حاجة العباد للتوبة
التوبة من الأمور المهمة في الدين الإسلامي، وهي واجبة على كل مسلم إذا ارتكب معصية أو ذنباً، ولا فرق فيها بين الكبير أو الصغير، وبين الجاهل أو العالم، وبين الرجال أو النساء؛ فكلّ من وقع في المعصية يلجئ إلى الله -سبحانه وتعالى- ليجدّد إيمانه ويتوب من معصيته،
التوبة لها شروط لا بدّ من توافرها حتى تقبل من العبد، وبيان هذه الشروط فيما يأتي:
- الإخلاص لله تعالى: يجب أن تكون النيّة لله -تعالى- وحده حُباً فيه وطمعاً في نيل رضاه وثوابه، وعدم اتّخاذ مُعين، أو ناصر غير الله -سبحانه وتعالى-، ولا تكون الغاية من التوبة إلّا التقرب من الله -تعالى- وطاعته، وليس لغاية دنيويّة، قال -تعالى-: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
[3] [4] - الإقلاع عن الذنب: يترك العبد الذنب الذي ارتكبه ويبتعد عن كل أمر يُقرّبه منه، وذلك ليتخلّص العبد من الذنب كُلّياً.
[5] - الندم على ارتكاب الذنب: يستشعر العبد عظمة الله -تعالى- حال ارتكابه ذنباً معيّناً، كما هي الحال في كل وقت وحين؛ فيندم على ما تقدّم منه من تقصير واعتداءٍ على حقوق الله -سبحانه وتعالى-، راجياً من الله -تعالى- رحمته ومغفرته.
[6] - العزم الجازم على هُجران الذنب: يجب أن يرافق التوبة من الذنب؛ عدم العودة إليه في المستقبل، وإصلاح ما بدر من العبد من تقصير؛ بالإكثار من الطاعات، والمحافظة على ترك المعاصي والمنكرات حتّى الموت.
[7] - إرجاع الحقوق إلى أصحابها: يجب إعادة كل حقّ إلى صاحبه إذا كان الذنب متعلّقاً بحقّ من حقوق العباد؛ فالتوبة من ذنب فيه ظلم لآدمي لا تكون إلّا بإعادة الحقّ لصاحبه والتحلل منه، كما ثبت في الصحيح عن الرسول -عليه السلام- قوله: (مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه).
[8] 9 - إدراك الوقت المخصوص لقبول التوبة: يجب أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من المغرب؛ أي قبل قيام الساعة؛ فما دام العبد في حياته الدنيا؛ فالتوبة متاحة له في أي وقت، كما قال النبي -عليه السلام-: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا)،
[10] وكذلك يجب أن تكون التوبة قبل لحظة الموت، قال -تعالى-: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).[11] [12]
فضائل التوبة
الإيمان لا يكتمل إلّا بالرجوع إلى الله -تعالى- في كلّ وقت وحين، وهذا لا يكون إلّا بالتوبة، كما أنَّ الالتزام بالتوبة يُعتبر من حُسن إسلام المرء،
والزيادة في الإيمان عند المؤمن مرتبطة باللجوء إلى التوبة؛ لأنَّ التوبة هي السبب وراء فلاح المؤمن، كما قال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،
والتوبة هي إحدى الأمور المعينة التي تساعد الإنسان على الاستعداد لليوم الآخر وللقاء ربه؛ لأنَّ العبد ضعيف أمام نفسه وشهواته؛ يقع في الذنب تارةً ومن ثمَّ يندم على ذلك؛ فيتوب من ذنبه تارةً أخرى، فإن النفس البشريه مهما بلغت من الصلاح فإنّها لا تخلو من الزلّات والوقوع في المنكرات، ومن منهج السلف الصالح أنَّهم كانوا يُكثرون من التوبة في كل وقت وحين؛ فيصبحون تائبين ويمسون تائبين، وكان من شأنهم عدم الإصرار على ذنوبهم، وعادوا إلى الله -تعالى- واستغفروا، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
المراجع
- 1 - نبيل العوضي، <i> " دروس للشيخ نبيل العوضي " , ، صفحة 1، جزء 48 , نبيل العوضي، .
- 2 - خالد الحسينان (2009)، <i> " هكذا كان الصالحون " , ، الرياض: مركز الفجر للإعلام، صفحة 26، جزء 1 , خالد الحسينان (2009)، .
- 3 - سورة النساء، آية: 146. .
- 4 - محمد عويضة، <i> " فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب " , ، صفحة 223-224، جزء 4 , محمد عويضة، .
- 5 - عبدالمحسن العباد، <i> " شرح الأربعين النووية " , ، صفحة 5، جزء 35 , عبدالمحسن العباد، .
- 6 - أزهري محمود، <i> " التوبة التوبة قبل الحسرات " , ، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 14 , أزهري محمود، .
- 7 - صلاح السدلان (1416)، <i> " التوبة إلى الله " , (الطبعة الرابعة)، الرياض: دار بلنسية للنشر والتوزيع، ص , صلاح السدلان (1416)، .
- 8 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2449، صحيح. .
- 10 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2759، صحيح. .
- 11 - سورة النساء، آية: 18. .
- 12 - أحمد فريد، <i> " مجالس رمضان " , ، صفحة 3، جزء 6 , أحمد فريد، .
- 13 - مجموعة من المؤلفين، <i> " نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم " , (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفح , مجموعة من المؤلفين، .
- 14 - سورة نوح، آية: 10-12. .
- 15 - محمد الشنقيطي، <i> " دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي " , ، صفحة 9، جزء 21 , محمد الشنقيطي، .
- 16 - سورة الزمر، آية: 53. .
- 17 - عائض القرني، <i> " دروس الشيخ عائض القرني " , ، صفحة 19، جزء 117 , عائض القرني، .
- 18 - سورة النور، آية: 31. .
- 19 - خالد الحسينان (2009)، <i> " هكذا كان الصالحون " , ، الرياض: مركز الفجر للإعلام، صفحة 26، جزء 1 , خالد الحسينان (2009)، .
- 20 - مجدي الهلالي (2004)، <i> " حطم أصنامك وكن عند نفسك صغيراً " , ، مصر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع، صفحة 114 , مجدي الهلالي (2004)، .
- 21 - سورة آل عمران، آية: 135. .
- 22 - عائض القرني، <i> " دروس للشيخ عائض القرني " , ، صفحة 19، جزء 255 , عائض القرني، .