الثقوب السوداء هي مناطق ذات كثافة لا نهائية تُعرف باسم التفرد. وفقًا للفيزياء السائدة فإن كلٍّ من أجزاء المادة الكونية هذه محاط بأفق الحدث، وهو الحدّ الذي بمجرد أن تسقط فيه لن تخرج أبدًا. لكن ماذا إذا كانت بعض هذه الثقوب السوداء العارية تنقصها تلك الحدود كليًّا؟ يمكننا القول إن بعضًا من هذه التفردات دائمًا ما تكون ملفوفةً بآفاق الحدث، ولكن إذا ما أمعنا النظر في رياضيات النسبية العامة سنجد أن هذا ليس هو لب القضية.
طالما أن هذه الثقوب السوداء العارية تنتشر في الكون، فإن بحثًا جديدًا يكشف كيف يمكننا اكتشاف أحدها من خلال النظر إلى حلقة الضوء المحيطة به.
تحدث الثقوب السوداء نتيجةً للعلوم الرياضية لنظرية أينشتاين حول النسبية العامة. تخبرنا تلك المعادلات الرياضية أنه إذا انهارت كتلة من المادة على نفسها إلى حجم صغير جدًا، فإن جاذبية هذه المادة ستظل تتقلص إلى أن تنكسر إلى نقطةٍ صغيرةٍ جدًا، تُسمّى هذه النقطة التفرّد، وهي إشارة إلى أن الرياضيات التي نستخدمها لوصف الزمكان تنهار تمامًا.
كما أن جاذبية التفرد قويةٌ بلا حدود، ويمكن سحب الأشياء نحو التفرد أسرع من سرعة الضوء، وبالقرب من التفرد لم تعد فيزياء النسبية العامة قادرةً على التنبؤ بالمسار المستقبلي للجسيمات، وهي إحدى النقاط الرئيسية للفيزياء، إذ تتلاشى الفيزياء من دون قدرتها على تحقيق التنبؤات.
لحسن الحظ فإن كلّ التفردات ملفوفةٌ في أفق الحدث على حد علمنا. أفق الحدث هو المسافة البعيدة عن التفرد حيث تكون الجاذبية قوية بما يكفي لسحب أي شيء، وتلك هي النقطة التي يجب أن تسافر فيها أسرع من سرعة الضوء للهروب. هذا ما يجعل الثقب الأسود أسودَ إذ أنه حتى الضوء لا يمكنه الهروب منه.
منذ أن اكتشفنا لأول مرة وجود الثقوب السوداء، تساءلنا عمّا إذا كان من الممكن تكوين حالة تفرد بدون أفق الحدث المرتبط، والتي تُسمّى بالتفرّد "العاري". سيكون ذلك مكانًا خطيرًا جدًّا حقًّا، إذ تنهار فيه قوانين الفيزياء التي تخولنا لنصل إلى بقية أرجاء الكون.
يكون التفرد آمنًا، وهو ملفوفٌ تحت أفق الحدث على الأقل، فبالرغم من أنه مكان حدوث الأنشطة الفيزيائية الشديدة والمجهولة، فإن أيًّا كان ما يحدث فسيبقى هناك مكانٌ آمن في بقية أرجاء الكون.قلب الفكرة في اتجاه آخر
إذا كانت التفردات العارية موجودةً، فهي بالتأكيد ليست شائعةً، ونحن نعرف طريقةً واحدةً مؤكدةً فقط لتشكيل التفردات، وذلك عندما ينفد وقود نجم عملاق وينهار على نفسه. عندما يحدث ذلك، يحصل التفرد بشكلٍ طبيعيٍّ على أفق الحدث.
يُعدّ وجود التفرد العاري أمرًا مقلقًا للغاية بالنسبة للفيزيائيين لدرجة أنهم توقعوا أن الطبيعة ربما لا تسمح لها بالوجود على الإطلاق، ولكن حتى الآن ليس لدينا أيّ دليلٍ على هذه الفكرة.
