كابوس الحكومات والبنوك (1) … ما هو بيتكوين؟ وكيف ولماذا ظهر من الأساس؟

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
كابوس الحكومات والبنوك (1) … ما هو بيتكوين؟ وكيف ولماذا ظهر من الأساس؟

لو كنت تظن أنّ بتكوين هو بداية ظهور العملات التخيّلية، فأنت في الحقيقة مخطئ في أمرين، أولهما: بتكوين ليس مجرد “عملة”، ثانيهما: بتكوين في الواقع حقيقي وصادق أكثر من رصيدك البنكي الذي تراه على شاشة ATM!


حسنًا … دعونا لا نقفز للاستنتاجات مبكرًا، ولنعرف أولًا كيف ومتى ولماذا نشأ بتكوين، ولماذا ظهر مصطلح العملة المشفّرة Crypto-currency من الأساس.


لماذا يجب أن نعرف كيف ظهر بيتكوين؟


يهمل الكثيرون معرفة الأسباب والظروف التي أدّت إلى ظهور بيتكوين، وفي هذا خطأ عظيم! فمعرفتك بالدوافع التي أدّت لظهور ونجاح شيء ما سيجعلك على دراية بمدى مصداقيّة هذا النجاح، ومدى أحقيّة هذا النظام بالقيمة التي يمنحها لنفسه، ويعطيك أيضًا رؤيةً تقريبيةً مستقبليةً لجدوى استثمارك فيه.


الخوض في عالم بتكوين دون معرفة الدافع وراءه هو أشبه بالإبحار بقارب في عرض بحر لا تعرف عنه أي شيء سوى أنّ الآخرين أخبروك بأنّه مليء بالأسماك سهلة الصيد، فتترك طريقتك المعتادة وتعرّض نفسك لمخاطر خسارة وقتك وقاربك، وربما تعرّض حياتك نفسها للخطر في رحلة كهذه!


حسنًا … لا نقصد المعنى الحرفي لحياتك هنا، ولكن لنقل أنّ القصد من التشبيه هو “الجزء المالي” من حياتك.


كيف ولماذا ظهر بتكوين؟


يمكن تلخيص الأمر في أنّ ظهور بتكوين اعتمد بشكل رئيسي على الجانب السلبيّ في إدارة البنوك لأموالنا، بالإضافة لقدرته على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تحقيق أقل عبء مادي وزمني ممكن لمن يستخدمه.


لتعرف كيف ولماذا ظهر بتكوين عليك أن تعرف أمرين هامين سأقوم بشرحهما بأبسط شكل ممكن:


  • معلومة صغيرة عن آلية عمل البنوك

  • تاريخ موجز للنقود وتغطية الذهب

إذا كنت تظن أنّ ما سوف أسرده الآن قصة مملة، فاستعد لأحداث مثيرة أكثر من أي فيلم رأيته مسبقًا؛ وهذا في الواقع لأنّك بشكل أو بآخر أحد أبطال هذه القصة!


نظرة على البنوك وأموالها “الحقيقيّة” !!


أسمع أحدهم يقول: هذا مجنون آخر! ماذا ستقول عن البنوك؟ لا حياة ولا اقتصاد دون بنوك يا هذا، هل تريد منّا تخزين أموالنا في جيوبنا؟


بالطبع لا!


ولكن ما سأسرده هنا هو مجرد حقائق تقودنا في النهاية للنقطة الأساسيّة: كيف ولماذا ظهر بتكوين … فقط!


تخيل عزيزي القارئ أنّك تمتلك مليون دولار قمت كأي شخص طبيعي بإيداعهم في البنك للحفاظ عليهم، ثم جاء شخص آخر يُدعى “أحمد” على سبيل المثال يطلب قرضًا من البنك بقيمة 250 ألف دولار لعمل مشروع خاص به، ما سيفعله البنك في الواقع هو أنّه سيقرض”أحمد” من أموالك أنت 250 ألف دولار ليصبح رصيدك الحقيقي المتبقي في البنك هو 750 ألف دولار فقط، بينما رصيدك على شاشة ATM هو مليون دولار كاملة! على أن يأخذ البنك من “أحمد” الضمانات الكافية التي يستطيع بها أن يثق في قدرته على رد الـ 250 ألف دولار التي اقترضها، بالإضافة لفائدة محددة مسبقًا.


