لماذا نوم العصر مكروه

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ٠٧:٣٥ ، ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٠
لماذا نوم العصر مكروه

سبب كراهية نوم العصر

أشار العُلماء ومنهم الإمام إبن الجوزي -رحمه الله- إلى ضعف الحديث المتعلق بالنّهي عن نوم العصر والذي نُسب قوله إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والذي ورد فيه:(من نام بعد صلاة العصر فأصيب في عقله فلا يلومن إلا نفسه)،[1] بل جَزَم البعضُ منهم بأنّه حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ على النّبي –صلّى الله عليه وسلّم-،[2] وبناءً على ذلك نجد أنه لا يوجد نصّ حديثٍ صحيحٍ يُثبتُ الكراهة الشّرعية للنَّوم بعد العَصر فيبقى حكم الأصل وهو الجواز،[1] إلّا في حال ثبوت ضرر هذه النومة على صحة الإنسان وجسده فحينئذٍ يجب اجتنابها والحذرُ منها،[2] ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ العلماء والعرَب في القديم لم يمْدحوا ولم يستحسنوا هذه النّومة وإن لم يثبُت ضررها على الإنسان،[1] وذلك لعدّة أسبابٍ اعتبروها ومنها ما يأتي:[3]

  • الخوف من الإصابة بالوسواس، وذلك ما أشار إليه الإمام مكحول -رحمه الله- في سبب كراهته وعدم استحسانه للنّوم بعد العصر.

  • وصف النّومة بعد العصر بأنّها نوْمة الخُرْق بحيث لا يَعمَد إليها إلّا مَن أصابه الجنون، وذلك ما أشار إليه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-.[4]

  • إضافة النّوْمة بعد العصر وضمّها إلى أنواع النوم التي يقلّ النفع المرجوّ منها ويكْثُر الضَّررُ المُترتِّب عليها، وذلك ما أشار إليه الإمام ابن القيم -رحمه الله-.[5]

  • الاعتقاد المزعوم الذي انتشر بين العرب بأنّ النومة بعد العصر تُسبّب الأمراض كالجنون.[6]

  • خروج الجنّ وانتشاره بعد وقت العصر، فيُخشى على الإنسان منه بسبب الغفلة التي يكون عليها برقوده ونومه في هذا الوقت.[7]

قيمة النوم

النّوم هو وقتٌ تتوقفُ فيه حواس الإنسان بنوعيْها الظاهرة والباطنة عن تأدية وظائفها رغم كونها سليمة لا خلل فيها، كما ويُمنع فيه الإنسان عن إعمال عقله رغم سلامته، ممّا يؤدي إلى عدم قدرة الجسم على تأدية أعماله ووظائفه المختلفة، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الوقت أمرٌ طبيعيٌّ يحتاجه الجسم إلّا أنّ الإنسان يُجبَر عليه فلا خِيار له فيه.8 ويتّضح ممّا سبق أنّ النوم إحدى معجزات الله العظيمة لقوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ)،[9] ومن نعمه التي مَنَّ بها على عباده لِنيْل الرَّاحة والهدوء، فلا يُقدّرُها ويشعرُ بها إلّا مَن سُلبَت منه بسبب المرض، أو مَن كان يومه شاقّاً، أو مَن سهر ليلاً طويلاً، لذا يجدُرُ بالعبد المحافظة عليها من خلال الاهتمام بعدّة أمورٍ منها: الحرص على تنظيم النّوم وترتيبُ أوقاته بما يتناسب مع المحافظة على أوقات الصّلاة والأخصّ بذلك صلاتَي الفجر وقيام الليل، كما ويُنصَح بتجنُّب إضاعةِ الوقتِ وإهدارُه بالنَّومِ الطويلِ الذي يفوق حاجة الجسم، ويُضاف إلى ذلك المداومة على شكر الله -تعالى- وحمده على هذه النِّعمة.[10]

وكون النوم من حاجات الإنسان الأساسية فيُستحبّ له أن يجعل فيه سبع نوايا يصير بها عبادة بيانها فيما يأتي:[10]

  • اتّباع أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحرص على النّافع من الأمور؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ)،[11] ولا شكّ بأنّ النوم الذي يُحافظ على نشاط العقل وتركيزه، ويحفظ للجسم عافيته وصحته يُعدّ أمراً نافعاً.

