كيف يمكن للفنون البصرية أن تساعد على تحسين أسلوبك في الكتابة؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
كيف يمكن للفنون البصرية أن تساعد على تحسين أسلوبك في الكتابة؟

لا متعة تضاهي متعة الانغماس في كتابٍ ما لدى كل دودة كتب، بالانسلاخ من الواقع والعيش في جنبات عالم سِحري يقودنا إليه الكاتب بأسلوبه الشيّق والفريد. إنّ هذه التجربة بالذات هي التي نطمح ككُتّاب بأن نصنعها لقُرّائِنا، ولكن في الواقع وبأحد المفارقات العجيبة إنّ القارئ هو الذي يصنع هذه العوالم لنا، وكل ما نفعله نحن في حقيقة الأمر هو أن نُلقي تلميحات هنا وهُناك، لنُكهرِب خيال القارئ ونشحذه بالقوى السحرية التي تصنع ملايين العوالم الخيالية في ملايين العقول النهِمة.


إنّ التحدّي الأصعب الذي يواجه كُتّاب الأدب القَصصي يكمن في كيفية استخدام هذه التلميحات لإلقاء التعويذة السحرية التي تقع على القارئ، وتجعله مدهوشًا مُلتصقًا بالكتاب. كيف يُمكننا أن نصنع عالمًا حيًا يضج بالتفاصيل الدقيقة دون أن نُبالِغ في الوصف ونُفسِد الحكاية؟ إنّ أحد الحلول هي أن تُعيد التفكير في عملية الكِتابة الإبداعية، واعتبارها شكلًا من أشكال الفنون البصرية.


إنّ البشَر بشكلٍ عام مخلوقات بصرية، وأغلب الأساليب الكتابية المُستخدمة تصف المشاهد باستخدام دلالات بصرية (الألوان، المواقع، الأشخاص، المواد والأدوات … إلخ). حينما تُفكّر في كلماتك بأنّها ألوان جديدة لتوّها تضرب سطح اللوحة البيضاء، سيساعدك ذلك في إعادة بناء البدايات والنهايات. إنّ الرسم هو الفِعل الموازي للكتابة، إنّه الأداة الأُخرى التي تساعدك على تشكيل بنية كتابتك، وهنا مجموعة من عناصر الفنون البصرية، وكيف يمكنك استخدامها لتحسين طرق الكتابة لديك.


الموضوع


أول ما عليك القيام به هو أن تُحدّد الفكرة أو الصورة التي ستقوم برسمها، وذلك بالرجوع إلى 5 أسئلة أساسية: مَن، وماذا، وأين، ومتى، وكيف؟


قد يبدو ذلك في أول وهلة أمرًا بديهيًا، ولكنه مُهم جدًا للمبتدئين والخُبراء على حدٍ سواء. فكِّر في الموضوع بهذه الطريقة: إذا كنتُ لا أفهم موضوعي بشكلٍ جيّد، كيف أتوقّع أن يفهمه القُرّاء؟ إنّ تجاهل هذا الأمر يقود في كثير من الأحيان إلى سرد مُشوّش وتنفيذ سيّئ للفكرة، ولهذا الغرض تم اختراع المُسوّدات الأولى؛ لكي تضع اللبنات الأولى وتبدأ من هُناك ببناء مسوّدة مُحكَمة البُنية. حين تكون صريحًا وواضحًا منذ البداية حول موضوع قِصتك، سيساعدك ذلك على أن تكون مُلمًا بتفاصيل الموضوع، وبالتالي ستكون آلية تنفيذك للفكرة إبداعيةً وسلسةً.


حجم اللوحة


في الخطوة التالية، يتوجّب عليك أن تُقرر مساحة العمل، هل هو عملٌ قصيرٌ جدًا، هل هي قِصة قصيرة، أم رواية ذات الآلاف من الكلِمات؟ سوف يساعدك ذلك إلى حدٍ ما في أن تُحدد كمية التفاصيل التي تحتاجها لهذا العمل الأدبي، ولكن تذكّر جيّدًا بأنّ ذلك لا يضع حدًا لحجم رسالتك، فمن المُمكن أن تكتب مائة صفحة تصف فيها شيئًا صغيرًا، أو أن تحشو العديد من المعاني في جملةٍ واحدة. إنّ تحديد حجم لوحتك سيساعدك في أن تُقرّر ما أنت بصدد إبقاءه في اللوحة، وما أنت بصدد محوه لكونه غير ضروري.


