حاول الإنسان من القدم تجاوز إعاقته بكل الوسائل الممكنة، حتى لو كانت الطرق بدائيةً جدًا حيث يمكن اعتبار الخطاف الذي كان يحل محل إحدى الذراعين، أو الساق الخشبية التي كانت تحل محل الساق المبتورة أجدادَ الأطراف الصناعية الموجودة اليوم، ومن ينسى القراصنة وأطرافهم الصناعية الخشبية. تعالوا معنا في رحلة نسبر من خلالها ولادة الأطراف الصناعية وتطورها حتى آلت إلى ماهي عليه اليوم.
كيف كانت البداية (العصور القديمة)
سنعود بالتاريخ إلى الحضارة المصرية القديمة، حيث يُنسب أقدم طرف صناعي معروف _قابل للاستخدام فعلًا_ لهذه الحضارة، وكان هذا الطرف عبارة عن أصبعي قدم صناعيين. حلّ هذان الأصبعان محل ما يُعرف بـ“ساق كابيوا الرومانية“، التي كانت تعد في السابق أقدم طرف صناعي معروف. كانت الأطراف الصناعية قبل هذان الاصبعان التعويضيان الفرعونيان عبارة عن شكل بدون مضمون، ووسيلة للتجميل فقط، ولكن مع الطرف الصناعي الفرعوني بدأت موجة من الأطراف الصناعية التي تؤدي الوظيفة المرغوبة.

كيف كانت الصورة في العصور الوسطى؟
يمكن القول أن تطوّر الأطراف الصناعية عانى حالة من من الركود في العصور الوسطى. رغم ذلك، انتشرت بعضَا من الأطراف الصناعيّة الحديديّة، كتلك في الصورة التي استخدمها فارس ألماني قاتل في جيوش الإمبراطور الروماني المقدس شارل الخامس وكان يُدعى جوتز فون بِرلشينغين. تُظهر هذه الذراع الصناعية كيف تم تطويرها لتحتوي على بعض المفصلات.

استمرت مرحلة الركود حتى الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، ومع العدد الكبير للأشخاص الّذين فقدوا أحد أطرافهم، قفز الطلب على الأطراف الصناعية بشكل كبير جدًا. في تلك الفترة، حصل جيمس هِنغر، وهو أحد الّذين بُترت أطرافهم جراء الحرب الأهلية الأمريكية، على براءة اختراع لما سُمي “طرف هِنغر الصناعي“. لمع اسم رجل آخر يُدعى صامويل ديكر، حيث صمم ذراعين تعويضيتين استخدمهما بنفسه.
مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى
انتقلت الأطراف الصناعية إلى مرحلة أكثر تطورًا مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث عاد آلاف من الجنود من الحرب العالمية الأولى مع إعاقات بدنية شديدة جعلتهم عبئًا على المجتمع المنهك أساسًا بفعل الحرب. لتجاوز هذه الأزمة وللاستفادة من كامل الطاقات البشرية الممكنة حاول المهندسون والأطباء والسياسيون إيجاد أفضل الطرق للاستفادة من هؤلاء المقاتلين السابقين وحثهم على الانضمام إلى صفوف القوى العاملة. فعلت ألمانيا وفرنسا ذلك من خلال إنتاج كميات ضخمة من الأطراف الصناعية وتوزيعها على نطاق واسع. كانت المناقشة العامة في أوروبا محتدمة وقتها حول فوائد إنتاج هذه الكميات الكبيرة من الأطراف الصناعية، وخاصة بعد انتشار صور الرجال مع أطرافهم الصناعية في كل مكان، لدرجة أن بعض المؤرخين تحدثوا عن ظهور شخصية رمزية خلال سنوات ما بين الحربين تدعى : “الرجل نصف الآلي“. كان عديد الأوروبيين على ثقة من أنّ جيلًا جديدًا من الأطراف الصناعية سيمكن مبتوري الأطراف من استئناف حياتهم العملية، وربما جعلهم أكثر إنتاجية من ذي قبل.

