الصداقة
تُعدّ الصّداقة من أسمى، وأنبل العلاقات، وأرقاها، خصوصاً إذا كانت مبنيّةً على أساسٍ من المحبّة، والمودّة، والإخلاص، والتّفاني، وإيثار كلّ صديقٍ لصديقه على نفسه؛ فالصّداقة هي أجمل ما يميّز العلاقات الإنسانية بين البشر، وأجمل الصّداقات هي تلك التي تبقى عالقةً مدى العمر، ومهما طالت السّنين، فمثلاً علاقة الطلّاب على مقاعد الدّراسة تبقى عالقةً في القلب، والعقل، وكلّ جوارح الإنسان؛ لأنّها دائماً تشعل الحنين في قلوب الأصدقاء لماضٍ ذهب بعيداً، وأخذ معه أحلى الذّكريات العذبة التي كانت أيّام الطّفولة البريئة، وفترة الشّباب الحالمة المليئة بالمرح والضّحك، وتُتوّج هذه الصّداقة بأن يجد الصّديق صديقه في مواقف الضّيق؛ ليكون سنداً له في أيّام الشدّة، وهذا هو المعنى الحقيقيّ للصّداقة.
ليس الصديق الذي تعلو مناسبه
محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري، هو شاعر مصري ولد وتوفي عام (1255 هـ / 6 أكتوبر 1839 - 1322 هـ / 12 ديسمبر 1904)، وهو أحد زعماء الثورة العرابية، وهذه إحدى القصائد التي يتحدث فيها عن الصديق:
- بلِ الصديق الذي تَزكُو شمَائِلُهُ
- أو نَابَكَ الهمّ لَم تَفتُرْ وسائِلُهُ
- وَلا تُغِبُّكَ مِن خيرٍ فواضلُهُ
- بجمرِ أحقادهِ تَغلِي مراجِلُهُ
- ليوهِمَ النَّاس أنَّ الحزن شامِلُهُ
- فاحذرهُ واعلم بأنّ اللَّهَ خاذِلُهُ
هي فرقة من صاحب لك ماجد
قصيدة الشاعر أَبو تَمّام 188 - 231 هـ / 803 - 845 محبيب بن أوس بن الحارث الطائي، كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطع، في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، وهذه قصيدة له في صديقه:
- فغداً إذابة ُ كلَّ دمعًٍ جامدِ
- فالدَّمْعُ يُذْهبُ بَعْضَ جَهْد الجَاهدِ
- دَمْعاً ولاصَبْراً فَلَسْتَ بفاقد
- سماً وخمراً في الزلالِ الباردِ
- أخلاقك الخضرُ الربا بأباعدِ
- نغْدُو وَنَسْري في إِخَاءٍ تَالدِ
- عذبٌ تحدرَ من غمامٍ واحدِ
- أدبٌ أقمناهُ مقامَ الوالدِ
- للأَشْقَرِ الجَعْدِي أو للذَّائذِ
- منْ لَفْظكَ اشتُقَّتْ بَلاغَة ُ خالدِ
- لَزَعَمْتُ أنَّكَ أنتَ بِكْرُ عُطارِدِ
- سلساً جريركَ في يمينِ القائدِ
- بَيْضاءَ حَلَّتْ في سَواد الحَاسدِ
- يوماً ولا هي رغبتْ في زاهدِ
- في رَوْضها الرَّاعي أمامَ الرَّائد
- إلاَّ وأَنْتَ علَيْه أَعْدَلُ شاهد
لا يحسب الجود من ربّ النخيل جداً
أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، شاعر وفيلسوف ولغوي وأديب عربي من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) في معرة النعمان في الشمال السوري وإليها يُنسب، لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت، وذلك لأنّه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتّى وفاته، وقال في الصديق:
- حتى تجودَ على السّود الغرابيبِ
- فغادَرُوهُ أكيلاً بعد تَربيب
- إلى الطّعامِ وسَترٍ بالجلابيبِ
- لذْعَ الهَواجِرِأو وقَعَ الشّآبيب
- إنّ الهجاءَ لمبدُوءٌ بتشبيب
- على الذّراعِ بتقديرٍ وتسبيب
- والرُّعبُ فيهنّ من أجل الرّعابيب
- إذا تخلّصَ من ضيق الأنابيب
- على القلوب بتبغيضٍ وتحبيب
- لم تُخلِه من وشاياتٍ وتخبيب
- حتفاً هداهُ إلى سابورَ أو بيب
- فالملكُ يُحفظُ بالخضرِ اليعابيب
ألا إنما الإخوان عند الحقائق
إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، أبو إسحاق، ولد في عين التمر سنة 130هـ/747م، ثمّ انتقل إلى الكوفة، كان بائعاً للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتّى نبغ فيه، توفي أبو العتاهية في بغداد، اختلف في سنة وفاته فقيل سنة (213هـ، 826م)، وقال في هذه القصيدة عن الصديق الحقيقي:
- ولا خيرَ في ودِّ الصديقِ المُماذِقِ
- أقرَّ لعيني من صديقٍ موافقِ
- فإنّي بهِفي وُدّهِ غَيرُ وَاثِقِ
- وَأُفرِشُهُ ما يَشتَهي مِنْ خَلائِقِ
- وَأعْلَمُ أنّ اللّهَ، ما عِشتُ رَازِقي
- صبورٍ على ما نابَهُ من بوائِقِ
واستبق ودك للصديق ولا تكن
زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، أبو أمامة، النابغة لقب بهذا اللقب لأنّه نبغ في الشعر أي أبدع في الشعر دفعة واحدة، واختلف النقاد في تعليله وتفسيره، وهنا نتناول إحدى قصائده عن الصداقة التي صنفها على أنّها قصيدة عامة ونوعها عمودية من بحر الكامل:
- قَتَباً يَعَضُّ بِغارِبٍ مِلحاحا
- فَتَأَنَّ في رِفقٍ تَنالُ نَجاحا
- وَلِرُبَّ مَطعَمَةٍ تَعودُ ذُباحا
- وَالحارِثَينِ بِأَن يَزيدَ فَلاحا
- قَد غالَ حِميَرَ قَيلَها الصَبّاحا
- وَعلا أُذَينَةَ سالِبَ الأَرواحا
إلى الصديق
قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي (1889 - 23 نوفمبر 1957) وهو شاعر عربي لبناني يُعدّ من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، نشأ في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته له عدّة دواوين، أهمها: تذكار الماضي، وتبر وتراب، والجداول، والخمائل، وديوان إيليا أبو ماضي، وهذه من أهم القصائد المشهورة له عن الصديق:
- فأحطم دواتك واكسر القلما
- لا يحملون وتحمل الألما
- أحسبت أنّك تسمع الرّمما
- وكأنّ في آذانهم صمما
- أو أنت مّمن يخلق الهمما
- أدبا وحاتم طيء كرما
- والعلم رسططا ليس والشّيما
- وشأوت آديسون معتزما
- وحبوتهم إيّاه منتظما
- وجعلت كلّ مبعّد أمما
- إني وجدت الحرّ متّهماً
- عرفتهم الدّنيا ولا نقما
- وكأنّما قد آثروا العدما
- نصلوا فلا عربا ولا عجناً
- والغرب ذو خطلر وما زعما
- إنّ القويَّ يهون منقسماً
- وتراه أهون ما يرى ديما
- فإذا يناكر بعضه نهدما
- ما دام فيه الخلف محتكما
- في أمّة كلّ لا تشبه الأمما
- والإثمَ كلّ إن كتما
- والجهل إن يبك الحجى ابتسما
- ولسوف تمضي وهو ما علما
- اللّيث لولا بأسه اهتضما
- كالبحر يأكل حوته البلما
- أو يرحم الضّرغامه الغنما؟
- حتّى لأحسب بيننا رحما
- أن لا يكون الشّمل ملتئما
- ويقرأه أخوك دما
- عضّ الأناسل بعدما ندما
- حتّى تكون الأرض وهي سما
- غرّاء يهتك نورها الظّلما
- ونطقت لما استصحبوا البكما
- كانت روائعهم لها خدما
- سكران جدّ السّكر، محتشما
- ينسي القفار الأنيق الرسما
- كأضالعي مملوءة ضرما
- لو شئت لاستنزلتها كلما
هو الدهر لا يشوي وهن المصائب
قال الشاعر أبو تمام أيضاً في الصديق:
- وأكثرُ آمالِ الرجالِ كواذبُ
- بَلِ المَوْتُ لاشَكَّ الذي هوَ غَالِبُ
- فقلتُ ولكنَّ الشُّكولَ أقارِبُ
- وإنْ باعدتْنا في الأصولِ المناسبُ
- إلى قولِهِ الأسماعُ وهي رواغبُ
- سِنَانَيّة ٍ في صَفْحَتَيْها التَّجارِبُ
- فَلَمْ يَجتِمعْ لي رأيُهُ والنَّوائِبُ
- عبجتُ لصبري بعده وهوَ ميتٌ
- على أنَّها الأيامُ قد صرنَ كلَّها
عدوك من صديقك مستفاد
أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، وقيل جورجيس، المعروف بابن الرومي شاعر من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي، ولد في العقيقة في بغداد (2 رجب 221هـ - 283هـ) وتوفي مسموماً ودفن ببغداد عام (283هـ - 896م)، وقال في الصداقة:
- فلا تستكثرنَّ من الصِّحابِ
- يحول من الطعام أو الشراب
- مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
