في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة

نجد أنفسنا جميعًا في تلك الليالي الصيفية المرصّعة بالنجوم محدّقين بالسماء، نتساءل، على امتداد كلّ هذه المساحة الشاسعة المقدّرة بمليارات السنوات الضوئية أيعقل أن نكون وحيدين؟ وإن لم نكن وحدنا في هذا الكون، فأين الجميع؟


وتتعاقب الأسئلة، فهل نشأت الحياة على كوكب الأرض بمحض الصدفة أم كنتيجة حتمية لقوانين الطبيعة؟ وهل من الممكن أن تظهر الحياة على كوكبٍ آخر؟ حسب العلم، إن كانت الحياة قد ظهرت في أماكن أُخرى في مجرتنا، فربما نكون اليوم أقرب مما كنا قبلًا أبدًا لاكتشافها. ويأمل العلماء في حال ثبُت أنّ الطريق من الكيمياء إلى البيولوجيا سهل الاجتياز، بأنّ الكون ذاخرٌ بالحياة.


لكن كي نعرف كيف وأين نبحث عن الحياة خارج الأرض لابدّ أن نفهم كيف بدأت الحياة عليها.


أصل الحياة على كوكب الأرض


ناقش العلماء العديد من الأفكار حول كيفية نشوء الحياة على كوكب الأرض، ولعل أكثر هذه الأفكار قبولًا هي السيناريو الذي يعتمد على علم الجيوكيمياء لسطح الكوكب. حيث يعتقد العلماء أنّ المجموعة الشمسية قد تشكلت بدايةً من سحابة هائلة من الغبار والغاز، والتي تكاثفت مُشكِّلةً النجم الأوليّ أو ما يعرف بالبروتوستار protostar محاطًا بالقرص الكوكبي الأوليّ (البدائي).


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة


ثم تشكلت الأرض عبر التصاق حبيبات الغبار الصغيرة المؤلفة من معادن السيليكات والجليد وتجمعها معًا لتشكيل جزيئات أكبر وأكبر. هذا الكوكب لم يكن باردًا جدًّا ولا حارًّا جدًّا، كما لم يكن جافًا جدًّا ولا رطبًا جدًّا، لذا وكنتيجة لهذه الظروف فقد ظهر الماء على كامل سطحه. ومن المرجح أنّ أول ظهورٍ لليابسة كان عبارةً عن براكين شكلت جزرًا قوسية في ذلك المحيط الشاسع. ويمكن القول أنّ البرك أو البحيرات التي وجدت في منطقة البراكين كانت البيئات التي انطلقت منها الشرارة الأولى للحياة.


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة


لكن بالطبع لم تكن الأرض في تلك الفترة كما نعرفها اليوم، فالغلاف الجويّ لم يكن يحتوي على الأوكسجين إطلاقًا، بل كان يتكون بشكل أساسيّ من النيتروجين وثاني أوكسيد الكربون، مع كميّة قليلة من الهيدروجين والماء والميتان. ثمّ قامت بعض العوامل كالبرق، والاصطدام الكويكبي، بالإضافة إلى تأثير الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس بفعل فعلها في الغلاف الجوي مُكوِّنة المركب المعروف بسيانيد الهيدروجين، وهو مركبٌ مكوّنٌ من الهيدروجين والكربون والنيتروجين.


ثمّ وكنتيجة لسقوط الأمطار على البحيرات الموجودة في فوهات البراكين، تمّ التفاعل بين هذا السيانيد وبين الحديد الذي خرج إلى السطح عن طريق الماء المنتشر عبر الصخور، وأسفر عن هذا التفاعل إنتاج مركب سيانيد الحديد، والذي تراكم عبر مرور السنوات ليشكِّل ما يشبه الحساء عالي التركيز من المواد الكيمائية النشطة.


والآن، كي تنشأ الحياة، لابدّ من تكوّن الـ RNA وهو الحمض النووي الريبي، لكن كيف؟


يعتقد العلماء أنّ هذا الحمض النووي قد تشكل أساسًا من هذه المواد الكيميائية النشطة الموجود بالحساء البدائي، وذلك بتحفيزٍ من القوى الديناميكية البيئية. عملية التشكل هذه قد تمّت بدايةً بتشكُّل النيوكليوتيدات وهي الوحدات الأساسية اللازمة لبناء الحمض النووي الريبي، ثم تجمّعت هذه النيوكليوتيدات مع بعضها البعض لتشكيل سلاسل الـ RNA. لكن لا تزال بعض المراحل في هذه العملية غير مفهومة تمامًا.