الجو العام كان متفائلًا جدًا بجدوى هذه الأطراف الصناعية، فعلى سبيل المثال نشر الصليب الأحمر في عام 1918 كتيب بعنوان “إعادة بناء الجندي المقعد“، يحتوي الكتيب على عدة صور تظهر مبتوري الأطراف مع أطرافهم الصناعية وهم يقومون بأعمالهم بشكل طبيعي. الكاتب كان متفائلًا جدًا لدرجة أنه صرح قائلًا: “لا يوجد المزيد من المقعدين“. تمّ نشر مقال آخر في إحدى الصحف البرازيلية في عام 1918، ويشير هذا المقال أنه بفضل الإنجازات العلمية في العصر الحديث يمكن أن يتحول الرجل بيده الصناعية إلى رجل خارق.
الأطراف الصناعية التي تم تطويرها وإنتاجها في فترة ما بين الحربين العالميتين، لم تكن تشبه الشكل التشريحي للعضو المبتور، بحيث كان التركيز أكثر على الغرض الذي ستؤديه هذه الأطراف الصناعية. كان المهندس الفرنسي “Jules Amar ” واحدًا من الشخصيات الرائدة وراء هذا النهج الجديد في التفكير. في عام 1917، صرح “Amar” أن الغرض من أحد الأطراف الصناعية التي نصنعها لم يكن يعتبر“بديل” كامل للساق أو اليد المبتورة، ولكن لأداء وظيفة محددة.
اعتمد نهج “Amar” في وقت لاحق في ألمانيا، حيث كان المهندس “Georg Schlesinger“ مسؤولًا عن إنتاج وتوزيع أطراف الصناعية لمجموعة كبيرة من الرجال. قال “Schlesinger” أنه طالما كان الطرف الصناعية قادر على العمل كذراع الإنسان، فإنه لا يهم إذا بدا كذراع بشرية أو لا.

لم يكن الجميع متفائلًا جدًا حول هذا النهج الجديد لتركيب الأطراف اصطناعية. حيث أعرب الفنان النمساوي “Raoul Hausmann“، على سبيل المثال، عن قلقه إزاء محنة مبتوري الأطراف، وقال إن العمال الّذين يملكون أطراف اصطناعية سيتم استغلالهم بدلًا من أن يستفيدوا هم بشكل شخصي من هذه الأطراف.
كان رد فعل فنانين آخرين ناطقين باللغة الألمانية مشابهًا لآراء “Hausmann” وكانوا جميعًا ضد تزايد استخدام “الأطراف الصناعية“. رأى هؤلاء أن هذه الأطراف الصناعية الجديدة لا يمكن اعتبارها كرمز للتقدم العلمي، ولكن يجب القول أنها علامة واضحة على نزع الإنسانية من البشر.
عبر بعض الرسامون كذلك مثل “Otto Dix” و“Georg Grosz” و“Heinrich Hoerle“، و“Rudolf Schlichter“، عن أنّ الأطراف الصناعية الجديدة التي تعتمد على الوظيفة تحول المحاربين السابقين إلى آلات بدلًا من كونهم بشر كاملين.

الأذرع الصناعية في القرن الواحد والعشرون
بعد أن وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين، لم يعد النقاش حول إذا ما كانت الأذرع الصناعية تسلب البشر بشريتهم أو لا، فعلى سبيل المثال الساق الصناعية التي تدعى قدم الفهد أو “الشفرات” التي صممها “Van Phillips “، لا تبدو أبدًا مثل الأرجل البشرية، ولكنها تؤدي وظيفتها على أكمل وجه، وتمكن مبتوري الأطراف من العدو حتى أسرع من عديد الرياضيين السليمين، ومع ذلك لا أحد يقول أن الّذين يستخدمونها فقدوا بعض صفاتهم الإنسانية.

هذه الذراع الصناعية الأخرى الخاصة _بالأطفال التي صممها “Carlos Torres” لتكون بمثابة لعبة الليغو_ أقرب إلى لعبة منها إلى ذراع بديلة، ولن يشعر الطفل بذلك العجز الكبير الذي كان سيشعره لولا هذه الذراع، ومن جديد لا يثير أحد موضوع نزع الإنسانية من هذا الطفل الصغير.
سيكون من الظلم أن نتكلم عن الأطراف الصناعية ولا نذكر الفنانة الرائعة “Sophie de Oliveira Barata ” وشركتها Altlimbpro. الجمالية مطلوبة أيضًا في الأذرع الصناعية ولكن Altlimbpro ذهب إلى ما هو أبعد. فكرة هذا المشروع تقوم على “لماذا لا نحول الأطراف الصناعية إلى أعمال فنية؟ لماذا لا نصنع ساق وردية مزركشة من الخزف؟، أو ساق مع مكبرات صوت مرصعة بالألماس كذلك؟ ماذا عن الذراع الثعبان؟ أنصحكم بأخذ جولة في الموقع الخاص بهذا المشروع لتشاهدوا بعض الأشياء الغريبة فعلًا، كهذه الذراع الصناعية الوردية المزركشة الموضحة في الصورة التالية.