ما الذي حدث ها هنا؟ الذي حدث هو أنّ البنك “يثق” جيدًا في أنّك لن تأتي وتسحب كل أموالك فجأة، وأيضًا “يثق” جيدًا في قدرة “أحمد” على سداد القرض، وأنت “تثق” جيدًا أنّ البنك لن يسرقك، وبالتالي تم خلق 250 ألف دولار كاملة لا يمتلكها البنك أصلًا، ولكنه يدّعي أنّك لازلت تمتلكها وأنّه قادرٌ على أن يعطيها لك في أي وقت، 250 ألف دولار تخيّلية قائمة فقط على الثقة!


انظر للأمر على المدى الأوسع عزيزي القارئ، مودعون بالملايين، قروض بالمليارات، ماذا تتوقع؟ مليارات الأموال التخيلية والتي تدّعي البنوك أنّها ملكك في أي لحظة، وهي في الحقيقة لا تملكها ولكنها تعتمد على “ثقتك” فيها، وكذلك “ثقتها” في أنّه لن يأتي اليوم الذي يطلب فيه كل المودعين أموالهم دفعةً واحدةً!


كابوس الحكومات والبنوك (1) … ما هو بيتكوين؟ وكيف ولماذا ظهر من الأساس؟


لماذا تفعل البنوك هذا؟ للحصول على الفائدة بالطبع! مكاسب بالمليارات تعود للبنوك من جراء الفائدة التي يتم دفعها فوق القرض الذي يتم سداده، ففي النهاية البنك ليس مؤسسة خيرية!


المال و الذهب


لنترك الحاضر قليلًا ونرجع بالزمن للخلف، ظهور النقود – كما يعلم معظمكم – جاء في البداية على شكل اتفاق بين مجموعة من البشر على أنّ هناك “سلعة ما” نادرة الوجود لها قيمة ما بسبب ندرتها، وبالتالي يمكن استبدالها بمنتجات أخرى تناظر هذه القيمة، ثم استقر اقتصاد العالم في فترة ما من الزمن على أن يكون الذهب هو هذه السلعة، ولكن بالطبع فكرة أن يسير كل شخص في الطريق يحمل قدرًا من الذهب كانت غير عملية، واحتفاظ الأغنياء بالذهب في بيوتهم حمل معه خطر كبير عليهم من اللصوص والمجرمين! كما أنّ عملية نقل الذهب من مكان لآخر حملت خطرًا أكبر!


باختصار استقر العالم على تغيير طريقة التعامل في البيع والشراء، فبدلًا من التعامل بالذهب مباشرةً تقرر استخدام أوراق “متّفق عليها”، هذه الأوراق هي في الواقع إيصالات أمانة يمكن استبدالها في أي وقت بقيمة مناظرة من الذهب، على أن يُحفظ الذهب “الذي يمتلكه المواطن” في “مكان آمن” أصبح مع الوقت يُسمّى “بنك”!


ظهر مصطلح “التغطية”، والذي يعني أنّ كل ورقة نقدية لها مقابل من الذهب، امتلاكك لدولار قبل عام 1971 كان يعني امتلاكك لجزء من الذهب الموجود في الخزينة الأمريكية! هذا “حقك” ولكنك فقط تتركه في “مكان آمن“؟


تقرر أن يحدد “البنك المركزي” قيمة الدولار طبقًا لما يراه في مصلحة الاقتصاد العام، ويصبح مسؤولًا عن طباعة أوراق الدولار بالكميّات التي يراها مناسبة، وبذلك أصبح الدولار خاضعًا بشكل كامل للبنك المركزي.


مع نهاية الحرب العالمية الثانية ودمار معظم دول العالم الأول اقتصاديًا امتلكت أمريكا وحدها أكثر من نصف مخزون ذهب العالم الرسميّ، وبهذا أصبحت أكثر الدول ثراءً وأكبرها مساهمةً في الاقتصاد العالمي، ولكن مع تعافي اليابان وألمانيا من آثار الحرب العالمية الثانية وتحقيقهما للنمو الاقتصادي، زادت مساهمة كلّ منهما في الاقتصاد العالمي بشكل كبير ومؤثر. هذه الزيادة قابلها نقصان واضح في مساهمة أمريكا لتصبح 27% فقط بعد أن كانت 35%! تزامن هذا مع سقوط أمريكا في وحل حرب فيتنام الأمر الذي خرج معه الرئيس الأمريكي “نيكسون” ليغير العالم بعدّة قرارات سمّيت بـ”صدمة نيكسون”، أحد هذه القرارات كان: إلغاء إمكانيّة تحويل الدولار إلى ذهب حتى للحكومات الأجنبية!


