التعلّق بالله
المؤمن بحاجة ماسّة في كل وقت إلى تعليق قلبه بالله -تعالى-، فالتعلّق بالله أمر ملازم للإيمان والإسلام، وعبوديّة المؤمن لربّه لا تتحقّق من غير التعلّق به، فالتعلّق بالله -تعالى- يجعل المؤمن يلجأ إليه في كل شؤون حياته؛ فهو مُدرك أنَّ الله -تعالى- هو الخالق الرزّاق الحافظ، كما أنَّ المؤمن يُعلّق قلبه بالله -تعالى- حبّاً و تعظيماً له، بالإضافة إلى أنَّ المؤمن يُدرك مدى ضعفه ونقصه فيلجأ إلى الله -تعالى- القويّ العزيز الجبار؛ فهو من دون الله -تعالى- لا يستطيع جلب الخير لنفسه؛ فغذاؤه ودواؤه وكل احتياجاته لن تصل إليه من دون إرادة الله -تعالى- وتدبيره.
كيفيّة التعلّق بالله
التعلّق بالله -تعالى- يكون به وحده، من غير تعليق القلب بالأسباب؛ لأنَّ هذا هو فسادٌ للقلب و بعدٌ عن طاعة الله -تعالى- وتوفيقه؛ فالله -تعالى- هو الذي أعطى الأسباب تأثيرها، ومن الآثار والنتائج المترتّبة على التعلّق بالأسباب أن يحول الله بين المرء وقلبه، كما قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ)،
وفكرة التوحيد تكمن في التعلّق بالله -تعالى- وحده، واليقين أنَّ الأمور كلها بيده، وعدم الالتفات لغيره من الأسباب والمخلوقات؛ فحصول الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر، والأمن والخوف، والجوع والشبع، والصحة والمرض، والصيف والشتاء، والليل والنهار، كلّ ذلك لا يحصل إلّا بتدبير الله -تعالى- وأمره؛ فالتوحيد يجعل مردّ كلّ أمر إلى الله -تعالى- وحده، قال -تعالى-: (اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)،
والرجاء هو عبوديّة العبد لربه وتعلّقه به من حيث أسمائه وصفاته؛ فكلما زاد إدراك العبد ومعرفته لأسماء الله وصفاته، كلما زادت قوّة الرجاء وزاد تعلق العبد بالله -تعالى-؛ فالرجاء بالله -تعالى- من حيث أسمائه وصفاته يزيد من حبّ الله -تعالى- والرغبة في طاعته،
وتوحيد الألوهية يظهر في دعاء المؤمن لربه، فلا بد أن يكون الدعاء لله -تعالى- وحده، حتى لو كان ظاهر الأمر أنَّ الأمور تجري على يد غير الله -تعالى-؛ لأنَّ الله -تعالى- هو الذي يهيّئ الأسباب لذلك الأمر؛ فلو شاء لأَبطلها،
والابتعاد عن الوقوع في الذنوب والمعاصي من الأمور التي تساعد على التعلق بالله؛ لأنَّ الذنوب من الأسباب التي تبعد الإنسان عن الله -سبحانه وتعالى-، فالذنب يجلب لصاحبه كل شر، فيجب على من وقع في ذنبٍ أو معصيةٍ أن يُسارع إلى الإنابة والتوبة إلى الله -تعالى-، والإقبال عليه؛ فيستغفر من ذنبه ويُكثر من الطاعات والعبادات لله -تعالى-،
والتوكل على الله -تعالى- هو أحد الأمور المعينة على التعلّق به؛ فعندما يُدرك الإنسان أنَّ الله -تعالى- بيده الأمر كله؛ إن شاء يسَّر الأسباب وقضاها، وإن شاء منع تحققها واقتضائها، عند ذلك يُسلّم أمره إلى الله -تعالى- مع أخذه بالأسباب، ويعتمد عليه في الحصول على مبتغاه، وهذا هو تعريف التوكّل،
علامات التعلّق بالله وثماره
التعلق بالله -تعالى- يحتاج إلى بذل الجهد، ومجاهدة النفس البشرية على ترك الكثير من الأمور في سبيل الله -تعالى-، وهناك العديد من العلامات التي تدلّ على تعلّق العبد بربه، وفيما يأتي بيان لعلامات التعلّق بالله -تعالى- وثماره:
- الخضوع لله في جميع الأوقات: المؤمن المتعلّق بربه لا يصبح ولا يمسي إلّا وقلبه معلّق بالله -تعالى-؛ بحيث يكون مأكله ومشربه ومقعده وكلامه وجميع تحركاته لله -تعالى-، حتى يصل فيه الحال إلى نيل محبّة الله -تعالى- ورضاه،
[23] والفوز بالنعيم في الدنيا والآخرة.24 - الكفاية والهداية: المؤمن الذي تعلّق قلبه بالله -تعالى- يكفيه الله -تعالى- في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)،
[25] [23] كما أنَّ الله يُوفّقه إلى طريق الهداية، ويُيسّر له كل عسير، ويُقرّب له كل بعيد.[26] - السعادة بالقرب من الله: المؤمن المتعلّق بربه يستأنس بالقرب منه، ويستغني عن كل من هو دون الله -تعالى-؛ فلا يسعد إلّا بحب الله -تعالى- والعمل في سبيله، وهذا دليل على صحّة قلبه وسلامته،
[27] وبالتالي تزيد ثقة العبد بربه، وتزداد السعادة الروحانيّة في أداء العبادة.[28] - الاستعداد للرحيل: القلب المتعلّق بالله -تعالى- مربوط بالآخرة، فهو يعيش في هذه الدنيا حياة الغريب عنها؛ لأنَّ داره الحقيقية هي دار الآخرة، فإذا نَزَل بها شعر بأنَّها داره ووطنه، كما قال الرسول -عليه السلام-: (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ).