  • تجنّب الوقوع في النهي الذي أشار إليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: (لا ضَررَ ولا ضِرارَ)،[12] فعدم حصول الجسم على كفايته من النوم بسبب السهر لِأوقاتٍ متأخرةٍ من الليل يؤدي إلى الضَّعف العامّ.

  • إعطاء الجسم حاجته من الراحة والهدوء والتّوقف عن العمل توافقاً مع الفطرة التي أرادها الله -تعالى- من خلْق النوم لقوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا).[13]

  • المحافظةُ على تنظيمِ الوقتِ وترتيبه سواءً كان ذلك للصلاة أو العمل أو غير ذلك.

  • تحقيقُ النشاطِ الذي يُرجى منه تأديةُ الأعمال على أتمِّ وأحسنِ صورةٍ لا سيّما وأنّ الله -تعالى- يحبُّ العملَ المُتقنَ وإن قَلّ لقوله -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)،[14] إلّا أنّ الأَوْلى الحرصُ على الجمْعِ بين الإتقان في العمل وكثرته.

  • تحقيق الاقتداء برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في التّمسّك بآداب النوم التي حثّ عليها، ونيْل الفضلِ والثواب المُترتّب على فعلها والمداومة عليها.

آداب النوم

هناك العديد من الآداب التي حثّ عليها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قبْل النَّوم منها ما يأتي:[15]

  • الحرص على إخماد النار، وإطفاء المصابيح، وإغلاق المفتوح من الأبواب، وذكر اسم الله -تعالى-، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَطْفِئُوا المَصابِيحَ باللَّيْلِ إذا رَقَدْتُمْ، وغَلِّقُوا الأبْوابَ)،[16] والنّهْي النبويّ عن ترك الأبواب مفتوحةً قبل النوم إنّما جاء لِيُحقِّق مصالح دينية ودنيوية للمسلم، فالدنيوية تكون بحفظ نفسه وماله من الفساد والشرّ، وأمّا الدينية فبحفظه من الشيطان الذي يتربّص به ويُحاول جاهداً الاختلاط به وإيذاءه.

  • الحرص على النّوم بعد الوضوء وصلاةُ سنّةُ الوضوء، والنّفث في الكفين بعد جَمْعِهما وقراءة سورة الإخلاص، وسورة النَّاس، وسورة الفلق فيهما، ثمّ يُمسَح بهما الرأس والوجه ومن ثمّ ما أقبل من الجسم قدْر المُستطاع ويُكرّر ذلك ثلاث مرات،[17] وقد دلّ على ذلك ما رواه البخاري عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما فَقَرَأَ فِيهِما: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ)،[18][19] وقراءة آية الكرسي، وآخر آيتين من سورة البقرة،[17] لِقوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)،[20] بالإضافة إلى قراءة سورة الكافرون لِقوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اقرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثمَّ نَمْ على خاتِمتِها فإنَّها براءةٌ مِن الشِّركِ).[21][19]

  • الحرصُ على النوم على الشقّ الأيمن من الجسْم مع جعل كفّ اليد اليمنى تحت الخدّ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ).[22][19]

  • الحرص على الاغتسال أو الوضوء قبل النوم لِمَن كان جُنُباً استحباباً؛ لما رواه مسلم عن عبد الله بن أبي قيس -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن وِتْرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ، قُلتُ: كيفَ كانَ يَصْنَعُ في الجَنَابَةِ؟ أكانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أنْ يَنَامَ؟ أمْ يَنَامُ قَبْلَ أنْ يَغْتَسِلَ؟ قالَتْ: كُلُّ ذلكَ قدْ كانَ يَفْعَلُ، رُبَّما اغْتَسَلَ فَنَامَ، ورُبَّما تَوَضَّأَ فَنَامَ).[23][19]

  • الحرصُ على قراءة ما صحّ من أذكار النوم والدُّعاء بها،[17] ومن ذلك ما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ)[24] إلى أن قال: (ثُمَّ يقولُ: باسْمِكَ رَبِّ وضَعْتُ جَنْبِي وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عِبادَكَ الصَّالِحِينَ).[24][19]

  • الحرص على تغْطية أواني الطّعام والشّراب لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليه غِطاءٌ، أوْ سِقاءٍ ليسَ عليه وِكاءٌ، إلَّا نَزَلَ فيه مِن ذلكَ الوَباءِ. وفي روايةٍ : فإنَّ في السَّنَةِ يَوْمًا يَنْزِلُ فيه وباءٌ).[25][19]