شاهد إعلان أو “صدمة” الرئيس الراحل نيكسون:


صدمة نيكسون؟ ما المشكلة، نحن نثق في أمريكا ونثق في الدولار! ففي النهاية يمكنك شراء أي شيء به، من الذي سيقوم بتحويله لذهب على أيّة حال؟


المشكلة عزيزي القارئ هي أنّ قيمة الدولار الشرائية انخفضت بعشرات الأضعاف مما كانت عليه سابقًا، ما كان يمكنك شراؤه قديمًا بخمسمائة دولار ستشتريه الآن بما لا يقل عن 20 ألف دولار! بينما كان يمكنك أن تشتري نفس الشيء قديمًا وحديثًا بنفس المقدار من الذهب تقريبًا، أو باختلاف طفيف!


الأمر يُشبه إعطائِك مالًا لشخص ما ليعطيك إيصالًا به، ثم تأتي بعد سنوات لاسترداد أموالك ليخبرك الشخص أنّك لن تسترد سوى 10% منها فقط! لأنّ هذه هي قيمة الإيصال الذي تمتلكه الآن!!


البنوك تحكم!


من النقاط السابقة تستطيع أن تعرف كيف أصبحت البنوك تسيطر على الأموال، بما في ذلك البنك المركزي الذي يسيطر على قيمة العملة ذاتها، ويقرر الكميّة اللازم طباعتها، وكيف أنّ الاقتصاد العالمي أصبح الآن قائمًا فقط على الثقة، والتي إن انهارت انهار معها بنوك ودول ومستقبل أفراد! بل لا يُشترط انهيار الثقة، يكفي فقط عدم قدرة البنك على سداد ديونه في موعدها للحصول على نفس النتائج!


(الفنان الراحل عبد السلام النابلسي تعرّض في نهاية حياته لضربة ماديّة قاصمة أدّت لإفلاسه، بل وصل الأمر لدرجة عدم قدرة زوجته على تدبير مصاريف جنازته بعد موته، كل هذا حدث بسبب إفلاس بنك “إنترا” الذي كان قد أودع فيه أمواله مسبقًا.)


دعنا لا ننس بالطبع ذكر الرسوم الباهظة، والتي تفرضها البنوك وشركات تحويل الأموال مثل: Western Union عند الرغبة في إرسال بعض الأموال لشخص آخر! بالإضافة للإجراءات الروتينية والتعطيل الذي يحدث من وقت لآخر، والذي قد يستغرق أيامًا طويلة لإتمام عملية التحويل!


يمكنك مطالعة المزيد عن آلية عمل البنوك من خلال هذا المقال.


ظهور فكرة نظام العملات المشفّرة


في عام 1998 تحدّث Wei Dai عن فكرة نظام لعملة مشفّرة لا وجود فيزيائي لها، ولكنها تتواجد بالكامل عبر الإنترنت، حيث تصبح الحكومة المتحكّمة في العملة هي نفسها الأفراد الذين يمتلكونها، وحيث لا سلطة مركزيّة.


يمكنك الاطلاع على هذه التدوينة كاملة من هنا.


هذه التدوينة كانت النواة التي انطلق منها نظام اقتصادي كامل في عام 2009، نظام بدأ صغيرًا ثم تعملق الآن وأصبح له وزن رهيب.


نظام يمكنك فيه تحويل العملة لشخص آخر دون أن يكون هناك وسيط كالبنك!


نظام لا يستطيع فيه شخص أو حكومة إيقاف أو تعطيل عملية التحويل لأي سبب!


نظام يتم فيه إرسال الأموال لحظيًا في جزء من الثانية دون تأخير يصل لأيام!


نظام لا يتحكّم فيه البنك المركزي، ولا أي سلطة مركزيّة أو حكوميّة أخرى في العملة!


نظام تظل فيه قيمة تحويل الأموال ضئيلة أو منعدمة في مقابل أرقام قد تكون فلكيّةً أحيانًا عند التحويل عبر الأنظمة الرسميّة!


نظام ظن أغلب الناس – بما في ذلك بعض مستخدميه – أنّه نظام تخيّلي فقط، ولكنه جعل من آمنوا به “أغنياءً حقيقيين”.


نتحدث عن نظام بتكوين!


