قبل أن نتحدث عن شريعة حمورابي يجب أن نعلم أولًا من هو. حمورابي هو سادس ملوك بابل وأول ملوك الإمبراطورية البابلية من العموريين، حكم بابل بين عامي 1792 – 1750 ق. م وقد ورث الحكم من والده سين موباليت ( Sin-Muballit ) الملك الخامس.
عائلته وبداية حكمه
يعكس اسم حمورابي مزيجًا من الثقافات،حيث أن “حمو” كانت تعني “الأسرة” في اللغة العمّورية، و”رابي” كانت تعني “عظيم” في اللغة الأكّادية التي كانت لغة بابل. قد كان العموريون من البدو الذين هاجروا عبر بلاد ما بين النهرين من منطقة “عابر-ناري” الساحلية (سوريا حاليًا) في مرحلةٍ ما قبل الألفية الثالثة قبل الميلاد وبحلول عام 1984 قبل الميلاد كانوا يحكمون بابل.حكم والد حمورابيلقد أكمل سين موباليت الملك الخامس من الأسرة الحاكمة (حكم 1812-1793 قبل الميلاد) العديد من مشاريع الأشغال العامة لكنه لم يتمكن من توسيع المملكة أو التنافس مع مدينة “لارسا” التي كانت تقع في الجنوب.كانت “لارسا” المركز التجاري الأكثر ربحًا في الخليج الفارسي، وقد أثّرت أرباح هذه التجارة على المدينة وشجعت على التوسع حتى أصبحت معظم مدن الجنوب تحت سيطرة “لارسا”. قاد سين موباليت والد حمورابي قوة ضد ريم سين الأول ( Rim Sin I ) ملك “لارسا” لكنه هُزم، وفي تلك المرحلة يبدو أنه كان مضطرًا للتنازل عن العرش لصالح ابنه حمورابي. ولربما اعتقد حينها الملك ريم سين أن حمورابي لن يشكل مصدرًا للتهديد أو القلق على “لارسا”، لكنه لم يكن يدرك بأنه قد أخطأ التقدير.بداية حكم حمورابيبدأ حمورابي حكمه من خلال تثبيت وتبسيط إدارته، ومواصلة مشاريع بناء والده وتوسيع جدران المدينة. ثم وضع مجموعة قوانينه الشهيرة (حوالي 1772 ق.م.). كما اهتم بالعناية باحتياجات الناس وتحسين ري الحقول وصيانة البنى التحتية للمدن الخاضعة لسيطرته وبناء معابد فاخرة للآلهة. لكنه كان يقوم في الوقت نفسه بترتيب قواته والتخطيط لحملته لمنطقة بلاد ما بين النهرين الجنوبية.
شريعة حمورابي أو قوانين حمورابي هي مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية سجلها الملك حمورابي على مسلةٍ كبيرةٍ من حجر الديوريت الأسود ووضعها في معبد “مردوخ” الذي كان يمثل الإله القومي في بابل.وقد اشتملت شريعة حمورابي على مجموعةٍ من القوانين الاقتصادية (الأسعار والتعريفات والتجارة) وقانون الأسرة (الزواج والطلاق)، وكذلك القانون الجنائي (الاعتداء والسرقة) والقانون المدني (العبودية والديون). اكتشاف شريعة حمورابيتم التعرف على تلك القوانين عن طريق النُّصب المصنوع من حجر الديوريت الأسود الذي يبلغ طوله حوالي 7 أقدامٍ (2 متر و13 سم) والمتواجد حاليًا في متحف اللوفر في باريس، حيث وجد مستكشفو الآثار هذا النصب في موقع مدينة سوسة القديمة في إيران في بعثةٍ أشرف عليها جاك دي مورغان (Jacques de Morgan) في بداية القرن العشرين، ويعتقد العلماء أنه نُقل إلى سوسة في القرن 12 قبل الميلاد من قبل حاكم عيلام (Elam) وهي حضارة قديمة في منطقة الأحواز في إيران حاليًا) في تلك الفترة، والذي محى أحد جوانب الحجر بعد فترةٍ تحضيرًا لنقش قانونه الخاص. هل كانت أول شريعة في التاريخ؟لم تكن قوانين حمورابي أولى القوانين في التاريخ بل كانت من أهمها وأشهرها، حيث كان هنالك مجموعةٌ من القوانين السومرية مسبقًا تعود للملك “أور نامو” ملك مدينة أور الذي الحكم في الفترة (2047-2030 ق. م) والتي تعتبر أول شريعة قانونية في التاريخ، لكنها وُضِعَت لتحكم مجموعةٍ عرقيةٍ واحدةٍ، حيث ينتمي الجميع لعائلةٍ واحدةٍ.بينما في زمن حمورابي شملت مملكة بابل عددًا كبيرًا من المدن التي يعيش فيها أنواع مختلفة من المجموعات العرقية، مما اضطره لوضع قوانين بسيطةً ومباشرةً لتجنب نزاعات الدم التي يمكن أن تنشأ بسهولةٍ بين الناس من مختلف الثقافات.
