كيف تُطوِّع آبل زبائنها لقبول أي تغيير جديد في أجهزتها؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/31
كيف تُطوِّع آبل زبائنها لقبول أي تغيير جديد في أجهزتها؟

بغضّ النظر عن مؤتمر آبل الأخير للإعلان عن آيفون 12، والذي أعلنوا فيه صراحة أنهم لن يقوموا بتضمين شاحن الهاتف (الذي يأتي عادة مع أجهزتها، والذي يكون سيئاً من ناحية سرعة الشحن كما عودت آبل جمهورها)، ولن يكون هنالك في العلبة أيّ سماعات للهاتف، والغريب في الموضوع أكثر، أن حجتهم هي “المحافظة على البيئة”، ولن أخوض في تفاصيل العبارة الأخيرة التي يبدو أنها أشبه بذرّ الرماد في أعين الناس لأنهم لو صدقوا في ذلك حقاً، لما عرضوا أي شواحن أو سماعات لشرائها بشكل منفصل، أو قاموا بتطوير تقنيات أو منتجات أخرى تغنيك عما هو تقليدي، فكيف تقوم آبل بعمل شيء شبيه بما يقال له “العصا مع الجزرة”، أو “شعرة معاوية”، وتجد أن الناس عندما يتم الإعلان عن أي تغيير جديد كهذا، ينقسمون ما بين مؤيد ومعارض، لا وبل تجد أشخاصاً يقذعون بالكلام تجاهها وبعد فترة تهدأ كل العواصف، ولربما وجدت هذه الهواتف المنقوصة من أشياء كانت تعد من المسلمات حققت مبيعات تكاد تكون خرافية.


تاريخ آبل في الحذف


بالبحث قليلاً في ماضي هذه التغييرات، مهما بدت التغييرات سخيفة، تجد أن آبل على سبيل المثال قد ألغت قارئ القرص المرن (Floppy Disk) من أجهزة الماك، وشكّل هذا الأمر صدمة كبيرة لدى الجميع، ولكن بعد فترة، تجد أن المصنّعين جميعهم حذوا حذوها في ذلك.


بعدها ألغت آبل مشغل القرص الليزري (CD) بشكل مماثل، صدمة عالمية، هدوء وتقبّل للموضوع، ثم تقليد لما تفعله… هل ترى نمطاً لما تفعله آبل؟ هذا الأمر استمر حتى في أجهزتها النقالة، إلغاء الزر السفلي، شق الكاميرا أو النوتش كما يحلو للكثيرين تسميته، إلغاء فتحة السماعات، وهكذا… إعلان، فصدمة، فهدوء وتقبل، فتقليد لما تفعله آبل، هل الموضوع أشبه بالسحر؟ كلا، فالموضوع مخطط له بإحكام وبشكل تدريجي، والأمر ينجم عن خبرة هائلة في عملية التطويع وبرمجة المستخدمين لتقبل كل تغيير جديد.


سأحاول أن أكون حيادياً، ولكن مما يبدو لي بشكل قاطع أنها عملية تخفيف للتكاليف وزيادة للربحية ما أمكن، لكن لن أقوم بالقفز إلى الاستنتاجات، فهيا بنا.


عقيدة آبل


قامت آبل بتغييرات في هواتفها عبر سنوات عدّة، أصبح الآيفون أكبر، وألغت مأخذ السماعات، وألغت الزر السفلي الذي اشتهرت به، ورفعت سعر أجهزتها بحوالي 30%، وألغت قارئ البصمات، وصولاً لإلغاء الشاحن والسماعات من أجهزتها. مهما كان أي تغيير، سيكون من الصعب على النفوس تقبله من جمهورها بما أنه سيقلل الامتيازات التي يحصلون عليها مقابل المبلغ المدفوع، لكن عندما ترى أي مؤتمر لآبل، تجدهم يكررون العبارة التالية “الآيفون يتصدر قمة مؤشرات إرضاء العملاء”؛ العملاء يشترون وهم في كامل الرضا، بدون أي انزعاج. الفكرة أن آبل باختصار تعمل على وجود بدائل لأي تغيير تنوي القيام به في غضون سنة أو سنتين، وبعدها تفرض التغيير. تجد هذا التغيير حاصلاً، لكن باستخدامك الهاتف لا تجد أن هنالك منغصات كبيرة، والحياة جميلة كما يقال.