كيف يمكن للفنون البصرية أن تساعد على تحسين أسلوبك في الكتابة؟
مكتب الحكومة للرسّام جورج توكر

الألوان


يأتي استخدام الألوان في الكتابة ليساعدك على صُنع المشاهد والأحداث. هل أنت بصدد الكتابة عن أمرٍ مُفرِح ومُمتع؟ إذًا استخدم الألوان الأساسية: اصفرار الشمس، اخضرار العُشب وزُرقة السماء، إنّ التشبيهات تُساعد الكاتب في الإبحار بين هذه الألوان ودرجاتها ليجد ضالته من اللون المُناسب. هل العُشب الذي ستكتب عنه وافر الخُضرة؟ أم أنّه عميق الاخضرار؟ أم أنّه باهت كعلامة طريق مُتلاشية الألوان؟ إنّ استخدام الألوان و”اللغة المُلوّنة” هو ما سيساعد القارئ لأن يتخيّل المشهد ضاجًا بالحياة، كما أنّه يمنح القارئ بعض التوقعات لما هو قادِم. هل تدل السماء قاتمة الحُمرة على شرٍ قادم؟ أم أنّ ذلك يعني بأنّك على سطح المريخ؟ ومتعتك ستكمن في التلاعب بهذه الدلالات وتوجيهها كما تشاء.


نقطة التركيز


العديد من الأعمال الفنية تحتوي على نقطة أو نقطتي تركيز، وهي كبُقع من الألوان الداكنة التي تشد النظر. وبالنسبة للكاتِب، فإنّ هذه البُقع المُركّزة اللون قد تكون حدثًا أو شخصيةً أو موضوعًا مُعينًا، وحالما تختار نقطة التركيز، فإنّ كافة أجزاء القطعة الأدبية سوف تتمحور حول تلك النقطة، وسوف تقود القارئ إليها.


ويمكن فعل ذلك باستخدام آليات منها الاستباقات والاسترجاعات، باستخدام أسلوب يثير الذكريات، أو حتى بعض الحيل اللغوية والتعاقبية، كما يمكنك استخدام نقطة التركيز هذه لتضليل القارئ إلى أن تكشف السِتار عن الحقيقة المُختبئة.


كيف يمكن للفنون البصرية أن تساعد على تحسين أسلوبك في الكتابة؟
كلود مونت 1893

وضوح التفاصيل


ينجح بعض الفنّانين في إظهار كافة تفاصيل اللوحة بشكلٍ دقيق ومُتقَن، بينما يتعمّد بعضهم أن يكون غامضًا ليفسح المجال للتأويلات والتخيلات. بالنسبة للكُتّاب، علينا أن نُحدّد عدد الصفحات التي سنُخصصّها للوصف، واضعين في الحُسبان بأنّ القارئ سيتحمّل هذا الوصف لحدٍ مُعيّن فقط، وهنا مثال يشرح الموضوع:


قام جاك بفتح الحقيبة الكبيرة التي تحمل خيمته، ووضع الخيمة (وهي كيس بلاستيكي أزرق اللون) على الأرض. وبعد عدة محاولات، تمكّن من أن يفك الأعمدة، كُل واحد منها يعتليه قوس فضّي اللون، ومن ثم قام بإقامة هذه الأعمدة على الأرض …


هل كان من الضروري أن نعلم الخطوات الدقيقة التي قام بها جاك لينصب خيمته؟ أو ألوان الأعمدة التي استخدمها؟ ربما، ولكننا على الأرجح أكثر اهتمامًا بالسبب الذي دفع جاك إلى أن ينصب خيمةً، وإن كان أحدٌ بصحبته، وما الذي سيحدث له هناك. إنّ هذه الكميّة من التفصيل تُشتت القصة عن مسارها الأصلي، وهي ليس بدلالة على كتابة إبداعية جيّدة. عليك أن تثق بأنّ قارئك سوف يُملي هذه التفاصيل الصغيرة، وكُل ما عليك فعله هو أن تُخبره بأنّ جاك قد نصب خيمةً.


إنّ هذه بضعًا من الأمثلة التي تربط بين عالمي الفنون والكتابة، وإذا ما تبنيّت هذه النظرة المزدوجة في الكِتابة، ستتمكّن من صُنع ذلك العالم السحري الذي ينتظره القُرّاء بشغف. وحالما تتمكّن من العناصر الفنيّة بشكلٍ جيّد، يمكنك وقتها أن تُثير مشاعرًا ودلالات جديدة، باستخدام طبقات أكثر تعقيدًا، لتتمكّن من نقل القارئ إلى هذه المملكة الخيالية الجديدة، بمهارتك وحنكتك. يمكنك أن تُطلق على نفسك لقب رسّام الكلمات، فأي نوع من رسامي الكلمات أنت؟ وهل تُفضّل رسم الدوامات اللغوية المجنونة أم أنّك تُحب أن تجر نهرًا من الألوان الهادئة؟