قد يكون من الممكن تكوين تفرداتٍ عاريةٍ، لكن لا يحدث هذا إلا في ظل أقصى الظروف. إذا كان الثقب الأسود يدور، فيمكنه تشكيل أفق حدث ثانٍ يقع داخل الأول. كلما كان الثقب الأسود يدور بشكلٍ أسرع، اقتربت آفاق الحدث من بعضها البعض. أما في حال كانت تدور بسرعة كافية، تتنبأ الرياضيات بأن آفاق الحدث يمكن أن "تلغي" وتكشف عن تفرد واضح. لا شكّ أن الفكرة مما يحدث وصلتك بالرغم من أن الفيزياء الفعلية هي بالطبع أكثر تعقيدًا.
حتى الآن، لم نتعرف على أيّ ثقوبٍ سوداء تدور بسرعةٍ كافيةٍ لفضح تفرداتها، ولكن بخلاف ذلك، فليس لدينا عادة طريقة لتحديد ما إذا كان الجسم الفيزيائي الفلكي العشوائي هو ثقب أسود عاديٍّ أم تفرد عارٍ. إن الصورة التي يوفرها تيلسكوب Event Horizon Telescope هي استثناءٌ بالطبع، لكن ليس لدينا الكثير من الصور مثلها.إحداث الفرق
أخذ عالم فيزياء نظرية هذا التحدي في الحسبان من خلال دراسة ما إذا كان التفرد العاري يمكن أن يكشف عن نفسه بطرق أخرى، خاصةً إذا كان محاطًا بحلقةٍ من المواد، كما ورد في ورقةٍ بحثية نُشرت في 12 تشرين الثاني/نوفمبر على خادم arXiv. تُعتبَر هذه الحلقة التي تُسمّى قرص التراكم سمةً شائعةً حول الثقوب السوداء، ومن المحتمل أن تكون التفردات عارية.
عندما يسقط الغاز والغبار على جسمٍ كثيفٍ ومضغوطٍ فإن هذه المادة تتسطح في قرص قبل أن تتدفق على طول الطريق. يمكن أن يكون هذا القرص ساطعًا بشكلٍ لا يُصدق، ما يلغي فكرة وجود ثقب أسود. في الحقيقة، إن هذه هي الطريقة التي نعرف من خلالها وجود الغالبية العظمى من الثقوب السوداء في الكون.
افترضت معظم الدراسات النظرية حول التفردات المجردة أن الكائن موجود في عزلة، وهذا ليس صحيحًا في الكون الحقيقي. في العمل الجديد، فحص الباحث في الجانب النظري الوضع المُعقّد برمته وتوصّل إلى نتيجةٍ مفاجئةٍ.
وُجد أن قرص التراكم ليس منفصلًا تمامًا عن الثقب الأسود، أو التفرد العاري. للقرص نفسه قوة جاذبية خاصة به، ويمكنه تحريف وتشويه الجسم المضغوط في المركز. يؤثر هذا التشويه بدوره على بيئة الجاذبية حول الجسم، ما يغير بمهارة مسار المادة التي تدور في اتجاه الداخل.
وجد الباحث في الجانب النظري أن التفرد العاري يتصرف بشكلٍ مختلفٍ قليلًا عن الثقب الأسود العادي، فالقرص التراكمي حول التفرد العاري يمكن أن يكون أكثر إشراقًا بكثير حول الثقب الأسود. حتى الآن، لا تمتلك تلسكوباتنا حساسيةً لمعرفة الفرق، ويمكن للأجهزة المستقبلية وربما تكون نسخة محدثة من Event Horizon Telescope أن تفي بالغرض.
سيكون العثور على تفردٍ عارٍ في الفضاء بمثابة إلهام رئيسي في الفيزياء. سنكون قادرين على تحديد موقع في السماء يمكننا أن نعلم أن معرفتنا فيه تتلاشى. ستكشف الدراسات الأكثر تفصيلًا عن البيئة حول التفرد العاري المؤكد بعضًا من أكثر ألغاز الكون عمقًا.