أهمية علم النحو

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ١٧:٢٦ ، ٣ يونيو ٢٠٢٠
أهمية علم النحو

عِلم النّحو

النّحو لُغةً -كما ورد في مُعجم لِسان العرب- مأخوذ من المادّة الّلغويّة (نحا)، ونحا إلى شيء أي؛ قصده، فالنّحو هو القصد والطّريق، وقد أُشير في المُعجم ذاته إلى أنّ (الأزهريّ) ذَكَر أنّ أهل اليونان كانوا إذا عرفوا أحداً يعلم بالألفاظ ويُعنَى بأمور البحث سمّوه "نحويّاً"، ويُدعِّم (الأزهريّ) كلامه بأنّ (يوحنّا الإسكندرانيّ) سُمّي بيحيى النحوي لِما كان له من المعرفة بلُغة أهل اليونان، وتجدر الإشارة إلى أنّ (أبا الأسود الدُّؤليّ) عندما وضع قواعد الّلغة قال للنّاس: "انحوا نحوه" أي؛ اقصدوه، فسمّي نحواً-بحسب ما ورد في كتاب التّهذيب-، ونحا الشيء ينحوه أي يحرّفه ويغيّره، وهذا ما جعل النّاس يصفون كلّ عالِم يحرّف الكلام إلى وُجوه الإعراب نحويّاً. أمّا في اصطلاح الّلغة فقد ذكر (الجرجانيّ) بأنّ النّحو هو علِم يُعنَى بأوجه تراكيب الّلغة العربيّة، سواءً كان في الإعراب أو البناء وغيرها، وأُشير إلى تعريفاتٍ عديدةٍ لِعِلم النّحو تدور كُلّها حول كونه عِلماً يبحث في أحوال الكلام من حيث صحّته وفساده.[1]

أهميّة عِلم النّحو

حفظ القرآن الكريم من أيّ خطأ


تظهر أهميّة عِلم النّحو في حماية القُرآن الكريم من الخطأ والتّحريف؛ لِما يقوم به من زيادة فهمٍ للمعاني الواردة بالشّكل الصّحيح، وهذا ما يجعل منه أداةَ العُلماء القيّمة في تفسير آيات الله -جلّ جلاله- في كتابه الكريم، كما ذَكَر عُلماء التّفسير في فضل هذا العِلم، منهم (مكيّ بن أبي طالب) بأنّ عِلم النّحو هو وسيلة الرّاغب في طلب عِلم القرآن والرّاغب لفهمه، وتجويده ليكون خالياً من الّلحن، وأضاف قائلاً: "بمعرفة حقائق الإعراب تُعرَف أكثر المعاني، فتظهر الفوائد، ويُفهَم الخِطاب، ويَصحُّ معرفة حقيقة المُراد"، وطالما أنّ كِتاب الله عربيّ كما ذَكَر في كتابه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)،[2] فعُلوم الّلغة -وأوّلها النّحو- كانت أكثر عوناً لفهمه، وما دامَ عِلم النّحو يبحث في فساد الكلام وصحّته، فهو أجدرُ العلوم وأحقّها في حِفظ كِتاب الله، والمُساعد على قراءته قراءةً سليمةً تُفهِم القارئ مقاصده كلّها.[1]