[29] [30] - الشعور بالأمن والسكينة: الإنسان الذي يزداد إيمانه بالله -تعالى- تكون حياته كلّها سكينة وراحة أكثر من غيره، سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة، قال -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ).
[31] [32] - الدخول في رحمة الله: المسلم الذي يعتصم بحبل الله -تعالى- يكرمه الله برحمته، ويزيده فوق ذلك من فضله وكرمه، قال -تعالى-: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
[33] [34] - الخروج من الكروب: المتعلّق بالله -تعالى- تحيطه ألطاف الله -تعالى- الخفيَّة من كل جانب في حياته، فالكرب عنده سبب للقرب من الله -تعالى- وعدم الابتعاد عنه؛ فلا ينشغل بالكرب عن طاعة الله -تعالى- وعبادته، إنّما يُسارع في تحقيق التقوى حتى يستطيع الخروج من الضيق الذي هو فيه، قال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا).
[35] [1]
المراجع
- 1 - إبراهيم الدميجي (8-2-2018)، " التعلق بالله تعالى.. الفضل والعلامات " , www.ar.islamway.net , إبراهيم الدميجي (8-2-2018)، .
- 2 - سورة الأنفال، آية: 24. .
- 3 - محمد يعقوب (2005)، <i> " أسرار المحبين في رمضان " , (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة التقوى ومكتبة شوق الآخ , محمد يعقوب (2005)، .
- 4 - محمد التويجري، <i> " موسوعة فقه القلوب " , ، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 1881، جزء 2 , محمد التويجري، .
- 5 - سورة الزمر، آية: 62 .
- 6 - محمد التويجري، <i> " موسوعة فقه القلوب " , ، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 1106، جزء 2 , محمد التويجري، .
- 7 - سورة التوبة، آية: 38. .
- 8 - مجدي الهلالي (2009)، <i> " عودة الروح ويقظة الإيمان " , (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السراج، صفحة 33، جزء 1 , مجدي الهلالي (2009)، .
- 10 - سورة الأعراف، آية: 180. .
- 12 - رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 824، حسن لغيره. .
- 13 - أمين الشقاوي (2013)، <i> " الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة " , (الطبعة الثامنة)، صفحة 372، جزء 2 , أمين الشقاوي (2013)، .
- 14 - عبدالرحمن السعدي (2002)، <i> " بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار " , (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، ص , عبدالرحمن السعدي (2002)، .
- 15 - خلدون نغوي، <i> " التوضيح الرشيد في شرح التوحيد " , ، صفحة 100 , خلدون نغوي، .
- 16 - سورة المزمل، آية: 8. .
- 17 - محمد الدبيسي (2010)، <i> " السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية " , ، القاهرة: كلية الآداب-جامعة عين شمس، صفحة 297 , محمد الدبيسي (2010)، .
- 18 - سعيد القحطاني، <i> " سلامة الصدر " , ، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 43 , سعيد القحطاني، .
- 19 - أحمد حطيبة، <i> " شرح رياض الصالحين " , ، صفحة 2، جزء 25 , أحمد حطيبة، .
- 20 - عبدالمحسن القاسم (1427)، <i> " خطوات إلى السعادة " , (الطبعة الرابعة)، صفحة 26 , عبدالمحسن القاسم (1427)، .
- 21 - محمد المنجد، <i> " دروس للشيخ محمد المنجد " , ، صفحة 10، جزء 15 , محمد المنجد، .
- 22 - محمد المنجد، <i> " دروس للشيخ محمد المنجد " , ، صفحة 22، جزء 62 , محمد المنجد، .
- 23 - خالد الحسينان (2009)، <i> " هكذا كان الصالحون " , ، الرياض: مركز الفجر للإعلام، صفحة 55 , خالد الحسينان (2009)، .
- 25 - سورة الطلاق، آية: 3. .
- 26 - خالد الحسينان (2009)، <i> " هكذا كان الصالحون " , ، الرياض: مركز الفجر للإعلام، صفحة 54 , خالد الحسينان (2009)، .
- 27 - أحمد فريد، <i> " دروس الشيخ أحمد فريد " , ، صفحة 4، جزء 35 , أحمد فريد، .
- 28 - موقع وزارة الأوقاف السعودية، <i> " الجريمة والعقاب في الإسلام " , ، صفحة 28 , موقع وزارة الأوقاف السعودي .
- 29 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 6416، صحيح. .
- 30 - أحمد فريد (1993)، <i> " تزكية النفوس " , ، الإسكندرية: دار العقيدة للتراث، صفحة 21 , أحمد فريد (1993)، .
- 31 - سورة الأنعام، آية: 82. .
- 32 - محمد الحمد، <i> " رسائل الشيخ الحمد في العقيدة " , ، صفحة 24، جزء 1 , محمد الحمد، .
- 33 - سورة النساء، آية: 175. .
- 34 - أنور بن أهل الله، <i> " الاعتصام بالله سبيل النجاة " , ، صفحة 31 , أنور بن أهل الله، .
- 35 - سورة الطلاق، آية: 2. .