رضوان الله عن العبد
يحرص المسلم دائماً في حياته على نيل رضا الله -تعالى-؛ فرضاه -سبحانه- هو الغاية الأولى للعبد المسلم وأعظم مقاصده، حيث يظهر ذلك جليّاً في سلوكه وأخلاقه مع الآخرين؛ فيترجم ذلك عمليّاً في عمله وعباداته، فلا يغفل عن أسباب رضا الله -تعالى- عنه ولا للحظةٍ، ولا يُقدّم رضا أيّ إنسانٍ مهما كانت منزلته على رضا الله -تعالى-، ولا يخاف غضب أحدٍ إلّا الله -عزّ وجلّ-، فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ)،
كيف أعرف أنّ الله راضٍ عني
يمنح الله -تعالى- عبده علاماتٍ كثيرةٍ يستدلّ من خلالها إن كان الله -عزّ وجلّ- راضٍ عنه أم لا، منها أن يُيسّر لعبده القيام بواجباته تجاه خالقه، وأن يهديه -سبحانه وتعالى- إلى الطريق المستقيم، حتّى إذا ما شعر العبد ببعض هذه العلامات لزم في نفسه سؤال الله -تعالى- الثبات على طريق الحقّ، حيث ينسب الخير الذي فيه إلى كرم الله -تعالى- وفضله ورحمته، ويلحق ذلك بالعمل الصالح؛ فالعبد معرّضٌ للفتنة والاغترار بالنفس؛ لذلك كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُكثر من دعاء الله -تعالى-؛ بقوله: (اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ ، ثبِّتْ قلبي على دينِك)،
- قَبول توبة العبد المذنب، حيث يتوب الله -عزّ وجلّ- عليه؛ فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)،
[8] وقد فسّر الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- ذلك فقال: "معناه أنّه إذا أحبّ الله -تعالى- عبده تاب عليه قبل الموت".[9] - حفظ جوارح العبد المسلم من الوقوع فيما لا يحبّه الله -تعالى-، وتيسيره للخير أينما كان؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الله قال: ما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها).
[10] - محبّة أولياء الله الصالحين لمن يرضا الله -تعالى- عنه، حتى إنّه يُرضّي خلقه عنه، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا أحبَّ الله العَبْدَ نادى جِبْرِيلَ: إنَّ الله يُحِبُّ فُلَاناً فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ الله يُحِبُّ فُلَاناً فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ).
[11] [9] - غرس اللين في قلب العبد، وملازمة الرفق لأخلاقه وأهل بيته؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ إذا أحبَّ أهلَ بيتٍ أدخلَ عليهِمُ الرِّفقَ)،
[12] كما ويهب الله -تعالى- العبد الرضيّ نفساً لوامةً تُنبهّه كلما أخطأ وتعثّر، فتعيده إلى جادّة الطريق مرّةً أخرى.[13] - التوفيق إلى الطاعات والأعمال الصالحة، والتي تكون غاية العبد منها نيل رضوان الله -تعالى- وحده؛ فقد قال الله -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا)،
[14] وقد ذكر عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى- حالهم كما ذكرت الآية: "وصفُهم كثرة الصلاة، ومقصودهم بلوغ رضا ربهم".15 - رضا العبد عن ربّه -جلّ وعلا-، والمداومة على شكره على فضله ونعمه التي تغمر حياة العبد؛ فقد قال الله -عزّ وجلّ-: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)،
[16] وفي ذلك قال ابن عثيمين رحمه الله -تعالى-: "الشاكر ينال رضا ربه"، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الله لَيَرْضَى عن العبد أن يأكُل الأكلةَ فيحْمدهُ عليها، أو يشرب الشربة فيَحمدهُ عليها).[17] 15 [18] - استقبال الابتلاء بالرضا الكامل بقضاء الله -تعالى- وقدره، والشعور بالطمأنينة والسكينة، واليقين بأنّ كلّ ما يختاره الله -تعالى- فيه خير كبير، قال الله -تعالى-: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)،
[19] فالله -عزّ وجلّ- أعلم بما يتناسب مع عبده، قال -جلّ وعلا-: (وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).[20] [18] - استغناء العبد بالله -تعالى- وحده؛ فلا يلجأ إلّا لله -عزّ وجلّ-، ولا يسأل حاجته إلّا الله -تعالى-؛ فهو وحده القادر على تحقيق مراد عباده، وتسخير الخير لهم.
[18] - حسن الخاتمة؛ فمن فضل الله -تعالى- وكرمه أن يموت العبد وهو على حالٍ يحبّه الله -تعالى- ويرضاه، وهي من عاجل بشرى المؤمنين، حيث قال -تعالى-: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)،
[21] فيُبشّر العبد بما يُطمئِن قلبه، ويشرح صدره.15 [22]
آثار رضا الله عن العبد
رضا الله -عزّ وجلّ- محلّ اهتمام المؤمنين وغاية مقصدهم، وتحقق ذلك لهم يكون كالحصول على أعظم وأكبر النعم في الدنيا والآخرة، وقد جعل الله -تعالى- جزاء عباده المؤمنين حقّ الإيمان هو رضاه -جلّ وعلا- عنهم؛ فإذا ما رضي العبد عن ربّه رضي الله -تعالى- عنه، كما أنّ رضا العبد عن ربّه يُعدّ من آثار رضا الله -تعالى- عنه، حيث يكون رضا الله -تعالى- سبباً ونتيجةً في الآن نفسه، وهو أعظم ما يمكن أن يحققّه العبد في حياته؛ فهو طمأنينة العابدين، وسكينة المشتاقين،
المراجع
- 1 - رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2414، صحيح. .
- 2 - سلمان العودة، <i> " دروس للشيخ سلمان العودة " , ، صفحة 21، جزء 12 , سلمان العودة، .
- 3 - سورة التوبة، آية: 72. .
- 4 - محمد المختار الشنقيطي، <i> " دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي " , ، صفحة 16، جزء 51 , محمد المختار الشنقيطي، .
- 5 - رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 527، صحيح. .
- 6 - رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 26133، صحيح لغيره. .
- 8 - سورة البقرة، آية: 222. .
- 9 - مجموعة من المؤلفين، <i> " كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية " , ، صفحة 6070، جزء 9 , مجموعة من المؤلفين، .
- 10 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح. .
- 11 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3209، صحيح. .
- 12 - رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1704، صحيح. .
- 13 - د. أحمد المحمدي (2015-10-28)، " ما هي علامات رضا الله عن عباده؟ " , www.islamweb.net , د. أحمد المحمدي (2015-10-28)، .
- 14 - سورة الفتح، آية: 29. .
- 16 - سورة الزمر، آية: 7. .
- 17 - رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2734، صحيح. .
- 18 - أ.د. حسن شبالة (2018-04-05)، " كيف أعلم أن الله راض عني أو ساخط عليّ؟ " , www.islamweb.net , أ.د. حسن شبالة (2018-04-05)، .
- 19 - سورة النساء، آية: 19. .
- 20 - سورة البقرة، آية: 216. .
- 21 - سورة الفجر، آية: 27-30. .
- 22 - محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424)، <i> " كتاب أحوال المحتضر " , ، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 144 , محمد عبد العزيز أحمد العلي .
- 23 - ابن القيم (1996م)، <i> " كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين " , (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 172، جز , ابن القيم (1996م)، .
- 24 - محمد المختار الشنقيطي، <i> " دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي " , ، صفحة 16، جزء 51 , محمد المختار الشنقيطي، .