لننتقل الآن إلى المرحلة التالية لتشكل الـRNA، حيث ستقوم بعض الحويصلات الصغيرة المتكونة من التجمع التلقائي للأحماض الدهنية (الليبيدات) بتشكيل غشاء يحيط ببعض فروع الحمض النووي الريبي، مما يسفر عنه إنتاج أول خلية بدائية (أولية) Protocell. ولاحقًا يقوم هذا الغشاء الخلوي بدمج المزيد من الليبيدات، فيتطوّر وينقسم. وفي الوقت نفسه، تؤدي التفاعلات الكيميائية التي تجري داخل الخلية لاستنساخ الحمض النووي المُغلَّف.


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة
كيف نشأت الحياة على الأرض

هكذا نشأت الحياة على كوكب الأرض، أو على الأقل هكذا يعتقد العلم. إذن وفي حال تمّ هذا الانتقال من الكيمياء إلى البيولوجيا في تلك الظروف، أفلا يعقل أن يحدث ما يشبه هذه العملية على كوكب آخر؟


الظروف الملائمة للحياة


منذ لحظة ولادة الكون قبل حوالي 13.7 مليار سنة مضت، وصل إلينا الضوء من بعض الأجسام كالنجوم والمجرات والتي كانت على بعد مسافة معينة من الأرض، في حين أنّ الضوء الصادر من الأجسام البعيدة لم يتح له الوقت للوصول إلينا بعد. ماذا يعني هذا الكلام؟ هذا يعني أن الكون الذي نرصده اليوم هو الكون المنظور أو المُشاهَد فقط وليس الكون بكليّته. وهذا الكون المنظور يحوي على أكثر من 100 مليار مجرة، تختلف بالأشكال والأحجام.


ولا يمكن تحديد عدد النجوم التي تضمها المجرات بالضبط لأنّ هذا يعتمد على حساسية التلسكوبات الموجودة حاليًا. لكن يمكن القول أنّ المجرّة النموذجية تحوي حوالي 100 مليار نجم، بالتالي فإنّ عدد النجوم الموجودة بالكون المنظور يقدّر بحوالي (2×1023 ) نجم. أما مجرّة درب التبانة، موطننا، تحوي ذاتها حوالي 300 مليار نجم.


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة


إنّ مجرّد تخيل الأرقام السابقة قد يصيبنا بالدوار، فأين نبحث عن الحياة في هذا الكون الشاسع؟ بالنسبة للعلماء، فإنّ الكوكب الذي يُحتمل أن يكون صالحًا لنشوء الحياة ينبغي أن يستوفي بعض المعايير وهي:


  • توّفر الماء السائل على الكوكب هو من أهم العوامل التي تجعله صالحًا للحياة. لأنّ الماء جزيء قطبيّ فعّال جدًّا بالتالي فهو مذيب ممتاز ويلعب دورًا وسيطًا وميّسرًا للتفاعلات الكيميائية المعقدّة المكوّنة للحياة. وجود الماء على كوكبٍ ما يقتضي ضمنًا أنّ هذا الكوكب ذو كتلة كبيرة تضمن وجود غلاف جوّي كبير، ومعدل دوران معقول لتجنب فرط السخونة وارتفاع درجات الحرارة. كما يشير إلى أنّ الكوكب يقع على مسافة مناسبةٍ من نجمه، فليس بعيدً جدًا فيكون شديد البرودة، ولا قريب جدًّا فيكون تحت تأثير الحرارة والإشعاع الشديدين، هذه المسافة المناسبة تسمى “النطاق الصالح للحياة”.

  • ويعتبر وجود الأوكسجين الحر في الغلاف الجوي لكوكبٍ ما دليلًا قويًّا على وجود الحياة، وذلك لأنّ الأوكسجين عنصر شديد التفاعل، بالتالي سيختفي سريعًا بالاندماج مع العناصر الأخرى. لذا فإنّ وجوده دليل على إعادة التزويد به كمنتج ثانوي لعملية التمثيل الضوئي التي تبني الغذاء الأساسي للحياة (السكريات) انطلاقًا من الماء  وغاز ثاني أوكسيد الكربون.

  • بالإضافة إلى الشروط التي يجب أن تتوفر بالكوكب فإنّ النجم المركزي الذي يدور الكوكب حوله يجب أن يتمتع بكتلة مناسبة. وذلك نظرًا لأن تطوّر الحياة إلى مستوى عالٍ من الذكاء يحتاج مليارات السنين، لذا فإنّ النجم الذي يتمتع بكتلة كبيرة سينتِج كمية كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية المميتة، كما أنّ فترة حياته ستكون قصيرة، بالتالي لن يدعم تطور الحياة على الكوكب. وبالمقابل فإنّ الكتلة الصغيرة جدًّا للنجم ستحدّه من إنتاج الإشعاع الكافي للحفاظ على الحياة.

