معجزات الرسول صلّى الله عليه وسلّم
إن اللّفظ الوارد في القرآن الكريم والدال على المعجزة؛ هو لفظ "الآية"، أما كلمة المعجزة فلم ترد في القرآن الكريم، وقد جاءت كلمة "آية" بمعنى العلامة والدليل على الشيء، ثم إن معجزات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كثيرة، وعدم وجود دليلٍ على جمعها وحصرها بعددٍ محدّدٍ أدّى إلى اختلاف العلماء في ذلك، فجعل كلٌّ منهم ما يراه مناسباً معجزة، واستثنى ما لم يراه مناسباً أو صحيحاً عنده، لذا اختلف عددها من عالمٍ إلى آخرٍ،
القرآن الكريم
إن ما في القرآن الكريم من الآيات ما يدلّ على عِظم فضله وما فيه من الدروس والعِبر والمعجزات الكثيرة التي يقف العقل أمامها متعجّباً، قال الله -تعالى-: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)،
الإسراء والمعراج
تعد معجزة الإسراء والمعراج ثاني أكبر المعجزات التي أيّد الله -تعالى- بها نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بعد القرآن الكريم، والثابت عند أهل السنة والجماعة أن رسول الله قد عُرج بجسده وروحه وهو في حالة الاستيقاظ إلى السماء، وأُسْرِي به من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، وجاء ذلك في القرآن الكريم، قال الله -تعالى-: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ)،
انشقاق القمر
أيّد الله -تعالى- رسوله بمعجزة انشقاق القمر، قال -سبحانه-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ*وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ*وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ*وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ*حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)،
نبع الماء من بين أصابعه
وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- سهمه في يومٍ من الأيام في البئر في غزوة الحديبية؛ فتكاثرت فيه الماء، وقد تكرّرت هذه الحادثة حين وضع رسول الله يده في إناء الماء، فقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فقال: (عَطِشَ النَّاسُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ منها، ثُمَّ أقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ؟ قالوا يا رَسولَ اللَّهِ: ليسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ به ولَا نَشْرَبُ، إلَّا ما في رَكْوَتِكَ، قالَ: فَوَضَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ في الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِن بَيْنِ أصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ. قالَ: فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأْنَا فَقُلتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَومَئذٍ؟ قالَ: لو كُنَّا مِئَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً).
إكثار الطعام
جعل الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- معجزة إكثار الطّعام وزيادة البركة فيه حتى يُطعَم منه أقوامٌ ويكفيهم، ومن ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المدينة ومعه عامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط، فمرّوا على خيمة أم معبد الخزاعية، فنظر رسول الله إلى الشاة وسألها عنها، فأخبرته أنّها هزيلةٌ ومتعبة، لِذا لم تستطع اللّحاق بالقطيع، فسألها إن كان بها لبن، فأجابت بالنفي، فاستأذن رسول الله منها أن يحلبها، فأجابت طلبه، وقالت: إن رأيت فيها حليباً فاحلبها، فمسح رسول الله بيده على ضرعها، وسمّى الله ودعا لها، فتدفّق اللّبن منها، فطلب إناءً يكفي القوم، وبدأ يحلب فيه، حتى نزل اللبن سريعاً وتكوّن على وجهه الرغوة، فشربت أم معبد، وشرب الصحابة حتى ارتووا، وشرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدهم، وجلس ليستريح، ثم قام فحلبها مرةً ثانية لأم معبد، فلما رأت ذلك أسلمت وبايعت رسول الله، ثم بعد قليل جاء زوجها ومعه القطيع، وقد جاءت الأغنام كما ذهبت لم تأكل شيئاً، فلما رأى أبو معبد اللبن تعجّب مما حصل.
تكلّم الجمادات والحيوانات
أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه منذ أُوحي إليه ما مرّ بشجرٍ ولا حجرٍ إلا قال له: "السلام عليك يا رسول الله"، فقد كان الشجر يُسلّم عليه ويُطيعه ويشهد له بالرسالة، وكذلك لمّا كان يدخل بين شعب الجبال وبطون الأودية؛ كانت تسلّم عليه فيردّ عليها السلام، وقد قال الدّلجي -رحمه الله- موضّحاً أن ردّه عليها السلام كان من باب المكافأة، وليس من باب وجوب رد السلام، وذلك لأنها ليست مكلّفة،
وروى جابر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه حين كان يخطب بالناس يوم الجمعة؛ كان يقوم إلى شجرةٍ أو نخلة، فقالت له امرأةٌ من الأنصار: "ألا نجعل لك منبراً يا رسول الله"؟ فقال رسول الله: (إن شئتم)،
ومن معجزات الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن الطعام يسبِّح بين يديه حتّى يسمع تسبيحه، فإنّ بركة نبيّ الله تصل إلى الأكل الذي بيده، فيشعر الطعام أنّه بيد خير الأنبياء، ويسبّح الله -تعالى- حتى يُسمع تسبيحه، وتسبيح الجمادات من المعجزات،
إبراء المرضى
جعل الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- مثل ما جعله لنبيّه عيسى -عليه السلام- من إبراء المرضى، فقد شُفيَ على يديه بعضٌ من أصحابه -رضي الله عنهم-، ومن ذلك شفاء عين عليّ -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر: (لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسوله وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، قالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ أَيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقالوا: هو يا رَسولَ اللهِ، يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ، فَأُتِيَ به، فَبَصَقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا له فَبَرَأَ، حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ).