- مُصاحبة ُ الكثيرِ من الصوابِ
- وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ
جفا وده فازور أو مل صاحبه
بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ-168هـ)، أبو معاذ، شاعر مطبوع، إمام الشعراء المولدين، ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، توفي بشار سنة 167هـ إثر اتهامه بالزندقة، وهنا وقفات موجزة يسيرة مع حروف بشار التي يكشف من خلالها عن ثقافة الصداقة وتجربته فيها:
- وأزرى به أن لا يزال يعاتبه
- ولا سلوة المحزون شطت حبائبهُ
- وما كان يلقى قلبهُ وطبائبه
- يميل به مسُّ الهوى فيطالبهُ
- مُوَجَّهَة ً في كلِّ أوْب رَكَائبُهْ
- مَطِيَّة َ رَحَّالٍ كَثيرٍ مَذاهبُهْ
- أربت وإن عاتبته لان جانبه
- صَديقَكَ لَمْ تَلْقَ الذي لاَ تُعَاتبُهْ
- مقارف ذَنْبٍ مَرَّة ً وَمُجَانِبُهْ
- ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
- وأبْناؤُه منْ هوْله وربائبُهْ
- لذيذ الكرى حتى تجلت عصائبه
- خَفِيِّ الْحَيَا ما إِنْ تَلينُ نَضَائُبهْ
- سَقَاني به مُسْتَعِملُ اللَّيْل دَائبُهْ
- نَسَاهُ وَ لاَ تَعْتَلُّ منْهَا حَوَالبُهْ
- على مثلث يدمى من الحقب حاجبه
- خَليطٌ وَلا يَرْجُو سوَاهُ صَوَاحبُهْ
- يجد به تعذامه ويلاعبه
- بذي الرَّضْم حَتَّى مَا تُحَسُّ ثَوَالبُهْ
- على أبقٍ والروض تجري مذانبه
- لَظَى الصَّيْف مِنْ نَجْمٍ تَوَقَّدَ لاَهِبُهْ
- منَ الآل أمْثَالَ الْمُلاَءِ مَسَاربُهْ
- ذُرَى الصَّمْد ممَّا اسْتَوْدَعَتْهُ مَوَاهبُهْ
- منَ الصَّيْف نَئَاجٌ تَخُبُّ مَوَاكبُهْ
- إلى الجأب إلا أنها لا تخاطبه
- أيَمْضِي لِوِرْد بَاكِراً أمْ يُواتـبُهُ
- من الليل وجه يمم الماء قاربه
- يُنَاهبُها أُمَّ الْهُدى وتُناهبُهْ
- إِلَى نَهجٍ مِثْلَ الْمَجَرَّة لاَحِبُهْ
- من الماء بالأهوال حفت جوانبه
- كما صخبت في يوم قيظ جنادبه
- ترود وفي الناموس من هو راقبه
- يَجاذبُها مُسْتحْصِدٌ وتُجاذبُهْ
- أَنين الْمريض للْمريض يُجاوبُهْ
- عليه خلا ما قربت لا يقاربه
- إِذا ما أتاها مُخْفِقاً أوْ تُصاخبُهْ
- غليلُ الْحشا منْ قانصٍ لاَ يُواثبُهْ
- ولبَّاته فانْصاع والْموْتُ كاربُهْ
- فأصبح منها عامراهُ وشاخبه
- كأنَّ الْمَنَايَا في الْمُقَامِ تُناسبُهْ
- وَخِيمٌ إِذا هبَّتْ عليْك جنائبُهْ
- أخا ثقة ٍ تجدي عليك مناقبهْ
- عيون الندى منهم تروى سحائبه
- حبائلهم سيقت إليه رغائبه
- لظاهُ فما يَرْوَى منَ الْمَاء شَاربُهْ
- يزفُّ وقد أوفى على الجذل راكبهْ
- مَوَاردُهُ مَجْهُولَة ٌ وَسَباسبُهْ
- تزيدُ علَى كُلِّ الْفعَال مَرَاكبُهْ
المراجع
- 1 - محمود سامي البارودي، " ليس الصديق الذي تعلو مناسبه " , www.aldiwan.net , محمود سامي البارودي، .
- 2 - أبو تمام، " هي فرقة من صاحب لك ماجد " , www.adab.com , أبو تمام، .
- 3 - أبو العلاء المعري، " لا يحسب الجود من رب النخيل جداً " , www.poetsgate.com , أبو العلاء المعري، .
- 4 - أبو العتاهية، " ألا إنما الإخوان عند الحقائق " , www.adab.com , أبو العتاهية، .
- 5 - النابغة الذبياني، " واستبق ودك للصديق ولا تكن " , www.aldiwan.net , النابغة الذبياني، .
- 6 - إيليا أبو ماضي، " الى الصديق " , www.adab.com , إيليا أبو ماضي، .
- 7 - أبو تمام، " هو الدهر لا يمشي وهن المصائب " , www.adab.com , أبو تمام، .
- 8 - ابن الرومي، " عدوك من صديقك مستفاد " , www.adab.com , ابن الرومي، .
- 9 - بشار بن برد، " جفا وده فازور أو مل صاحبه " , www.adab.com , بشار بن برد، .