ماهو الذكاء الصناعي (الحلقة الرابعة) … كيف نُعطي للذكاء الصناعي دماغًا؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
ماهو الذكاء الصناعي (الحلقة الرابعة) … كيف نُعطي للذكاء الصناعي دماغًا؟

كنا قد تحدثنا على مدار الحلقات الثلاث (1,2,3) السابقة عن الذكاء الصناعيّ، ماضيه، وحاضره، ومستقبله، وتطرقنا لبعض المفاهيم الهامة خلال ذلك وطرحنا بعض الأسئلة الأهم وحاولنا الإجابة عليها. حسنًا، أعتقد أنّنا جاهزون الآن لنخوض أكثر في العمق، ولنتعرف سويًا على ركيزة أساسيّة من ركائز الذكاء الصناعي وتعليم الآلة، إنّها الشبكات العصبونيّة.


هنالك الكثير من النماذج الّتي حاول العلماء من خلالها محاكاة طريقة التفكير البشريّة، بهدف إنشاء ذكاء صناعي يقترب من مثيله البيولوجي، يمكن أن نذكر كأمثلة على هذه النماذج: شبكات بايز، وأشجار القرار، وخوارزميات التعليم العميق، وأخيرًا الشبكات العصبونيّة الصناعيّة، ولكل من هذه النماذج نقاط قوّتها وضعفها، ولكن تُعتبر الشبكات العصبونيّة الصناعيّة أشهر هذه النماذج وأقربها للدماغ البشري وأكثرها انتشارًا، بالإضافة إلى أنّ أغلب تطبيقات الذكاء الصناعي الّتي تخرج بشكل شبه يومي تعتمد بشكل أساسي على تلك الشبكات.


بدأ التفكير بالشبكات العصبونيّة الصناعيّة كنموذج مشابه في طريقة عمله للدماغ، فهذه الشبكات مستوحاة من الشبكات العصبونيّة الحقيقية كتلك الّتي نمتلكها في أدمغتنا، ويعتقد بعض الباحثين بأنّ السيطرة على الشبكات العصبونيّة الصناعيّة سيعني بشكل أو بآخر السيطرة على تلك الحقيقيّة وفهم أفضل لكيفية عملها، بينما لا يكترث باحثون آخرون بهذا ما دامت الشبكات العصبونيّة الصناعيّة قادرة على حل العديد من المشاكل الّتي تواجههم.


ذكرنا أنّ الشبكة الصناعيّة مستوحاة من تلك الحقيقيّة؛ لذلك لا بدّ من مقدمة في آلية عمل الدماغ وعصبوناته إذا ما أردنا فهم أعمق للشبكات العصبونيّة الصناعيّة.


الدماغ البشري كتلة من الغموض!


استطعنا نحن البشر اكتشاف معظم الكوكب الأزرق الّذي نقطنه، وحللنا معظم ألغازه، كما أنّنا غزونا الفضاء وزرنا القمر، وباتت زيارتنا للمريخ قاب قوسين أو أدنى، لكن بالرغم من كل ذلك ما زالت تلك الكتلة الّتي نمتلكها جميعًا في رؤوسنا عصيّةً على الفهم، فالدماغ البشري بحجمه الصغير يُعتبره الكثيرون أعقد شيء في هذا الكون كله، فمن أين يأتي كل هذا التعقيد؟


يأتي التعقيد من عدة عوامل، فنحن لم نفهم بالتفصيل آلية عمل الدماغ، ولا قدرنا على تحليل بنيته بصورة كاملة. تتكوّن بنية الدماغ من كتلة متجانسة في معظمها من الخلايا تسمى الخلايا العصبونيّة (العصبونات). تترابط هذه العصبونات مع بعضها البعض في نقاط تُدعى”نقاط الاشتباك العصبي”، والهدف إرسال واستقبال الإشارات الكهربائية أو الكيميائية، فعندما تتجاوز الإشارات مستوىً معينًا أو تشكل نمطًا معينًا، فإنّ العصبون يبدأ بالعمل، وينقل الإشارة إلى عصبون آخر مرتبط معه.



https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQEwvVi7yYsBGnYWnr02_HNSqWt73IyIgfh0C3J6PWIuC755uNm5A

الأشكال المختلفة للعصبونات الحقيقيّة، حيث يتكوّن كل عصبون من جسم الخلية والنواة والمحور والنهايات العصبيّة/حقوق الصورة: jonlieffmd.com