أهميّة النّحو في فهم القرآن الكريم


يُعدّ عِلم النّحو من أدوات فهم عُلوم القرآن وأهمّها التّفسير الذي يرتبط به ارتباطاً وثيقاً؛ حيث إنّ قواعد النّحو تُساهم في تحليل النّصوص القرآنيّة وفهمها على هيئتها الصّحيحة، وبهذا يكون النّص القرآنيّ سليماً من الّلحن أو التّحريف، ويُؤكّد (ابن عطيّة) هذا الكلام بأنّ عِلم النّحو -وتحديداً الإعراب- هو أصلٌ في علوم الشّريعة، ويُعلِّل ذلك بقوله: "لأنّه بذلك تقوم معانيه التي هي في الشّرع"، فالجهل بالحركة الإعرابيّة في النّصوص القرآنية يؤدّي إلى تحريف المعنى عن مقصده، وقد تُفضِي في بعض المواضع إلى الإتيان بمعنى مقصده "الكُفر"، ومِثاله قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)،[3] فلو تمّ نصب كلمة (العُلماءَ)، ورفع لفظ الجلالة (اللهُ)، لوُضع الله -وحاشاه- في مقام الخشية، وهذا تحريف فظيع، وكما قال (عبد القاهر الجرجانيّ) في مَن يُقابل عِلم النّحو بالإهمال والاستصغار: "فصنيعهم في ذلك أشبه بأنْ يكون صدّاً عن كِتاب الله، وعن معرفة معانيه"، وفيما يلي أمثلةٌ توضيحيّةٌ على أهميّة الحركة الإعرابيّة في فهم القرآن الكريم:[4]





المِثال التّوضيح
قوله تعالى: (أنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[5] لو تمّت قراءة الآية بتحريك كلمة (وَرَسُولِهُ) -بكسر الّلام- سيفسد المعنى بشكلٍ كاملٍ، إذ سيصبح المعنى: (أنّ الله بريء من المُشركين وبريء من رسوله أيضاً)، وحاشا ذلك، وسبب فساد المعنى يعود إلى الضّبط غير الصّحيح للكلمة.
قوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ)[6] لو تمّت قراءة الآية بتحريك كلمة (وَيَعْقُوبَ) -بفتح الباء- أي بعطف كلمة (يَعْقُوبُ) على كلمة (بَنِيهِ) بالنّصب سيفسد المعنى؛ إذ كيف يوصِي سيدنا إبراهيم -عليه السّلام- يعقوب، وهو لم يُولد بعد.
قوله تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)[7] لو تمّت قراءة الآية بتحريك لفظ الجلالة (اللهَ) -بفتح الهاء- أي؛ بالنّصب، سيفسد المعنى، لأنه في هذه الحال ينفي صِفة الكلام عن الله.


أهميّة عِلم النّحو في عِلم الحديث الشّريف


يُعدّ عِلم النّحو أحدَ الأدوات التي تساعد على فهم الأحاديث النّبويّة، وقد أشار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- إلى وُجوب فهم النّحو وتعلّمه، وكان ذلك عندما قرأ أحدُ الرِّجال فأخطأ في القراءة، فقال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَرْشِدُوا أَخَاكُم)، ويُلاحظ من هذا الموقف الاهتمام بصحّة إيراد الكلام على وجهه الصّحيح والأصليّ، كما أشار بعض الإئمة إلى ضرورة تعلم النحو، أمثال الشعبي الذي عبّر عن رأيه بقوله: "النّحو في العِلم، كالملحِ في الطّعام، لا يُستغنى عنه"، ومنهم من أشار إلى ضرورة تعلّم النحو قبل تعلّم رواية الحديث مثل (وكيع) بقوله: (أتيتُ الأعمش أسمع منه الحديث، وكنتُ ربما لحَنْتُ. فقال لي: يا أبا سفيان تركت ما هو أولى بك من الحديث. فقلت يا أبا محمد وأي شيء أولى من الحديث؟ فقال: النحو)، وفيما يلي أمثلة توضّح أهميّة عِلم النّحو في فهم الحديث:8