متى بدأت الحكاية؟


كيف تُطوِّع آبل زبائنها لقبول أي تغيير جديد في أجهزتها؟
ستيف جوبز

الحكاية تبدأ مع ستيف جوبز، حينما أطلق الآيفون قبل 13 سنة من الآن، وكان بالشكل الشهير القديم: هاتف بشاشة 3.5 بوصة وبزر يمكنك ضغطه أسفلها، وشاشة اللمس هذه كانت حرارية، وليس شاشة لمس بحاجة لقلم كما في أجهزة السيمبيان السابقة.


مع الوقت بدأت عدة شركات (أبرزها سامسونج) بتقليد هذا الأمر، بل وبعد عدة إصدارات بدأت هذه الشركات بتصنيع أجهزة ذات شاشات أكبر، وهنا بدأت المطالبات بجعل شاشة الآيفون أكبر أيضاً. هنا رد ستيف جوبز كان صريحاً وقال فيما معناه:



يجب أن يكون الجهاز قابلاً للاستخدام بيد واحدة، ولا وجود لهاتف تحتاج يديك الاثنتين لاستخدامه؛ يجب أن تكون اليد التي تمسك بها الهاتف قادرة على الوصول إلى أي مكان في الشاشة.



هذا الكلام يبدو منطقياً، فلا وجود لأي زر للتراجع أو العودة في نظام iOS كما هو الحال في الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد. بعد وفاة ستيف جوبز سنة 2011 بسنة تقريباً، وفي عام 2012، أطلقت آبل الآيفون 5، فزادت في طول الشاشة لـ 4 بوصة (بتقليل الحواف الجانبية وزيادة طولها) محققة بذلك زيادة تقدر بـ 21% عن الحجم السابق.


بعد ذلك، وفي سنة 2013 تحديداً أصدرت آبل نسخة 5s، وهو نفس نسخة الآيفون 5، ولكن بإضافة قارئ بصمات لتأمين ما يسمى بالـ KeyChain (نظام حفظ كلمات السر وبطاقات الائتمان)، وقاموا بتغيير مهم في نظام التشغيل، فكان iOS يتمتع بتصميم جديد كلياً.


أضافت آبل إمكانية العودة إلى الصفحة السابقة عن طريق سحب من طرف الشاشة في نظام التشغيل الآنف الذكر (هذه الطريقة أصبحت مألوفة جداً الآن، ولم تكن كذلك حينها)، ويمكنك بالطبع آنذاك الضغط على الزر الموجود أسفل الشاشة لفعل نفس الخاصية.


بعد مرور سنة، وفي سنة 2014 وبعدما أصبح العملاء معتادين على هذه الخاصية، أطلقت آبل جهاز الآيفون 6 بحجم شاشة أكبر (4.7) بوصة. في نفس السنة تحديداً، وبالتذكير بموضوع البصمة الذي أصدرته قبل سنة في جهاز 5s ونظام حفظ كلمات السر وبطاقات الائتمان KeyChain، قامت آبل بتفعيل خاصية Apple Pay في أجهزتها (متوافقة مع أنظمة الدفع الإلكتروني كماستر كارد وفيزا).


كيف تُطوِّع آبل زبائنها لقبول أي تغيير جديد في أجهزتها؟
نظام حفظ كلمات الولوج من آبل

بما أن عملاء آبل أصبحوا الآن معتادين على شاشات بحجم 4.7 بوصة، فلا بأس بزيادة السعر قليلاً مقابل شاشة أكبر، بحجم 5.5 بوصة، أليس كذلك؟ هنا وبهذه الحركة تحديداً، قامت آبل بترسيخ فكرة لدى عملائها، بأنه سيكون هناك إصداران، إصدار عادي بشاشة صغيرة، وإصدار أكبر أغلى ثمناً. من الجدير بالذكر في هذه الفترة تقريباً، أن آبل قامت بتحقيق أعلى مبيعات لأجهزتها في تاريخها آنذاك، تحديداً في سنة 2015.


يبدو أن آبل كانت تخطط في سنة 2016 لشيء جديد، ألا وهو تكبير شاشة الهاتف مقابل إلغاء الزر أسفل الشاشة، مع الحفاظ على أبعاد الهاتف، لكنها لم تفعل ذلك تماماً، بل تركت زراً افتراضياً، وجعلت محرك الاهتزازات (الذي يعجبني صراحة) في هواتفها يقوم بجعلك تشعر وكأنما ضغطت على زر حقيقي. (قامت آبل سنة 2015 بتضمين محرك الاهتزازات هذا في S6 ولكن كان يعمل على الشاشة، وبعدها وضعته في ساعة آبل، وبعد سنة كان مستخدموا الهواتف والساعات معتادين على هذه الاهتزازات، فجعلتها آبل مفعّلة عند النقر على لوحة المفاتيح أيضاً).