صدر هذا النظام في عام 2009 على يد “ساتوشي ناكاموتو Satoshi Nakamoto”، فمن هو؟ هل هو شخص؟ مجموعة؟ كائن فضائي؟ لا أحد يعرف ولا أحد يهتم، ففي النهاية هو ليس مركزًا للنظام ولا مسيطرًا عليه، فطالما كنت تعرف قوانين “الكم” على سبيل المثال، فلن تهتم كثيرًا بمعرفة من اكتشفها، فالقوانين تعمل به أو بدونه!


في عام 2009 تم إرسال هذه الدباجة لعدد من التقنيين، كانت تتحدث عن نظام إلكتروني جديد للعملات يُدعى بتكوين، وتحمل اسم “ساتوشي ناكاموتو”!


كابوس الحكومات والبنوك (1) … ما هو بيتكوين؟ وكيف ولماذا ظهر من الأساس؟
دباجة تتحدث عن نظام إلكتروني جديد للعملات يُدعى بتكوين

يُمكنك الاطلاع على الدباجة كاملة من هنا.


ما هو بتكوين؟


يمكن تعريف بتكوين على أنّه أوّل نظام متكامل لعملة رقميّة مشفّرة Crypto-currency يتواجد بأكمله على الإنترنت، ولا يوجد عليه أي تحكّم مركزي كما هو الحال مع النقود التقليدية.


وبينما تسمح الحكومات بإصدار المزيد من النقود بطباعتها، يسمح نظام بتكوين بإصدار عملات جديدة بطريقة مختلفة ألا وهي “التعدين”، فكما يخرج الذهب من باطن الأرض، يخرج بتكوين من باطن الإنترنت، وذلك عن طريق حل مسائل رياضية تحتاج الكثير من القوة الحوسبيّة والطاقة، بل وتزداد تعقيدًا مع الوقت.


كابوس الحكومات والبنوك (1) … ما هو بيتكوين؟ وكيف ولماذا ظهر من الأساس؟

عندما يتم حل المسألة الرياضية يُكافأ الكمبيوتر أو الجهاز الذي قام بحلّها بقيمة مناظرة من بتكوين. هذه القيمة يمكن استخدامها لاحقًا في عمليات الشراء والبيع المختلفة، أو حتى تحويلها لنقود عادية وهو الأمر غير المتاح في بعض الدول.

لا يشترك بتكوين مع الذهب فقط في إمكانيّة تعدينه، بل يشترك معه أيضًا في أنّه محدود الكميّة، فأقصى عدد يُمكن الوصول إليه من بتكوين هو 21 مليون فقط، وهو الرقم المتوقع الوصول إليه بحلول عام 2140 تقريبًا.


وعلى الرغم من ضآلة الأمر في بدايته – للدرجة التي دفعت أحد الأشخاص للتفريط في 10 آلاف بتكوين في مقابل وحدتين من البيتزا – إلّا أنّ الفكرة الضئيلة سرعان ما وجدت طريقها نحو الانتشار والتصديق بشكل لم يتوقعه أحد، كان الأمر كالصفعة على وجه بعض الدول والحكومات، فمنع بعضها تداول بتكوين من الأساس، بينما سعى البعض الآخر لتقنينه قدر الإمكان!


ولكن!


ما الذي يجعل بتكوين مضمونًا؟


من الذي يحدد قيمة بتكوين؟


نسمع عن سرقة البطاقات الائتمانية واختراقها فهل هذا ممكن مع بتكوين؟


لماذا لا يمكن عمل نُسخ من بتكوين كما هو الحال مع الأغاني والأفلام الرقمية؟


لماذا يحتاج بتكوين كل هذه القوّة الحوسبيّة؟


هل هناك بدائل لبتكوين؟ ما هي العملات المشفّرة الأخرى وما هي مميزاتها؟


لماذا ترتفع قيمة بتكوين بهذا الشكل الجنوني؟


ما هي طرق التعدين الأمثل؟


ما علاقة بطاقات الرسوميّات بالتعدين؟


هل هناك طرق أخرى للحصول على بتكوين بخلاف التعدين؟


الأسئلة السابقة وأسئلة أخرى كثيرة سنقوم بالإجابة عليها في المقالات القادمة، والتي ستشهد جانبًا عمليًا كبيرًا، بالإضافة للجانب النظري الهام جدًا في هذا الصدد.


في النهاية نتمنّى أن يكون هذا المقال قد حقق لكم بعض المتعة والفائدة، في حال امتلكتم أي تجربة أو معلومة هامة في هذا الأمر، فنحن متشوّقون للغاية لمشاركتكم لنا بها في التعليقات.