يفوق عدد تلك العصبونات في الدماغ البشري مائة مليار خلية عصبيّة، أمّا الترابطات بينها فهي أكثر من هذا الرقم بكثير، وبالنظر إلى هذا الكم الكبير من التعقيد فإنّ العلماء يقفون حائرين أمامه كما قلنا، وغير مدركين تمامًا لطريقة عمل الدماغ، فهل ما يجعل الإنسان قادرًا على الاستنتاج والإدراك هو عدد العصبونات الكبير أم عدد الترابطات فيما بينها؟ أم أنّ سرعة المعالجة هو السبب أم طريقة المعالجة؟


بالنسبة لعدد العصبونات فلربما ليس هو العامل الحاسم خاصةً إذا عرفنا أنّ عدد العصبونات في دماغي الفيل والحوت يفوق عددها في دماغ الإنسان ويصل العدد إلى مائتي مليار خلية عصبية، كما أنّ الحواسب تبلغ سرعتها آلاف أضعاف سرعة الخلايا العصبونيّة، ولذلك يؤمن بعض العلماء أنّ طريقة الخلايا العصبية الطبيعية في معالجة البيانات هو المفتاح لكشف هذا الغموض، وعلى كل حال ما يزال الدماغ كتلة غامضة عصيّة على الفهم. لكن ما يهمنا اليوم ليس فهم عمل الدماغ بالضبط بقدر ما يهمنا إنشاء نموذج مبسّط له لحل بعض المسائل المعقدة، وهذا ما حققته الشبكات العصبونية الصناعيّة.


طريقة بناء الشبكة العصبونية


حاول علماء الذكاء الصناعي نمذجة العصبونات الّتي في الدماغ، فقاموا بمحاكاة سلوكها كعناصر فرديّة من خلال البرامج الحاسوبيّة، ومن ثم طوّروا تقنيات لربط هذه العصبونات الفرديّة مع بعضها البعض ودراسة النتائج. تتحقق هذه الوصلات بين العصبونات عادةً من خلال أوزان معيّنة، فمثلًا إذا كان الوزن يساوي “1” فإنّ الاتصال قوي جدًا، وإذا كان الوزن يساوي “0” فهذا يعني أنّه لا يوجد اتصال، وهكذا.


أمّا طريقة تنظيم العصبونات  في الشبكات الصناعيّة فيتم عادةً في سلسلة من الطبقات، تبدأ بطبقة دنيا وتنتهي بطبقة عليا وبينها عدد من الطبقات المخفيّة، وترتبط هذه العصبونات في كل طبقة مع العصبونات من الطبقة الأدنى والأعلى منها. تستقبل الطبقة الدنيا المدخلّات من خارج الشبكة العصبونيّة، على سبيل المثال البكسلات من صورة ما، أمّا العصبونات في الطبقات المخفيّة فهي تستلم مدخلاتها من الطبقات الأدنى وتوصلها إلى الطبقات الأعلى. في النهاية تقوم الطبقة العليا بإعطائنا خرج الشبكة ككل.



شبكة عصبونيّة صناعيّة تتكون من ثلاث طبقات، طبقة دخل وطبقة خرج وطبقة مخفيّة. عدد العصبونات في كل طبقة مستقلّ عن بقية الطبقات/مصدر الصورة: ويكيميديا


 


إذا قمنا الآن بتكبير أحد العصبونات في هذه الشبكة الصناعيّة فإنّنا سنجد الشكل التالي:



ماهو الذكاء الصناعي (الحلقة الرابعة) … كيف نُعطي للذكاء الصناعي دماغًا؟

نموذج للعصبون الصناعي/ حقوق الصورة: medium.com


يتكوّن العصبون الصناعيّ من تابع تفعيل يستقبل مجموعة من المداخل (x1,x2,..) قادمة من العصبونات الأخرى، وخرج هذا التابع يذهب إلى عصبون آخر في الطبقة الّتي فوقه، وهكذا. نلاحظ على مداخل العصبون مجموعة من الأوزان نرمز لها (w1,w2,..)، تتراوح قيمة هذه الأوزان بين “0” و”1″ كما قلنا، وتلعب دور كبير في مرحلة تعليم الشبكة العصبونية كما سنرى في الفقرة التالية.


بعد البناء يأتي التعليم


بعد بناء الشبكة العصبونيّة الصناعيّة ننتقل إلى مرحلة تعليمها، وتُعتبر هذه المرحلة حالة خاصة من حالات تعليم الآلة، ويمكنكم التعرّف على مفهوم تعليم الآلة بشكل أكبر من خلال مشاهدة هذا الإنفوغرافيك.


تعليم الشبكة العصبونيّة يعني باختصار توليف أوزان الوصلات بين العصبونات حتى نحصل على خرج معيّن مرغوب، فلنفرض مثلًا أنّنا نريد تدريب شبكة عصبونيّة على كشف الصوّر الّتي تحوي على قطة، فتقوم الشبكة بتعديل أوزان وصلاتها حتى تعطينا ما يدل على صورة قطة في الخرج.


