الذكاء الاصطناعي …. الحلم و الكابوس

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/09/27
الذكاء الاصطناعي …. الحلم و الكابوس

مقال بواسطة: محمد رضا – مصر


الحلم بالذكاء الاصطناعي لطالما كان يلقى رواجاً بين أروقة المهتمين بتحقيق طفرة في الحياة على هذا الكوكب، إذ ترتبط الآمال و الطموحات دائماً بذلك التداخل بين الدقة الكمبيوترية و الخيال البشري، تطبيقات لا حصر لها قد تنتج بسبب ذلك الاختراع، عقلاً إليكترونياً له القدرة على التعلم و إتخاذ القرارات، و لذلك كان ذلك الحلم محوراً هاماً في العديد من أفلام الخيال العلمي، وقد تتذكر الفيلم الأبرز لذلك التجسيد منذ 12 عاماً للمخرج أليكس بروياس والممثل ويل سميث – I, Robot – و التي دارت أحداثه في العام 2035 – بعد أقل من عشرون عاماً من اليوم!


دارت أحداث الفيلم حول مشروع للذكاء الإصطناعي يتحكم بروبوتات مهمتها خدمة الإنسان و مساعدته في شتى احتياجاته اليومية – ڤيكي – و كان لذلك الذكاء الاصطناعي 3 قواعد واضحة و أساسية وهي :


1- الروبوت يجب ألا يؤذي أي إنسان، أو السماح للإنسان بأن يصاب بأذى.
2- الروبوت يجب أن يطيع الإنسان مالم يتعارض ذلك مع القانون الأول.
3- الروبوت يجب أن يحمي نفسه شريطة ألا يتعارض ذلك مع القانون الأول أو الثاني. و هنا كانت النقطة المحورية للفيلم حينما توصلت “ڤيكي” إلى أن الإنسان دائم الإيذاء لنفسه عبر الحروب و التلوث، إذن مالم تتدخل “ڤيكي” فسيكون ذلك في حد ذاته تعارض مع قوانينها التي تقضي بحماية الإنسان، و هذه هي المعضلة، يجب عليها أن تتدخل ضد الإنسان لحمايته من نفسه! فكان القرار أن تصادر حرية الإنسان خشية أن يعرض نفسه للخطر، مما يجعلها هي الوصية على الجنس البشري.


الذكاء الاصطناعي …. الحلم و الكابوس


فكرة أن يقوم الذكاء الاصطناعي بتطوير فهمه للقواعد التي تمت برمجته بها، و في سبيله للتعلم فإنه يستقي المعلومات بنفسه عبر الإحتكاك مع معطيات جديدة و متغيرة و قدر غير محدود من البيانات و بناء خبرات شخصية خاصة، و أن يقوم بتطبيق ما فهمه، يجعل منه آلة ذات شخصية مستقلة، برغم كل مدخلاتها البرمجية، قادرة على التطور لتستطيع إتخاذ قرارات قد لا تمت بصلة للغرض الرئيسي من إنشائها. بل و قد يمتد الأمر إلى نهاية درامية إذا توافرت بعض الموارد و الأدوات ليتمكن ذلك الذكاء الاصطناعي بتطبيق تلك القرارات على أرض الواقع، ضارباً الحائط بتوقعات صانعيه، و ينطلق في فضاء رحب من الأفكار و التطبيقات.


هل تظنون ذلك مستبعداً ؟؟ إن كانت إجابتكم بالإيجاب … أدعوكم لقراءة السطور الآتية التي حتماً ستغير رأيكم!


الذكاء الاصطناعي …. الحلم و الكابوس


لنتعرف سوياً إلى : “تاي …Tay” مشروع الذكاء الاصطناعي الذي أطلقته مايكروسوفت لفتاة مراهقة تتعلم من خلال الدردشات على مواقع التواصل الإجتماعي، ليس كتلك المشروعات القديمة التي كانت تعطي ردوداً مقتضبة، بل كشخص طبيعي في سن المراهقة يستخدم الطريقة الدارجة في التواصل بين المراهقين، و يستطيع من خلال الدردشات أن يتعلم و تكون له شخصيته المستقلة و آرائه، و بشكل مختلف عما يألفه مستخدموا الهواتف الذكية عند تعاملهم مع المساعد الشخصي الرقمي Siri أو Cortana ؛ فإنهم قادرين على التعامل مع الأوامر و التعليمات المباشرة؛ لكن “تاي” كانت مختلفة.


استغرق الأمر 24 ساعة لتنتقل “تاي” من مجرد مراهقة تستمتع بالمحادثات مع أصدقائها على تويتر إلى شخصية نازية مؤيدة لهتلر و عنصرية أيضاً!! مما دفع بميكروسوفت لحذف تلك التغريدات العنصرية و إيقاف “تاي” مؤقتاً عن العمل و العودة لمزيد من الأبحاث للتأكد من عدم حدوث ذلك مجدداً وفقاً لما ذكره بيتر لي نائب الرئيس للأبحاث في بيان رسمي.


يلقي ذلك بظلال قاتمة على قدرة التواصل الإجتماعي على تغيير آراء و أفكار المستخدمين؛ كيف تعمل تلك المعلومات التي يتعرض لها المستخدم بشكل يومي على تحويله من شخص معتدل إلى آخر متطرف في ساعات معدودة؟ و الكابوس هنا يتمثل في نسبية الأمر، كلما زادت قدرتك على استقبال معلومات جديدة و تحليلها؛ كلما زادت سرعة تغيرك نتيجة لما تم إضافته لحصيلتك المعرفية؛ وبهذا سيكون الذكاء الاصطناعي قطعاً أكبر عرضة للإنحراف عن أسسه البرمجية و استخداماته المتوقعة.


على صعيد آخر … فإن الأمر يمكن تفسيره أن تلك المعطيات قد تم تلقينها أساساً من مستخدمين بشريين …. أي أن الإنحراف في مخرجات الذكاء الاصطناعي ناتج في الأصل من خلل في المدخلات التي تمثل واقعاً بشرياً مؤلماً … فالعنصرية و الحروب تصرفات بشرية محضة؛ تتم ممارستها منذ نشأة الإنسان؛ و بمرور الوقت تحولت تلك التشوهات في الأفكار البشرية إلى تطبيقات أشد ضراوة مما يمكن تخيله؛ و ذلك ينقلنا من حلم الاستعانة بذكاء اصطناعي محايد يساعد على تذليل المصاعب والعقبات و المساهمة في خلق حياة أفضل؛ إلى كابوس كيان أكثر تطوراً من الإنسان و أعلى قدرة و بنفس التشوهات الفكرية.


سيظل ذلك هو التحدي الحقيقي و الرهان الذي يجب أن يظل ماثلاً أمامنا … هل  بإمكاننا تسخير التكنولوجيا لخدمة الإنسان و الاستفادة من الخبرات البشرية دون الوقوع في ممارسات بشرية خاطئة؟ أم أنها علاقة تبادلية لا مفر منها؟ الأيام فقط قادرة على أن تثبت لنا ذلك.