وكان أبو رافع بن أبي الحقيق تاجرٌ مشهورٌ في مكة المكرمة، وكان من أشدّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين، فقد شكّل الأحزاب المعادية للمسلمين، وأمدّهم بالمعونة، كما تعرّض لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأذى، وبعدما انتهى المسلمون من بني قريظة، جاءت الخزرج تطلب من رسول الله أن يأذن لهم بقتله، فأذن لهم رسول الله بذلك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان، فاجتمع من بني سلمة خمسة رجال وأمّروا عليهم عبد الله بن عتيك، وخرجوا فقتلوه، وفي طريق العودة وقع عبد الله فانكسرت ساقه، فربط عليها عصبة، ولما وصل إلى رسول الله، أمره الرسول أن يبسط رجله، فبسطها، فمسح عليها رسول الله، فشُفيت كأن لم يكن بها شيئاً.
أهمية المعجزات
جعل الله -تعالى- المعجزات دليلاً على صدق الأنبياء -عليهم السلام- وعلى الرسالة التي جاؤوا بها، فهي تأييدٌ من الله -عز وجل- لهم، وحجّةٌ قائمةٌ على الأقوام الواجب اتّباعهم لأنبياء الله وتصديق رسالتهم الحقّ،
المراجع
- 1 - معجزات النبي صلى الله عليه وسلم , www.islamweb.net , 11-4-2005، 5-9-2020. بتصرّف. .
- 2 - سورة البقرة، آية: 2. .
- 3 - سورة الشعراء، آية: 192. .
- 4 - سيد مبارك، <i> " معجزات الأنبياء والمرسلين " , ، القاهرة: المكتبة المحمودية، صفحة 102 , سيد مبارك، .
- 5 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7274، صحيح. .
- 6 - سيد مبارك، <i> " معجزات الأنبياء والمرسلين " , ، القاهرة: المكتبة المحمودية، صفحة 104 , سيد مبارك، .
- 7 - سورة الإسراء، آية: 1. .
- 8 - سورة النجم، آية: 12-18. .
- 9 - عبد الله الأثري (2003)، <i> " الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة " , (الطبعة الأولى)، الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 146-147 , عبد الله الأثري (2003)، .
- 10 - سورة القمر، آية: 1-5. .
- 11 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3868، صحيح . .
- 12 - سورة الأنبياء، آية: 33. .
- 13 - معاذ عليان، <i> " معجزات سيد المرسلين تتحدى المشككين " , ، صفحة 272-273 , معاذ عليان، .
- 14 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 4152، صحيح . .
- 15 - حافظ الحكمي (1406)، <i> " مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة " , ، المدينة المنورة: مطابع الجامعة الإسلامية، صفحة 258 , حافظ الحكمي (1406)، .
- 16 - حسن الزهيري، <i> " شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي " , ، صفحة 6، جزء 64 , حسن الزهيري، .
- 17 - محمد الزُّرقاني (1996)، <i> " شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدي " , (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 513، جزء , محمد الزُّرقاني (1996)، .
- 18 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3012، صحيح. .
- 19 - تقي الدين المقريزي (1999)، <i> " إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع " , (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 34-35، جز , تقي الدين المقريزي (1999)، .
- 20 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3584، صحيح. .
- 21 - منقذ السقار، <i> " دلائل النبوة " , ، مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي، صفحة 66 , منقذ السقار، .
- 22 - عبد العزيز آل معمر، <i> " منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب " , ، صفحة 489، جزء 2 , عبد العزيز آل معمر، .
- 23 - مظهر الدين الزيداني (2012)، <i> " المفاتيح في شرح المصابيح " , (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 249، جزء 6 , مظهر الدين الزيداني (2012)، .
- 24 - عبد الرحمن السهيلي (2000)، <i> " الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام " , (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 1 , عبد الرحمن السهيلي (2000)، .
- 25 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 2406، صحيح. .
- 26 - أحمد ناجي (2010)، <i> " صحيح معجات النبي صلى الله عليه وسلم " , ، (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار ابن حزم، صفحة 18 , أحمد ناجي (2010)، .
- 27 - أحمد ناجي (2010)، <i> " صحيح معجات النبي صلى الله عليه وسلم " , (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار ابن حزم، صفحة 23-24 , أحمد ناجي (2010)، .
- 28 - عبد العزيز آل معمر، <i> " منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب " , ، صفحة 421، جزء 2 , عبد العزيز آل معمر، .
- 30 - سليمان الطوفي، <i> " التعيين في شرح الأربعين " , (الطبعة الأولى)، بيروت، مكة: مؤسسة الريان، المكتبة الم , سليمان الطوفي، .