في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة
قابلية الحياة على كوكبٍ ما

فقابلية الحياة على كوكبٍ ما، أو قدرة الكوكب على إيواء الحياة لفترة زمنية طويلة، تنجم عن شبكة معقدة من التفاعلات في الكوكب ذاته، ومع النظام الذي يحتويه، ومع النجم الذي يدور حوله. لذا فإنّ تعريف متطلبات الحياة على كوكبٍ ما حسب ما يعرفه العلماء -كوجود الماء السائل على سطحه ووجوده ضمن النطاق الصالح للحياة كما ذكرنا أعلاه- يقتصر على فهمنا للحياة الحالية والسابقة على كوكب الأرض، وفهمنا للبيئات الموجودة على الكواكب الأخرى.


لكنّ العلماء يتعلمون أكثر وأكثر ويكتشفون بيئات جديدة يمكن للحياة أن تحافظ على نفسها فيها. ومن هنا فقد تتم إعادة تعريف متطلبات الحياة على كواكب أُخرى. لذا ومن أجل فهمٍ أكبر للبيئات الكوكبية التي يمكن أن تدعم نشوء الحياة وتخلق إشارات بيولوجية قابلة للاكتشاف، فنحن بحاجةٍ إلى نماذج كاملة ومفصّلة للظروف الكوكبية المتنوعة. وعلى وجه الخصوص، يتطلب فهم العمليات التي قد تدعم أو تؤدي لخسارة قابلية الحياة على كوكبٍ ما استخدام نماذج متعددة وشاملة يمكنها فحص هذه العمليات بالتفصيل، لاسيما عندما تتقاطع مع بعضها البعض.


الإشارات التي نبحث عنها حول وجود حياةٍ خارج كوكب الأرض


لا يبحث العلماء اليوم عن أدلة تثبت وجود حياة ميكروبية فضائية فقط، بل يستكشفون طرقًا حديثة للبحث عن حياة متقدمة بما يكفي لإنتاج التكنولوجيا. وهذا بالطبع نتيجة اكتشاف آلاف الكواكب التي تدور حول نجومٍ أُخرى والتي تسمى الكواكب الخارجية “exoplanets”، بواسطة المسبار الفضائي كيبلر والقمر الصناعي TESS وهما بعثات فضائية تابعة للإدارة الوطنية الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا). ومِن هذه الكواكب مَن يشارك الأرض بكثير من أوجه التشابه الرئيسية.


ومن جهةٍ أخرى ونتيجة عقودٍ من الأبحاث حول إشارات الحياة أو ما يدعى بالإشارات البيولوجية “biosignatures”، يحاول العلماء التقاط الإشارات التكنولوجية “technosignatures” وهي إشارات أو علامات ستسمح في حال تمّت ملاحظتها باستنتاجٍ مفاده وجود الحياة التكنولوجية في مكان ما في هذا الكون.


وعلى الرغم من أنّ أشهر هذه الإشارات هي الإشارات الراديوية، إلّا أنّ هناك العديد من الإشارات الأُخرى التي لم تكتشف بشكل كامل بعد. لكن يمكن القول أنّ التقنيات الحديثة كانبعاثات الليزر أو الراديو، أو العلامات التي تشير لهياكل ضخمة، أو الأغلفة الجوية للكواكب والمليئة بالتلوّث، من الممكن أن تعني وجود الذكاء الخارجي.


البعثات الفضائية التي تبحث عن الحياة


إنّ البعثات الفضائية التي أطلقتها ناسا سواء القديمة منها كالمسبار كيبلر وبعثته الجديدة K2، أو الحديثة منها كالتلسكوب الفضائي James Webb والذي سيطلق قريبًا، يمكنها أن تقدّم أدلة كافية عن عوالم محتملة قابلة لنشوء الحياة فيها. ويأمل العلماء أن تعثر بعثة كيبلر K2 أثناء دراسة النجوم الأقرب والأكثر إشراقًا على كوكبٍ بحجم الأرض واقعٍ في النطاق الصالح للحياة من نجمه، بحيث يكون قريبًا منا بما يكفي لتستطيع الأجهزة الأُخرى الكشف عن محيطات أو سماء زرقاء أو قارات فيه.


أما تلسكوب جيمس ويب الفضائي فهو مصممٌ جزئيًا للتقصّي عن العمالقة الغازية والكواكب العملاقة الشبيهة بالأرض، وقد يعثر على نسخةٍ كبيرة الحجم من كوكبنا.