عندما أصدرت آبل الآيفون 7، قامت بتضمين ميزة التشغيل التلقائي للشاشة في iOS 10 (عند رفع الهاتف تجد الشاشة أضاءت بشكل تلقائي)، بهذه الطريقة ستقلل من الضغط على الزر أسفل الشاشة، ومن ناحية أخرى آبل تقوم ببرمجتك لطريقة جديدة لفتح الهاتف بعد مدة لن تكون بالطويلة.


ألغت آبل في نفس سنة 2017  منفذ السماعات، وضمنت محولة لتعمل السماعات التقليدية في أجهزتها، وعندما اعتاد الناس على السماعات التي تعمل على ذاك المأخذ (Lightning) لم تعد تضمنها آبل في أجهزتها لاحقاً.


بعدها بسنة، أصدرت آبل  الآيفون 8 والآيفون 8 بلاس، هاتفان كما تم التمهيد لهمها، صغير أرخص -650$- وكبير أغلى ثمناً منه -750$- هذه الزيادة الطفيفة في السعر سببها هو جعل سعات الهاتف تبدأ من 64 جيجابايت، لكن آبل هذه المرة ستقوم بإطلاق إصدار جديد اسمه XR (لاحظ الاسم غير النمطي)، بدون زر للشاشة، وبشاشة OLED ذات ألوان جذابة، وبما أنه خارج عن المألوف، فسعره سيكون 1000$.


بحكم أن جمهور آبل اعتاد على هواتف بدون أزرار، فسينتهي تصنيعها في تلك السنة، وبما أنه أيضاً تم تطويع الجمهور لتقبل فكرة شاشات بحجم 5.8 بوصة، فتزيد آبل حجم الشاشات في السنة التالية، لتكون 6.1 و6.5 بوصة.


أهداف غير معلنة


كيف تُطوِّع آبل زبائنها لقبول أي تغيير جديد في أجهزتها؟
التفكير حقاً بشكل مختلف

قد يتساءل البعض، ما هو هدف آبل حينها؟ أظن أنك بدأت عزيزي القارئ في فهم أن آبل لا تقوم بتغيير جذري فجأة، بل تبدأ بالتحضير لذلك في سنة أو سنتين من إصدارها لشيء أو ميزة جديدة، ولدي رؤية شخصية أن آبل تسعى لجعل الهواتف كلها بدون أي منافذ، تبدو خطتهم القديمة من الأساس، فهي نجحت في إزالة منفذ السماعات، ويتبقى أمامها منفذان، منفذ الشريحة ومنفذ الشاحن، كيف ذلك؟


في سنة 2017، دعمت آبل ميزة الشحن اللاسلكي في أجهزتها، وبقوة 7.5 واط (كان ذلك أقل من منافسيها الذين قاموا بطرح نفس الميزة سابقاً وبقوة 10 واط، لكن هذه خطة لشيء تود تنفيذه لاحقاً على ما يبدو). ضمنت آبل في ذات السنة ميزة الشريحة الثانية (شريحة من نوع E-SIM)، وقامت آبل بالإعلان آنذاك أنها متوفرة في 9 دول فقط، في تمهيد برأيي أنها ستلغي الشريحة الأساسية.


حالياً وبعد مضي 3 سنوات على هذا الأمر، أصبحت هذه الشريحة الإلكترونية مدعومة في أكثر من 55 دولة (في الدول التي تحقق فيها الشركة أكثر من 90% من مبيعاتها)، فلربما بعد سنتين أو ثلاثة تنوي آبل إلغاء دعم الشريحة الأساسية نهائياً، وتزيد عدد الدول التي يمكنك تفعيل الشريحة الإلكترونية فيها.


