المحتويات
حكم ومواعظ إسلامية
هناك الكثير من الأحاديث، والأقوال، والوصايا، والمواعظ الإسلاميّة، والتي تحمل في جوفها الكثير من المعاني السّامية، والدّلالات الحكيمة، وسنتطرّق في هذا المقال إلى بعض من هذه الحكم، والمواعظ، والأقوال.
بادر بالأعمال الصالحة
طوبى لمن بادر عمره القصير، فعمر به دار المصير، وتهيّأ لحساب النّاقد البصير، قبل فوات القدرة، وإعراض النّصير. قال عليه الصّلاة والسّلام:" بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسيّاً؟ أو غنىً مطغيّاً، أو مرضاً مفسداً، أو موتاً مجهزاً، أو هرماً مفنّداً، أو الدّجال، فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة، فالسّاعة أدهى وأمرّ ". كان الحسن يقول:" عجبت لأقوام أمروا بالزّاد، ونودي فيهم بالرّحيل، وجلس أوّلهم على آخرهم وهم يلعبون "، وكان يقول:" يا بن آدم: السّكين تشحذ، والتنّور يسجر، والكبش يعتلف ".
وقال أبو حازم:" إنّ بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها، فإنّه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلى قليل ولا كثير "، وكان عون بن عبد الله يقول:" ما أنزل الموت كنه منزلته، ما قد غدا من أجلكم، مستقبل يوم لا يستكمله، وكم من مؤمل لغد لا يدركه، إنّكم لو رأيتم الأجل ومسيره، بغضتم الأمل وغروره ".
وكان أبو بكر بن عياش يقول:" لو سقط من أحدكم درهم لظلّ يومه يقول: إنّا لله، ذهب درهمي وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون السّاعات، ويلازمونها بالطاعات "، فقيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" إنّه ما مات حتى سرد الصّوم ". وكانت عائشة رضي الله عنها تسرد، وسرد أبو طلحة بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أربعين سنةً، وقال نافع:" ما رأيت ابن عمر صائماً في سفره ولا مفطراً في حضره ".
قال سعيد بن المسيّب:" ما تركت الصّلاة في جماعة منذ أربعين سنة "، وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في ليلتين، وكان الأسود يقوم حتى يخضر ويصفرّ، وحجّ ثمانين حجّةً. وقال ثابت البنانيّ:" ما تركت في الجامع سادنةً إلا وختمت القرآن عندها "، وقيل لعمرو بن هانئ:" لا نرى لسانك يفتر من الذّكر، فكم تسبّح كلّ يوم؟ قال: مائة ألف، إلا ما تخطئ الأصابع ".
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنةً وقام ليلها، وكان الليل كله يبكي، فتقول له أمّه:" يا بني قتلت قتيلاً "، فيقول:" أنا أعلم بما صنعت نفسي ". قال الجماني:" لمّا حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته، فقال: لا تبك، وأشار إلى زاوية في البيت، إنّه قد ختم أخوك في هذه الزّاوية ثمانية عشر ألف ختمة ".
قال الرّبيع:" وكان الشافعي - رضي الله عنه - يقرأ في كلّ شهر ثلاثين ختمةً، وفي كلّ شهر رمضان ستين ختمةً، سوى ما يقرأ في الصّلوات، واعلم أنّ الرّاحة لا تنال بالرّاحة، ومعالي الأمور لا تنال بالفتور، ومن زرع حصد، ومن جدّ وجد ".
لله درّ أقوام شغلهم تحصيل زادهم، عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذكر المآل عن المال في معادهم، وصاحت بهم الدّنيا، فما أجابوا شغلاً بمرادهم، وتوسّدوا أحزانهم بدلاً عن وسادهم، واتخذوا الليل مسلكاً لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النّار عن غيّهم وفسادهم، فيا طالب الهوى جز بناديهم ونادهم:
أحيوا فؤادي ولكنّهم
على صيحة من البين ماتوا جميعاً
حرموا راحة النّوم أجفانهم
ولفوا على الزّفرات الضلوعا
طوال السّواعد شمّ الأنوف
فطابوا أصولاً وطابوا فروعاً.
أقبلت قلوبهم ترعى حقّ الحقّ، فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق، فالأبدان بين أهل الدّنيا تسعى، والقلوب في رياض الملكوت ترعى، نازلهم الخوف فصاروا والهين، وناجاهم الفكر فعادوا خائفين، وجنّ عليهم الليل فباتوا ساهرين، وناداهم منادي الصّلاح، حيّ على الفلاح، فقاموا متّجهين، وهبّت عليهم ريح الأسحار فتيقّظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين، فلمّا رجعوا وقت الفجر بالأجر، نادى الهجر يا خيبة النّائمين. (1)
عليك بالخوف من الله
من عَلم عظمة الإله زاد وجلهُ، ومن خاف نقم ربّه حسن عمله، فالخوف يستخرج داء البطالة ويشفيه، وهو نعم المؤدّب للمؤمن ويكفيه. قال الحسن:" صحبت أقواماً كانوا لحسناتهم أن تردّ عليهم أخوف منكم من سيئاتكم أن تعذّبوا بها ". ووصف يوسف بن عبد الحسن فقال:" كان إذا أقبل كأنّه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس كأنّه أسير من يضرب عنقه، وإذا ذكرت النّار فكأنّما لم تخلق إلا له ".