المِثال التّوضيح
في الحديث النّبويّ: (رُوَيدًا أيُّها النَّاسُ، عليكم السَّكينةَ؛ فإنَّ البِرَّ ليس بالإيضاعِ)[9] إذ لو تمّ قراءة الحديث بتحريك كلمة (السَّكينةُ) -بضمّ التّاء المربوطة- سيفسد المعنى المُراد من الحديث الذي يدعو النّاس بقول: "الزموا أنتم السّكينةَ".[10]
في الحديث النّبويّ: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)[11] فلو تمّ قراءة الحديث بتحريك كلمة (يُحِبُّ) -بضمّ الباء- سيفسد المعنى المُراد من الحديث الذي ينبّه على أهمية أن يحب المؤمن لأخيه ما يُحبّ لنفسه، فعدم المحبة يقتضي عدم الإيمان، ولا يصحّ أن يتمّ ضمّ الفِعل باعتبار (حتّى) حرف عطف؛ لأنّ عدم الإيمان ليس سبباً للمحبّة.[12]
في الحديث النّبويّ: (إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ)[13] يدل الحديث هنا بلفظ -أهْلَكُهُمْ- أي بضمّ الكاف إلى أنّ هذا الرجل هو أكثر الناس هلاكاً، إلا أنّه في حال قرئ بلفظ -أهلكَهم- أي بفتح الكاف، فسيختلف المعنى هنا ليشير بأنّه كان سبباً في هلاك الناس، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الحديث يُروى بهاتين الروايتين، إلّا أنّه اشتهر عند العُلماء برواية الرّفع لا الفتح.[14]


حماية الّلغة العربيّة وحفظها من الفساد


تدور أهميّة عِلم النّحو في حِفظ الّلغة العربيّة وحمايتها من الفساد، ويرجع ذلك إلى كونه عِلماً يُبقي على التّراث الثّقافيّ لكلام العرب بتوضيحه وفهمه، دون إفساد في معناه ومقصده، ممّا يُحافظ على لغة العرب الأوائل بعيداً عن الّلحن، ويصون الّلسان العربيّ عن عجميّة الألفاظ الدّاخلة إلى الّلغة من التحريف، بالإضافة إلى التّمكّن من تصحيح النّطق العربيّ الفصيح إن لامسه لبس، فيكون صحيحاً وواضحاً،[15] فمثلاً لو أُوتي ببيتٍ شعريّ وحُرِّف لفظه، لمسّ هذا التحريف المعنى المراد منه، وفيما يلي بيت شعريّ من الأدب العربيّ يوضّح ذلك:[16]دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَلْ لِبُغيَتِها
وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي


في البيت السّابق يهجو الشّاعر العربيّ (الحُطيئة) شخصاً اسمه (الزِّبرقان)، وكانت قد حدثت قصّة طويلة بينهما، وأفضتْ تلك القصّة إلى نزاعٍ أدبيٍّ على صورة هجاء مشهور في الأدب العربيّ، حيث يشير البيت إلى أنّ (الحُطيئة) ينهى (الزِّبرقان) عن طلب أفضال المكارم، وكأنّه يقول له: "حسبُك يا زبرقان أنْ تشرب وتأكل فقط"، وفي تحريك الفعل بـ"الضّم" بدلاً من جزمه بـ"السّكون" لم يُحفظ الغرض الشِّعريّ من الهِجاء، ففي الشِّعر العربيّ النّهي أقوى من النّفيّ، وهذا لا يحفظ الإرث العربيّ على الحالة التي كان عليها خاصّة أنّ هذا البيت من أشهر أبيات القصيدة التي كتبها (الحطيئة) إثر هذه القصّة.[16]

النّحو أساس للتّفريق بين المعاني المُختلفة


إنّ لِعلم النّحو دورٌ مهمّ وأساسيّ في تحديد العلاقات بين الكلمات الواردة في التّركيب الّلغويّ الواحد، وعلاقات التّراكيب مع بعضها البعض ككُلّ، وهذا ما جعل عُلماء الّلغة يتوجّهون إلى اعتبار النّحو مِقياساً أساسيّاً في الدِّراسات الّلغويّة التي تبحث في المعاني التي تتداخل في التّراكيب الّلغويّة مع التّفريق بينها، وخاصّة التي ترتبط بكتاب الله -جلّ جلاله-، وسُنّة نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-، لأنّ المعنى الواحد للكلمة يختلف باختلاف الحركات الإعرابيّة المُختلفة لها ضمن التّركيب الّلغويّ، وفيما يلي توضيح لأهميّة عِلم النّحو في فهم المعاني المُختلفة للجُملة نفسها إذا تشكّلت بحركات مُختلفة كلّ مرّة:[17]