يمكن تدريب الشبكة العصبونيّة عبر طريقتين الأولى هي “التعليم بإشراف” والثانية “التعليم بدون إشراف”، طريقة “التعليم بإشراف” تعتمد على عرض صور تحوي قططًا وأُخرى لا تحوي، مع الإشارة إلى الصور الّتي تحوي القطط، أمّا “التعليم بدون إشراف” فيعتمد على إظهار الصور الّتي تحوي على القطط وترك الباقي للشبكة لتتعرف بنفسها على القطط الموجودة من خلال البحث عن سمات خاصة تعتمد عليها.


قد يطرأ سؤال مهم على بال أحدنا، فهل من المعقول أن تتعرّف الشبكة العصبونيّة بنفسها على صور القطط؟ نعم هذا ممكن، ويتم عن طريق البحث عن سمات أو أنماط معيّنة تميّز القطط عن غيرها، مثل شكل اللوجه المميّز للقطط، وشكل شعرها، ويديها وأذنيها، وهلم جرًا، وتستطيع الشبكة العصبونيّة الصناعيّة اكتشاف ارتباطات معقدة بشكل لا يصدق بين الصور، ولا يهم إن كانت هذه الصور مائلة أو محجوب نصفها. فبعد التدريب على صور قد يصل عددها للملايين ربما، تصبح الشبكة قادرة على كشف صور للقطط لم ترها من قبل، وهذا هو في الحقيقة لب الذكاء الصناعي، وهو مقدرة الآلات على القيام بأشياء دون برمجة صريحة مسبقة.


لتقريب طريقة تعديل الشبكة العصبونية لأوزانها، تخيّل أنّك تملك عودًا وتريد ضبط أوتار هذا العود حتى تحصل على صوت مرغوب، ما العمل إذًا؟ ستقوم فورًا بتعديل أوتار هذا العود بالتجريب، فتقوم بشد الوتر أو تعكس العمليّة وتسمع الصوت الناتج، ومن ثمّ تعدّل بناءً على ما قد سمعته وهكذا حتى تنتهي من جميع الأوتار، وبذلك تكون قد أعدت ضبط العود بما يتوافق مع النتيجة النهائية المرغوبة. في الحقيقة لا تقوم الشبكة العصبونية الصناعيّة بغير ذلك، فهي تعدّل الأوزان، وتقيس الخرج ومن ثمّ تعدّل الأوزان حتى تحصل على الخرج النهائي المطلوب.


إنّ عملية ضبط العود تعتمد بشكل كبير على الحالة البدائيّة للأوتار، وكذلك على المقدار الّذي نغيّر من خلاله حالة الوتر في كل مرة، وكذلك الأمر ينطبق على الشبكة العصبونيّة فحل المسألة يعتمد بشكل كبير على الأوزان البدائية ومقدار تغيير الأوزان في كل مرّة، ولذلك فإنّ الباحثين في هذه المجال يحاولون بشكل دائم إيجاد أفضل الشروط البدائيّة (أوزان الوصلات البدائية)، وكذلك جعل هذه الأوزان تصل إلى الخرج المطلوب بأسرع وقت ممكن.


  • كيفية إجبار متجر جوجل بلاي على تحديث نفسه في هواتف الأندرويد

  • إلى محبي نظام Linux، كيفية تحميل سمات سطح المكتب لنظام الـ Ubuntu!

  • أبقِ المتطفلين بعيدًا … كيفية قفل التطبيقات على أجهزة أيفون

  • قبل البحث عن برامج مكافحة الفيروسات… تعرف على أشهر أنواع فيروسات الكمبيوتر وكيفية عملها!

  • ما هي العملات المشفرة وكيف تعمل … وكيف تصبح ثريًا بلمح البصر ؟!

عندما نبني شبكة عصبونيّة قوية ونعلّمها بطريقة جيّدة، نكون عندها قد منحنا الذكاء الصناعي دماغًا، ومع أنّ هذا  الدماغ لا يعادل بأي حال من الأحوال الدماغ البشري، إلّا أنّ الذكاء الصناعي استطاع التفوّق على البشر في كثير من الأحيان، وهذا عائد إلى مقدرته على معالجة عدد كبير من المعطيات في زمن قصير، ومن جهته الإنسان لا يزال يتفوّق في أمور أخرى كثيرة كفهم المشاعر مثلًا، وبيننا وبين الذكاء الصناعي ما زال الصراع طويلًا، فلمن ستكون الغلبة؟