طلبت العلم حتى أصابتك لعنة المعرفة.. مقترحات تخفف وطأة هذا الشعور

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2021/02/24
طلبت العلم حتى أصابتك لعنة المعرفة.. مقترحات تخفف وطأة هذا الشعور

وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً …آيةٌ قرآنيةٌ عظيمة البلاغة والإيجاز، فالله قد يرفعك ويمنحك درجاتٍ عاليةً من العلم والمعرفة، لكن تأكّد أنه ليس إلا غيضاً من فيض، وما عند الله أكبر وأعظم بكثير، فالمعرفة مفتاح الحياة لكن إن لم تُستخدم بحكمة، يمكن أن تصيبك بلعنة المعرفة وبغضّ النظر عن خلفيتك العلمية والثقافية، وخبراتك المهنية فأنت بحاجة إلى التوقف عن استهلاك المعرفة والسعي لمشاركتها وتوزيعها لكن بيقظة وروّية.


لعنة المعرفة


من السهل والممتع تبّني قول المعرفة قوة، لكن ماذا لو كانت المعرفة لعنة.. أن نعرف أمراً ما وبعد ذلك يصعب علينا تصوّر الحال إن كنا لا نعرفه، مصطلحٌ يعني أن يكون الشخص مدركاً تماماً تفاصيل موضوع ما، ومن شدّة فهمه له نجده عاجزاً عن تبسيط الفكرة وشرحها، وكلما حاول الشرح كلما زاد الموضوع تعقيداً وغموضاً، وهذا ما يشكل فجوةً كبيرةً بين الخبير بالأمر والمصغي له، لنجد العارف يتحدث بسهولة، ويتوقع من المصغي إليه فهماً سريعاً لأفكاره، متناسياً أنه قد لا يملك تلك المعرفة.


طلبت العلم حتى أصابتك لعنة المعرفة.. مقترحات تخفف وطأة هذا الشعور


تجربة الاستماع توضّح لعنة المعرفة


إليزابيث نيوتن، طالبة دراسات عليا في جامعة ستانفورد، قسم علم النفس، قامت في عام 1990 بتجربة على الطلاب، وطلبت منهم نقر إيقاع أغنية مشهورة على الطاولة أمام حشدٍ من الناس، وطلبت من المستمعين أن يخمّنوا ما هي الأغنية.


وعند تكرار التجربة جاء دور الطلاب ليتوقعوا عدد المستمعين الذين عرفوا هذه الأغنية، وتوقعوا أن تصل النسبة إلى 50%، لكن النتيجة الفعلية الصادمة كانت حوالي 2.5% فقط.


هذا التناقض الهائل حصل لأن الطلاب بالغوا في تقدير قدرتهم، وكانت هذه التجربة التعبير الأوضح عن مصطلح لعنة المعرفة، أظهرت لنا أنه عندما نكون على دراية وخبرة في موضوع معيّن فإننا نفترض أن الآخرين يملكون نفس الخبرة.


طلبت العلم حتى أصابتك لعنة المعرفة.. مقترحات تخفف وطأة هذا الشعور


أسباب لعنة المعرفة


من أهم أسبابها طريقة معالجتنا للمعلومات، حيث نرى الأمور جميعها من منظورنا الخاص، ونكافح في سبيل إدراك اختلاف مستويات معرفة الآخرين عنا، وكثيرًا ما نفشل في التكيّف مع رؤى الآخرين ويصيبنا تحيّز أنانيّ معرفيّ، وقد أظهرت دراسات حديثة في علم الأعصاب أن أدمغة الخبراء تفكر بطريقة مختلفة عن أدمغة المبتدئين، حيث تتغيّر بنية الدماغ ليعالج الأفكار بشكل مختلف ينقله إلى الإتقان، ولا يقتصر الأمر على هذا الاختلاف، إنما المعرفة بحدّ ذاتها هي التي تمنعنا من فهم كيفية إدراك المبتدئين للأمور وهذا ما يسبب لعنة المعرفة أو التعلم.


من تطال لعنة المعرفة؟


عندما تكون محاصراً بهذه اللعنة فإنّ اتصالك مع الآخرين لا يكون كما يجب ودليلك الاجتماعي مشوش، قيادتك للأمور قلقة، ومصداقيتك وتأثيرك بالآخرين متضرران.


  • فنجد لعنة المعرفة تصيب الخبراء ليغدوا عاجزين عن تعليم المبتدئين، مع أنهم يملكون خبرة ودراية بالموضوع الذي يدرسونه لكنهم غالباً ما يعانون في إيصال هذه المعلومات لطلابهم.