الجملة (أكرم النّاس أحمد)، قد يكون فهمها صعباً دون تشكيل، إلّا أنّه بوضع الحركة الإعرابيّة يتّضح الاختلاف في كلّ مثال:





الجُمل التّوضيح
أكرمَ النّاسُ أحمدَ. المعنى هو: النّاس هم الذين أكرموا أحمد.
أكرمَ النّاسَ أحمدُ. المعنى هو: أحمد هو الذي أكرم النّاس.
أكرمُ النّاسِ أحمدُ. المعنى هو: أحمد هو أكرمُهم.
أكرمِ النّاسَ أحمدُ. المعنى هو: أي أكرم النّاس يا أحمد.


معرفة الّلغة العربيّة والوقوف على دلالاتها المختلفة


يتميّز عِلم النّحو بأهميّته في كشف بواطن المُفردات والمعاني، إذ يستطيع القارئ عند إحاطته بعِلم النّحو أن ينتقلَ من الدّلالة الظاهرة للتّركيب في النّص العربيّ إلى المعنى المقصود (المعنى الباطن)، ويكون هذا في النّصوص العربيّة الفصيحة كلّها، وأهمّها نصوص القرآن الكريم، وقد أشار العالم (السّكاكي) كما ذُكِر في كِتاب (مِفتاح العلوم) أنّ عِلم النّحو يتمثّل في التّوجه إلى معرفة "كيفيّة التّركيب"، وقصد (السّكاكيّ) في هذا المُصطلح أنّ التّركيب قد تختلف دلالتهُ من حالةٍ إلى أخرى، كأنْ يتقدّم شيء على آخر تحت مفهوم "التّقديم والتأخير"، وهذا يتمثّل في جعل دلالة الكلام مختلفةً في كلّ مرّة يتغيّر فيها موضع الكلمة في التّركيب الّلغويّ، ولهذا كان دور عِلم النّحو في إزالة الشّك حول ما يدور في تركيب الكلام.[17]

كما يجب الإشارة إلى أنّ (عبد القاهر الجرجانيّ) ذكر في كتابه (دلائل الإعجاز) أنّه لمّا فَهم عِلم النّحو ارتبطَ عنده مع علمَيّ الدّلالة والبلاغة، ثمّ صاغها معاً في نظرية تتعلّق بنظم الكلام سمّها نظريةّ "النّظم" والتي قال فيها: "فلا ترى كلاماً قد وُصِف بصحّة نظم أو فساده، أو وصف بمَزيّة وفضل فيه، إلّا وأنت تجد مرجع تلك الصّحة، وذلك الفساد، وتلك المَزيّة، وذلك الفضل إلى معاني النّحو وأحكامه"، وفيما يلي بيان لأهميّة عِلم النّحو في توضيح دلالة الجُملة:[17]




الجُمل التّوضيح
ما أصدق خالداً.
ما أصدق خالدٌ.
يُفهم من هذه الجُملة أنّ (ما) هُنا تعجُّبيّة؛ وذلك لنصب كلمة (خالداً).
يُفهم من هذه الجُملة أنّ (ما) نافية، وتنفي الصِّدق عن خالد؛ وذلك لِرفع كلمة (خالدٌ)

لا تنسَ ذِكر الله.
المسلم لا ينسى ذِكر الله.
يُفهم أنّ (لا) هي لا النّاهية هُنا؛ لحذف حرف العِلّة من الفعل (تنسى)، لتكون هي لا النّاهيّة الجازمة.
يُفهم أنّ (لا) هي لا النّافية هُنا؛ لأنّها أبقت على الفِعل كما هُو، ونفتْ نسيان المُسلم لذِكر ربّه.


المراجع