  • تجنّب الأمور التي من شأنها إضاعة صلاة قيام الليل ومن ذلك: الإكثار من الأكل، وإرهاق الجسم نهاراً بالأعمال التي لا تُرجى منها فائدة، وإهمال قيلولة النهار وتركها، والإقدام على فعل الذنوب والمعاصي التي من شأنها أن تكون سبباً عظيماً في حرمان العبد من قيام الليل.[17]

  • تجنّب الاضطجاع على فراش النوم قبل نفضِه، والحرصُ على التسمية بعد ذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إلى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ، فإنَّه لا يَعْلَمُ ما خَلَفَهُ بَعْدَهُ علَى فِرَاشِهِ).[26][19]

  • تجنّب الاضطجاع على البطن، لما ورد من قول النبي لرجل مضطجعٍ على بطنِهِ: (إن هذه ضِجْعَةٌ لا يُحِبُّها اللهُ).[27][19]

  • المحافظةُ على النّوم في وقتٍ مبكّرٍ لِنيْل قسطاً كافياً من الراحة التي تبعث في الجسم النشاط والهمّة على تأدية صلاتَي الفجر وقيام الليل، وقد دلّ على ذلك ما رواه البخاري عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشاءِ والحَدِيثَ بَعْدَها).[28][17]

المراجع

  • 1 - محمد الشنقيطي، <i> " شرح زاد المستقنع " , ، صفحة 16، جزء 1 , محمد الشنقيطي، .
  • 2 - نوح سلمان (1-8-2012)، " ما حكم النوم بعد العصر؟ " , www.aliftaa.jo , نوح سلمان (1-8-2012)، .
  • 3 - إبن أبي شيبة (1409ه)، <i> " المصنف في الأحاديث والآثار " , (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 339، جزء 5 , إبن أبي شيبة (1409ه)، .
  • 4 - أحمد الدينوري (1419ه)، <i> " المجالسة وجواهر العلم " , ، البحرين: جمعية التربية الإسلامية، صفحة 221، جزء 5 , أحمد الدينوري (1419ه)، .
  • 5 - ابن القيم (1416ه - 1996م)، <i> " مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين " , (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 457، جز , ابن القيم (1416ه - 1996م)، .
  • 6 - مجموعة من المؤلفين، <i> " فتاوى الشبكة الإسلامية " , ، صفحة 1361، جزء 9 , مجموعة من المؤلفين، .
  • 7 - يوسف الملطي، <i> " المعتصر من المختصر من مشكل الآثار " , ، بيروت: عالم الكتب، صفحة 10، جزء 1 , يوسف الملطي، .
  • 9 - سورة الروم، آية: 23. .
  • 10 - سمية عثمان، <i> " أوقات مليئة بالحسنات مع النية الصالحة " , ، صفحة 10 , سمية عثمان، .
  • 11 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2664 ، صحيح. .
  • 12 - رواه النووي، في الأربعون النووية، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 32، حسن. .
  • 13 - سورة النبأ، آية: 9. .
  • 14 - سورة الملك، آية: 2. .
  • 15 - أمين الشقاوي (1434 هـ - 2013 م)، <i> " الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة " , (الطبعة الأولى)، صفحة 445-447، جزء 7 , أمين الشقاوي (1434 هـ - 2013 م)، .
  • 16 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 6296 ، صحيح. .
  • 17 - سعيد القحطاني، <i> " قيام الليل " , ، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 50-51 , سعيد القحطاني، .
  • 18 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5017 ، صحيح. .
  • 19 - أمين الشقاوي (27-9-2014)، " من آداب النوم " , www.alukah.net , أمين الشقاوي (27-9-2014)، .
  • 20 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو مسعود، الصفحة أو الرقم: 5008، صحيح. .
  • 21 - رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن نوفل بن فروة الأشجعي، الصفحة أو الرقم: 5546 ، صحيح. .
  • 22 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 247 ، صحيح. .
  • 23 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن أبي قيس، الصفحة أو الرقم: 307 ، صحيح. .
  • 24 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6320 ، صحيح. .
  • 25 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2014 ، صحيح. .
  • 26 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2714 ، صحيح. .
  • 27 - رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4644 ، صحيح لغيره. .
  • 28 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد، الصفحة أو الرقم: 568 ، صحيح. .