند حصول مثل هذه المواقف المعقدة، وفي هذا أيضًا أكبر خطورة على الركاب ومن يأتي من الخلف.


العقبات المفاجئة على الطرقات


تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!


ماذا عن العقبات التي تظهر فجأة في الطريق؟!


تستخدم السيارات ذاتية القيادة الرادار واللايزر والكاميرات عالية الدقة لمسح الطرق لتوضيح العقبات الغير معروفة على الطُرق التي تظهر بشكل مفاجئ، وبينما يتم تقييم الصور الطبيعية من قبل معالجات عالية التقنية لتحديد المشاة وراكبي الدراجات والمركبات الأخرى، ولكن في حالة وجود حُفر مثلًا ظهرت بفعل عوامل الطبيعة أو الضغط بشكل مفاجئ حينها سيكون الأمر مربكًا؛ وذلك لأنّ هذه الحفر والمطبات تكون تحت سطح الطريق وليس فوقها.


الطقس السيّئ


تطوير السيارات ذاتية القيادة … تساؤلات منطقية عن الكمية والنوعية!


ماذا تفعل السيارة الذكية في الظروف المناخية الغير متوقعة؟!


عوامل الطبيعة مثل المطر والثلوج والضباب والأعصاير هي أمور تجعل القيادة بالنسبة للبشر ضربًا من ضروب المستحيل، وفيها مخاطرة شديدة على حياتهم وحياة الآخرين، خاصةً عند اختفاء العلامات والإشارات “الخطوط البيضاء” التي تحدد سير السيارات على مسار الطريق، فماذا عن السيارات ذاتية القيادة والتي قد تواجه الكثير من هذه العوامل على الطريق.


فشركة مرسيدس بنز مثلًا قدمت سيارة ذاتية القيادة فيها 23 جهاز استشعار تستطيع الكشف عن الحواجز والحركة القادمة والأشجار على الطريق والمشاة على أطراف الطريق والعابرين، هذه الأجهزة تمكنت من الحفاظ على السيارة في مسارها على الطريق حتى في حالة عدم وجود خطوط بيضاء على الطريق، ولكنها لم تستطيع إيجاد حل للقيادة وسط الثلوج والأمطار.


وأيضًا في التقارير التي قدمتها شركة جوجل والشركات الأخرى لسلطات ولاية كاليفورنيا حول اختبارات الطرق الوعرة للسيارات ذاتية القيادة، كان الطقس السيّئ سببًا رئيسيًا لفشل نظام السيارات ذاتية القيادة، مما حتم على السائقين البشريين استعادة السيطرة مجددًا.


عقبات قانونية وأمنية


هل السيارة ذاتية القيادة ضد القرصنة؟!


بما أنّها سيارة تقنية إذًا فإنّ المتحكم بها مجموعة من الأوامر البرمجية التي من المحتمل قرصنة أنظمتها البرمجية، وتوجيهها لأغراض أخرى قد تسبب ضررًا بالغًا سواءً لراكبيها أو من يسير بالقرب منها أو حتى قد تمثل تهديد لمدن بحالها.


فسيناريو مثل قرصنتها واختطاف راكبيها وارد جدًا، وحتى استخدامها كأداة لشن هجمات إرهابية على أهداف كبيرة مثل الأسواق أو التجمعات ليس مستبعدًا، كما أنّ في حالة حدوث حادث إلى أين يتجه المتضرر ومن ستخاطب شركات التأمين.


مشروع سير سيارة ذاتية القيادة على الطرقات العامة يبدو واعدًا وقابل للتحقق في المستقبل متى ما وجدَ مهندسوها ومطوروها إجابةً لهذه الأسئلة والكثير غيرها، وهذا لا يعني بأنّ علينا التوقف عن التفكير في وجود مثل هذه السيارات، أو أنّ الأمر بات من الصعب تحقيقه، بل إنّ هذا التطور التكنولوجي من الممكن أن ينقذ حياة الملايين من البشر خاصةً أنّ هنالك نحو 1.2 مليون شخص يموتون سنويًا بسبب حوادث المرور، وجميع تلك الحوادث تقريبًا سببها أخطاء بشرية.


وذلك أمر يمكن تفاديه بإحالة العمل الذهني إلى أجهزة الكمبيوتر التي لها المقدرة الكبيرة على التعامل مع المستجدات لاتخاذ القرارات اللازم في الأوقات الصحيحة لتجنب الحوادث المرورية.