  • قد تؤثر لعنة المعرفة على تواصل الناس مع بعضهم، لأن تواصل الناس يعتمد على مشاركة المعارف، فيصعب على الأشخاص ذوي المعارف المختلفة أن يتناقشوا على نفس الموضوع، فالآخرون لا يعلمون مصطلحات مجالهم.

  • قد تمنع لعنة المعرفة الناس من التنبؤ بسلوك الآخرين، فنجد ذوي المعرفة يكافحون ليدركوا كيفية التعرف والتعامل مع الأقلّ معرفة منهم.

طلبت العلم حتى أصابتك لعنة المعرفة.. مقترحات تخفف وطأة هذا الشعور


كي لا نقع ضحايا لعنة المعرفة، يمكن تجريب هذه الممارسات


الانتباه إلى وجود لعنة المعرفة


أي شخص يرغب بمواجهة هذه اللعنة عليه أن يقدر مدى كونها لعنةً شيطانية لأنها تمنعنا من ملاحظة وجودها، وتتمثل أهم طرق تقليل أثرها بإدراك مفهوم أن كلّ شخص لديه مستويات مختلفة من المعرفة.


معرفة المستوى المعرفي للآخر


قبل أن تبدأ بعملك، حاول أن تتصور مدى فهم الآخرين للموضوع الذي تتحدث عنه أو تعمل عليه، فإذا كانت المعرفة الأساسية عالية يمكنك تخطي الأساسيات، أما إذا كانت معرفتهم ضئيلة أو معدومة فعليك البدء من الصفر وتدريجياً.


تقليل المفردات


ابتعد قليلًا عن المصطلحات والمفردات الغريبة، لأن الآخرين سيمقتون الموضوع أيّاً كان طالما أنهم بدأوه بعدم الفهم والاستغراب، وكأنك تقول لهم إن لم تفهم لا تستمر، فحاول أن تبدأ طريقك بالوضوح والبساطة وانتقل مع الآخرين على سلم المعرفة وكأنك فردٌ منهم.


اطلب ردود الفعل


قد تكون ملاحظات المتعلمين والمقابلين لك عاملاً مهماً يساعدك على تأكيد فهمهم لكلامك ويعينك على تقييم مستويات المعرفة لديهم.


ابتعد عن الأفكار المجردة


لا تفترض أنّ الآخر يعرف مسبقاً الفكرة التي تقصدها وينتظر منك مثالاً عنها، بل اشرحها جيّداً ثم انتقل إلى الأمثلة التجريدية، لتكن ملموسةً قدر الإمكان لأن الأمثلة تضع المفاهيم في مكانها الصحيح وتكوّن في العقل روابط تعين الآخر على إدراك الفكرة جيّداً.


استعمل المرئيات


أغلب الناس بصريون في فهمهم للأمور، ويدركون المواضيع بشكل أفضل إذا ما تمّ إرفاقها بالصور والشروحات المرئية.


استخدم القصص والحكايات الواقعية


هذه الوسيلة تمسّ قلب المتلقي وتسّهل المهمة بشكلٍ كبير وتغني عن كثير من الشرح المعقد، فأدمغتنا مصممة لتذكر القصص والروايات؛ عندما تستخدم القصص ستتخطى عتبة اللعنة وتتخلص من المصطلحات وتنقل معلوماتك للآخرين بسلاسة ووضوح.


الفكر النهائي


جذور هذه اللعنة تكمن أنك كنت مكان المتعلم يوماً ما وذهنك كان خالياً من كل المعارف التي تملكها الآن، توجه إلى أقل الأماكن استنارةً بداخلك وابدأ منها، هذا سيجعلك تتعاطف مع التحديات التي يواجهها الآخرون أمام تعليمك لهم.


إن كنت تريد أن تساعد الآخرين وتوصل أفكارك كما تريد لا تنقر لحن الأغنية بل غنّها بوضوح وعد خطوة إلى الوراء لترى الأمور من منظور مختلفٍ، واعمل بمبدأ التعاطف وكأنك تخبر الآخرين أنك كنت مكانهم، وبمبدأ السلطة وكأنك هنا لتساعدهم على الوصول والمعرفة.


خاطبوا الناس على قدر عقولهم، هذه المقولة تلخص الحلّ بشكل جميل، فلنضع أنفسنا مكان الآخر، ونحدد ماهية التصرف آنذاك.