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة
البعثات الفضائية للبحث عن حياة خارج الأرض

وهناك أيضًا التلسكوب واسع النطاق للمسح بالأشعة تحت الحمراء WFIRST للدراسات الاستقصائية، والذي من المتوقع أن يتم إطلاقه في منتصف هذا العام 2020، والذي سيركز على الضوء المنعكس من الكواكب البعيدة للاستدلال والكشف عن علامات تدّل على وجود الأوكسجين أو بخار الماء أو بعض المؤشرات القوية الأخرى للحياة المحتملة.


لكن بالطبع إن لم يكن الحظ حليفنا، فإنّ عملية البحث عن إشارات الحياة قد تستغرق عقودًا من الزمن، إذ أن إيجاد كوكبٍ أزرق آخر يدور حول نجمٍ ما في هذا الكون الشاسع قد يحتاج تلسكوبات تصويرٍ أكبر بكثير من التي نستخدمها اليوم. وهذا بالفعل ما يتم العمل عليه، فهناك تصاميم قيد العمل حاليًا للجيل القادم من مكتشفي الكواكب، وربما قد ترسل للفضاء بعد عشرة أو عشرين عامًا.


كيف نعرف أننا وجدنا حياةً ما


في حال وجدنا حياة على كوكب خارجي، فكيف نعرف أننا وجدناها؟


قد تستغرب إن قلنا بأنّ هذا الأمر له علاقة بأقواس قزح! فالضوء الأبيض حين يمرّ عبر الموشور يخرج متحللًا إلى ألوانٍ مختلفة تتدرج من البنفسجي إلى الأحمر، بحيث يمتلك كل لون منها طولًا موجيًا مختلفًا وهذا ما يدعى بالطيف.


لكن ما علاقة هذا بوجود الحياة على كوكبٍ ما؟


إنّ كلّ مكوّن من الغازات والمواد الكيميائية الموجودة في الغلاف الجويّ لكوكب ما يستطيع امتصاص ضوء ذي طولٍ موجيٍّ محدد (لون)، فيترك مكان الضوء الممتص فجوةً سوداء ضيقة. وعندما نقوم بتحليل الضوء الذي مرّ عبر الغلاف الجوي المذكور -وهي تقنية تعرف بالتحليل الطيفي- ستظهر النتيجة كرمز شريطي، بحيث تدّل الشرائح المفقودة من الطيف الضوئي على ماهية المكونات الموجودة في ذلك الغلاف الجوي.


فقد يشير أحد أنماط الفجوات السوداء إلى وجود الميثان، وقد يشير آخر إلى وجود الأوكسجين، وفي حال رؤيتهما معًا فهنا تنشأ حجة قوية لوجود الحياة. أو قد يشير الرمز الشريطي لوجود نواتج حرق الهيدركربونات أو بعبارةٍ أخرى وجود الضباب الدخاني. لنقل بأننا قد لا نكون قادرين على الاستماع لمحادثات الفضائيين، لكننا سنستدل على حضارتهم التكنولوجية المتقدمة إلى حدٍ معقول عن طريق ملاحظة التلوث الذي يخلفونه.


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة
تستخدام التحليل الطيفي

لكن ماذا لو كانت الحياة التي نشأت خارجًا قد اعتمدت على مجموعات من الجزيئات مختلفةً عن تلك التي اعتمدت عليها الحياة على كوكب الأرض؟ بالتالي فقد نحصل على إشارة قوية للحياة لكننا لا ندركها!


يحاول العلماء حلّ هذه المشكلة عن طريق وضع قائمة بالتراكيب الكيميائية المحتملة والتي من الممكن أن تشير إلى وجود حياة فضائية لكنها غير مرئية على كوكبنا، بحيث تستند هذه التراكيب إلى المكونات الرئيسية الستة المرتبطة بالحياة على الأرض وهي الكربون، والنتروجين، والأوكسجين، والفوسفور، والكبريت، والهيدروجين.


وعلى الرغم من ذلك فإنّ تحديد التركيبات التي تتوافق مع الوصفات المفيدة بيولوجيًا، وتلك التي لا تتوافق، لا تزال تسبب إشكالًا.


أين الجميع!؟


والآن، لنعد إلى سؤال البداية، على امتداد مليارات السنوات الضوئية من المسافة، أيعقل أن نكون الحياة الوحيدة؟


حاول العلماء منذ عدة سنوات الإجابة عن هذه الأسئلة، حيث وضع عالم الفيزياء فرانك دريك عام 1961 معادلة رياضية كمحاولة لتقدير احتمالات وجود حياة ذكية ضمن مجرة درب التبانة. والمعادلة هي حاصل جداء سبعة عوامل على الشكل التالي


N = R*fp ne fl fi fc L


N: عدد الحضارات الذكية التي من المتوقع وجودها.