أقسام شريعة حمورابي
تتألف شريعة حمورابي من ثلاثة أجزاءٍ أساسيةٍ، المقدمة والمتن والخاتمة.المقدمةيتحدث فيها حمورابي عن الأسباب التي دفعته إلى إصدار شريعته، وقد صيغت هذه المقدمة بأسلوبٍ شعريٍّ وبطابعٍ دينيٍّ، على أنه جاء لينشر العدل بوحي من الآلهة “آنو” و”بيل”، وأنه قد وضع القوانين لتحقيق الخير لشعب بلاده وليهلك الفاسد والشرير حتى لايطغى القوي على الضعيف بتكليف من الإله “مردوخ” عندما جعل منه ملكًا. القوانينبلغ عددها هذه القوانين 282 مادة ، والمواد من (67-100) تالفة وغير موجودةٍ في النصوص، وقد وجدت ( 16 مادة) مكملة وضعت الأحرف (أ-ع) تسلسلًا لها. وقد قسمت هذه المواد إلى مجموعاتٍ لسهولة التعرف عليها.المواد القانونية
طبيعة الأحكام في شريعة حمورابي
إن معظم الأحكام التي وضعها حمورابي اتسمت بالقسوة، فقد كانت عقوبة الموت مدرجة أكثر من 30 مرةٍ، حتى في حالات سرقة المعبد أو ممتلكات القصر أو في حالة مساعدة عبدٍ هاربٍ، علاوةً على ذلك فإن العقوبات المدرجة لم تكن موحدةً بل كانت تتغير مع تغيُّر الوضع الاجتماعي للمتّهَم (المذنب) والمتّهِم (صاحب الحق) كان الحُكم في الحقيقة العين بالعين فقط في حالة تساوي الطرفين اجتماعيًا.حيث يشير البروفيسور مارك فان دي ميروب (Marc van de Mieroop) إلى مثال على أحد القوانين التي تنص بأنه إذا تسبب رجلٌ من النخبة لرجلٍ آخر من عامة الشعب بالعمى أو بكسرٍ فإن عليه أن يدفع له عملةً واحدةً من الفضة كعقوبةٍ، ولكن إذا كان الوضع معاكسًا فإن الرجل من عامة الشعب سيعاقب عقوبةً شديدةً، يكتب “فان دي ميروب” مترجمًا أحد القوانين: “إذا وجه رجلٌ من النخبة صفعةً لرجلٍ آخر من النخبة ولكنه أعلى مستوى منه فإنه سيتعرض للجلد بالسوط 60 مرةً علنًا”.وقد أشار العلماء أثناء قراءتهم لشريعة حمورابي بأنها شريعةً غير كاملةٍ بالنسبة للقوانين التي تحتويها بالمعنى المعاصر لهذا المفهوم، على سبيل المثال وكما يُشير “فان دي ميروب” فإن الشريعة لا تشمل أي خلافٍ يمكن أن يظهر كما تحتوي على تناقضاتٍ، حيث ينص أحد القوانين على عقوبة القتل على من يقبل الحفاظ على أمانةٍ دون ملفٍ رسميٍّ لأن المُتلقي في هذه الحالة يُعتبر لصًا، في حين ينص قانونٌ آخر أنه إذا أودع رجلٌ أغراضًا دون شهودٍ أو ملفٍ رسميٍ وتم إنكار ذلك لاحقًا فإن هذه الدعوى لا أساس لها.