هُـراء آينشتاين .. وأخطاء نيوتن !

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/01
هُـراء آينشتاين .. وأخطاء نيوتن !

إذا كنت تُطالع الصحف و المواقع الإخبارية بصورة يومية، فمن المحتمل بقدرٍ كبير أنه قد مرّ عليك الكثير من العناوين الإخبارية على شاكلة (طالب يحطم النسبية- مخترع يثبت أخطاء نيوتن- طفل يكتشف علاج جديد للسرطان…) و ما شابه من هذه المقالات الإخبارية التى لا تحمل فى طياتها سوي الهُراء بشكلٍ مُنمّق.


هذا يحمل لقب مخترع قبل اسمه الشخصى، و ذاك يُلقب نفسه بنيوتن، و آخر يدعى أنه آينشتين! ظاهرة أصبحت تستحق الدراسة من فرط انتشارها على الأخص بين شباب الباحثين. و فى هذا المقال سأستعرض بعض الأسباب التى أدت الى انتشار هذه الظاهرة الغريبة التى تنشر الجهل مُصاغاَ بأسلوبٍ علمىِ من ناحية، و تقضى على المنهج العلمي السليم من ناحية أخرى.


غيـاب الصحـافة العلميـة


على رأس الأسباب التى أدت الى انتشار هذه الظاهرة، غياب مفهوم الصحافة العلمية فى الوطن العربى، و اختزال الصحفيين العلميين على مجموعة من الكُتاب و المحررين الذين لديهم القدرة على الكتابة بأسلوبٍ جيد ليس أكثر. ربما تصح هذه الحُبكة حينما نتناول أخباراَ معتادة، لكن فى الأمور العلمية يصبح الوضع مختلفاَ تماماَ، حيث الأسلوب وحده لا يفيد، بل يجب على الصحفى العلمى أن يمتلك على الأقل قدرا بسيطا من المعرفة العلمية فى الأمور التى يكتب عنها.


كيف سيتمكن صحفى من نشر مقالٍ عن نظرية النسبية دون أن يدرى من هو آينشتين ! كيف سيكتب عن علاجٍ جديدٍ للسرطان و هو لا يعلم أىّ شىءٍ عن السرطان!  بالطبع هذا ما يحدث! .. كاتبٌ أو صحفىٌ مولعٌ بالعناوين الجذّابة، يبحث عن أى خبرٍ يحقق الإنتشار الكافي، فيحصل على شابٍ بارعٍ فى صياغة الكلمات المُرتبة بشكلٍ يبدو أنه علميّ، و تكون النتيجة النهائية خبراً بعنوان (طالب يحطم النسبية).


تُرى ما سر ارتباط هذه الأخبار بنظرية النسبية و علاج السرطان؟!  بالرغم من وجود العديد من النظريات الفيزيائية، و الكثير من الأمراض؛ إلا أنه من المستحيل أن تقرأ خبراً من هؤلاء دون أن تجده مرتبطا إما بالنسبية، أو بالسرطان، و من يدرى قد يحتوى الخبر كلاهما معاً!


طالب يحطم النسبية و يكتشف علاجاً جديداً للسرطان، وربما اخترع أيضاُ مكوكاً فضائياً أو سلاحاً فتاكاُ…


و هذا بالطبع يجعلنا نتحدث عن السبب الثاني لإنتشار هذا النوع من الأخبار :


لا يوجــد منهـج علمـي بالأساس


إذا كنت تسعى الى اختراع شيئا جديداً, أو اكتشاف علاج لمرضٍ ما, أو وضع نظرية جديدة, عليك أن تمر بالخطوات العلمية السليمة. عليك أولا أن تكتسب الخبرة العلمية الكافية. يجب أن تمتلك أساس علمى قوى لكى تستند عليه أثناء رحلتك لاكتشاف هذا العلاج. كيف ستكتشف علاجاً للسرطان و أنت لا تعرف شيئاً عن السرطان! هذه هى الفكرة.


ما يحدث هنا هو العكس! بمجرد أن تنوى اكتشاف علاج جديد لمرضٍ مثل السرطان, عليك فقط أن تفترض ثم تخبر العالم أجمع أنك اكتشفت علاجاً جديداً. لا يهم ما هو الأساس العلمي الذى استندت عليه، لا يهم صحة افتراضاتك، لا يهم نتائج التجارب التى ستختبر بها صحة أفكارك! كل هذا لا يهم! المهم فقط هو أنك وجدت صحفيا مناسبا يبحث عن هذا النوع من الأخبار، و المثير فى الأمر أنك ستصبح شهيرا، و لكن لن تدوم الشهرة سوى ثانيتين فقط!


ستنتهى شهرتك بمجرد الإنتقال الى الخبر التالى، فضلا عن السخرية التى ستحصل عليها من المتخصصين و المهتمين بسبب الهُراء الذى نُشر عنك. ستجعل من نفسك أضحوكة للقُراء، لن يتحدثوا قط عن الصحفى الأحمق الذى نشر هذا الكلام، ستكون أنت فقط، ستكون مضطرا الى تحمل نتيجة تسرعك الزائد و جهلك بالمنهج العلمى.



ليس عيباً أن نبحث عن الشهرة، العيب أن تكون شهرة زائفة، الكل لديه الخيار، ربما تصبح شهيرا لاختراعك شيئا جديدا مفيدا للبشرية، و ربما تصبح شهيرا لأنك أصبحت محط سخرية الجميع مثل صديقنا صاحب علاج فيروس سى بالكفتــة.



ربما أفضل التعليقات على هذه الأخبارعلى الإطلاق، و الذى يلخص الأمر برمته، هو التعليق الذى كتبه الدكتور أحمد فرج على ، مُـركزاً على الحالة المصـرية نموذجـاً لوضـع عربي شامل :