*R: عدد التشكيلات النجمية التي يمكن أن تسمح بنشوء الحياة على أحد الكواكب القريبة منها.


ƒp: نسبة النجوم التي لديها بالفعل أنظمة كوكبية.


ne: عدد الكواكب التي يمكن أن تدعم بيئتها نشوء الحياة عليها.


ƒl: نسبة الكواكب التي يمكنها أن تدعم فعليًا نشوء الحياة.


ƒi: نسبة الكواكب التي تدعم الحياة وتحوي حياة ذكية.


ƒc: نسبة الحضارات الذكية التي نجت لفترة زمنية كافية لتطوير تكنولوجيا اتصالات وإرسال إشارات في الفضاء تثبت وجودها.


L: المسافة الزمنية منذ أن أرسلت تلك الحضارات إشاراتها عبر الفضاء.


أما بالنسبة للجواب فقد حصل العلماء بعد محاولات حثيثة على العدد (١٠). أي أن هناك ١٠ حضارات ذكية في مجرتنا وحدها.


لكن، لتفنيد هذه الاحتمالات فقد بدأ العلماء باستخدام مقياس كارداشيف، والذي يقسم الحياة الذكية الفضائية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول هو الحضارة التي تستطيع استخدام جميع موارد الطاقة الموجودة في كوكبها، والقسم الثاني هو الحضارة التي تستطيع التحكم في طاقة نجمها وتوجيهها. أما القسم الثالث فهو الحضارة التي تستطيع الوصول إلى طاقة مكافئة لتلك الموجودة في مجرتها.


لنقل بأنه حتى قبل معادلة دريك ومقياس كارداشيف، العديد من العلماء كانوا مقتنعين بوجوب وجود عدد من الحضارات الذكية ضمن المجرة. ثم في عام 1950 وفي أحد النقاشات التي كانت تدور باستمرار بين العلماء، طرح العالم إنريكو فيرمي سؤاله: أين الجميع؟ وربما كان القصد من السؤال هو مهاجمة فكرة السفر بين النجوم، وعدم ثقة فيرمي بها.


لكن يبقى السؤال التالي: إن كانت هناك حضارات منتشرة عبر النجوم، فلماذا لم نسمع عنها شيئًا؟


في رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض .. حياةٌ تبحث عن حياة


هذا السؤال بالذات هو مفارقة فيرمي المشهورة. انطلاقًا من هذا السؤال، وبعد طرح معادلة دريك ومقياس كارداشيف ولدت المفارقة الحقيقية. والطبع فإن الجواب على سؤال فيرمي كان الصمت، ثم حاول العلماء وضع أجوبة متنوعة، حيث افترض البعض أن الفضائيين إن كانوا موجودين فهم إما وراءنا أو أمامنا. إن كانوا وراءنا فهذا يعني أن هناك شيء ما حصل في عملية خلق الحياة ذاتها أو عند الانتقال من وحيدات الخلية ذوات النواة البدائية إلى متعددات الخلايا حقيقيات النوى. وفي كلتا الحالتين، فإن الاتصال بيننا لن يحصل، لأننا من الناجين القلائل إن وجدوا.


أما في حال كانوا أمامنا، فهناك عدة احتمالات لعدم اتصالهم بنا وهي:


  • إما أن حضاراتهم قد زالت وماتت.

  • أو ربما يكون الكون مسكونًا بالفعل ويتواصل فيما بينه، لكننا عالقون في منطقة منعزلة غير قادرين على التصرف.

  • أو في حال كان الفضائيون من القسم الثالث حسب مقياس كارداشيف؛ فإنّهم ببساطة قد لا يكونون مهتمين بالتواصل معنا.

  • ويذهب بعض العلماء للاعتقاد بأنّ قلة التواصل قد تكون بسبب خوف الفضائيين من بعض الكائنات المفترسة، بالتالي فإنهم يمتنعون عن التواصل خوفًا من كشف موقعهم.

ومع ذلك فهناك إجماع عام بأنه في حال كان “الآخرون” يرسلون إشاراتهم إلينا، فمن المحتمل أننا نستمع بشكلٍ خاطئ، وذلك لعدم امتلاكنا بعد التكنولوجيا المناسبة لفهم الإشارات والشيفرات التي ترسل في الفضاء.