كيف تُطوِّع آبل زبائنها لقبول أي تغيير جديد في أجهزتها؟
هل ستفعلها آبل؟

حينها يتبقى فقط مأخذ الشاحن، وأظن أن خطة آبل ستنفذها عاجلاً أم آجلاً بجعل مستخدميها يعتمدون على الشحن اللاسلكي. هذه إحدى التغييرات المتوقعة بالقياس مع إلغاء وجود الشاحن في العلبة، بالنظر إلى أنه منذ ثلاث سنوات تقريباً، كان الشاحن الرئيسي في علبة الهواتف بطيئاً، وكان الكل تقريباً يشتري شواحن أسرع، لتهيئة الناس على أنه إذا أردتم الاستفادة من ميزة الشحن السريع، عليكم بدفع المزيد من المال لشراء شاحن أفضل من الشاحن عديم الفائدة الموجود في العلبة سابقاً.


وفرت آبل في الوقت الحالي شاحن لاسلكي بتقنية MagSafe (يمكن تعليقه بشكل مغناطيسي على خلفية الأجهزة)، وهو أسرع من الشحن اللاسلكي الذي ذكرناه سابقاً (بقوة 15 واط ضعف السابق)، ومن لم يشتر الشاحن الجديد لن يستمتع بالميزة، وها هي شركة MFi ستقوم بتصنيع هذه الشواحن وسيكون سعرها رخيصاً، وربما نزيد من قدرات هذا الشاحن خلال سنتين أو ثلاثة وسيصبح سعره 50$.


ليس ذلك وحسب، بل تتبقى لدينا معضلة نقل البيانات، والحل موجود طبعاً: MagSafe الجديد سيكون قادراً على نقل البيانات، بما أنك كمستخدم لهواتف آبل اعتدت عليه مسبقاً، ولن يكون هنالك حاجة لأي منفذ في الهاتف في غضون سنتين أو ثلاثة من كتابة هذا المقال. باعتقادي الشخصي لن يكون هناك للهواتف المستقبلية من آبل أي منافذ حينها.


عوداً على ذكر إزالة الشاحن، فآبل وقتها لم تزله من أجل تقليل التكاليف بشكل أساسي، بل من أجل إزالة المأخذ كلياً وجعل المستهلكين إما يعتمدون على السماعات بتوصيلها بأشياء أخرى كي تعمل، أو بشرائهم للسماعات العصرية والجديدة من آبل التي تعمل بتقنية البلوتوث.


من الجدير بالذكر أن كلفة مأخذ السماعات، بل وحتى مأخذ Lightning لا يكلف الشركة أكثر من 5 دولارات. بالإضافة لذلك، أعلن مركز الأبحاث الشهير IHS في سنة 2017 أن تكلفة محول الصوت إلى Lightning والسماعة، وسلك الشحن، وتكلفة علبة الكرتون لا تجاوز 12$.


بالنسبة لآبل، فالموضوع ليس إزالة ميزة فحسب، بل هو باختصار شديد:



ميزة اختيارية، يقومون بتهيئة المستخدمين وجعلهم يعتادون عليها، ثم يجعلونها أساسية بإزالة كل قديم يتعلق بها.



بتلك الوصفة استطاعت آبل الحفاظ على ولاء مستخدميها، فلا ينزعجون من استخدام الأجهزة الجديدة ذات المزايا المنقوصة، ولنفس السبب تجد عملاء آبل “مرتاحين” باستخدامهم لأجهزة آبل.


ما رأيكم لو حدث نفس الشيء لمستخدم أندرويد مثلاً، هل كان سيتقبل الموضوع بما أنه لم يخض في دورة تدريبية طويلة من آبل؟ حسب بعض الإحصائيات، تجد أن معدلات انتقال المستخدمين من نظام أندرويد إلى آبل تفوق بأربع أضعاف ما هي عليه في الاتجاه المعاكس.


كرأي شخصي، أجد أنهم بعدم تضمينهم للشاحن والسماعات، سيتمكنون من تصغير حجم علب الهاتف الجديد، موفرين بذلك تكلفة إضافية على كل جهاز، بل وسيتمكنون من شحن أجهزة أكثر بكلفة أقل إلى جميع أنحاء العالم نظراً لصغر حجم علبة الهاتف عما هي عليه في السابق.


برأيكم، هل هذا التوجه مقبول؟ هل تقوم آبل عمداً (ولكن بشكل مشروع) بمحاولة الحصول على أكبر منفعة ممكنة من عملائها؟ هل بعد هذه القراءة المطولة في مخططات آبل ستبقى وفياً لها؟ أم إذا كنت مستخدماً لنظام أندرويد، هل ستفكر في عملية الانتقال إلى آبل؟


شاركونا آراءكم في التعليقات.