وكان سميط إذا وصف الخائفين يقول:" أتاهم من الله وعيد وفدهم، فناموا على خوف، وأكلوا على تنغّص "، واعلم أنّ خوف القوم لو انفرد قتل، غير أنّ نسيم الرّجاء يروح أرواحهم، وتذكّر الإنعام يحيي أشباحهم، ولذلك روي:" لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لا اعتدلا ". (1)
بعض ثمرات الطاعة
من أراد دوام العافية فليتقّ الله، ما أقبل مقبل عليه إلا وجد كل خير لديه، ولا أعرض معرض عن طاعته إلا وتعثّر في ثوب غفلته:
والله ما جئتكم زائراً
إلا رأيت الأرض تطوى لي
ولا انثنى عزمي عن بابكم
إلا تعثّرت بأذيالي.
روى أبو هريرة، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال:" قالَ ربُّكم عزَّ وجلَّ: لَو أنَّ عبادي أطاعوني لأسقَيتُهُمُ المطرَ باللَّيلِ، وأطلعتُ عليهمُ الشَّمسَ بالنَّهارِ، ولما أسمعتُهُم صَوتَ الرَّعدِ "، مسند أحمد. قال أبو سليمان الداراني:" من صفا صفا له، ومن كدر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كفي في نهاره "، وقال الفضيل بن عياض:" إنّي لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي ".
فيامن من يريد دوام العيش على البقاء، دُم على الإخلاص والنّقاء، وإياك والمعاصي، فالعاصي في شقاء المعاصي، والمعاصي تذلّ الإنسان وتخرس اللسان، وتغيّر الحال المستقيم، وتحمل الاعوجاج مكان التقويم. قال يحيى بن أبي كثير:" لمّا أصاب داود الخطيئة، نفرت الوحوش من حوله، فنادى: إلهي ردّ عليّ الوحوش كي أستأنس بها، فردّها الله عليه، فأحطن به واصطفن إليه، فرفع صوته بقرآنه الزّبور، فنادته هيهات هيهات يا داود، قد ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك، فكان يقول: بحّ صوتي في صفا أصوات الصّديقين، وأصبحت كالبازي المنتف ريشه، يرى حسران كلما طار طائر ". (1)
يرى طائرات الجوّ يخفقن في الهوى
فيذكر ريشاً من جناحه وافر
وقد كان دهراً في الرّياض منعّماً
على كلّ من يهوى من الصّيد قادر
إلى أن أصابته من الدّهر نكبة
فأصبح مقصوص الجناحين حاسر
مضى السّابقون الأولون لفورهم
وقصرت في أمري وإنّي لخاسر. (1)
وصايا الخلفاء
- وصيّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
- وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه
مواعظ لقمان
حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا أبو اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن أبي حسين قال:" بلغني أنّ لقمان الحكيم كان يقول: يا بنيّ لا تعلم العلم لتباهي به العلماء، وتماري به السّفهاء، وترائي به في المجالس، ولا تدع العلم زهداً فيه، ورغبةً في الجهالة. يا بنيّ اختر المجالس على عينيك، فإذا رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإن تك عالماً ينفعك علمك، وإن تك جاهلاً يعلّموك، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإن تك عالماً لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلاً يزيدوك غيّاً، ولعلّ الله أن يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم ".
حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا يزيد عن نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير، أنّ لقمان قال لابنه:" يا بنيّ تخيّر المجالس على عينيك، ثمّ ذكر مثل حديث أبي اليمان إلى آخره وزاد فيه، ولا يعجبّنك رحب الذّراعين سفّاك دماء النّاس، فإنّ له قاتلاً لا يموت، وقال يزيد أحسبه قال بيده كصخرة يرضخ بها رأسه كلما رضخه أعيد له رأس جديد ".
قال وحدّثونا عن سفيان بن عيينة قال: قيل للقمان:" أيّ النّاس خير؟ فقال: المؤمن العالم الغنيّ، قيل له أغنيّ من المال؟ قال: لا، ولكن الذي إذا احتيج إليه نفع، وإذا استغنى عنه اكتفى، قال: فأيّ النّاس شرّ؟ قال: الذي لا يبالي أن يراه النّاس مسيئاً ". (3)