لأصحاب العمل ومن يهمه الأمر: الصحة النفسية في مكان العمل حق للعامل وازدهار للعمل وليست ترف

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  25/02/2021
لأصحاب العمل ومن يهمه الأمر: الصحة النفسية في مكان العمل حق للعامل وازدهار للعمل وليست ترف

كان حملي بدأ يثقل، وقدمي تنتفخ وأوجاع ظهري تزداد وفوق كل تلك الأوجاع كان فوران الهرمونات وتبدلها داخل جسدي يصيبني بألم نفسي وتقلبات مزاجية عنيفة، لكنني في الصباح أضع بعضًا من مرطبات الوجه وأحاول إخفاء آثار الهالات السوداء حول عيني، ألبس ملابس الحمل بألوان مبهجة وحذاء حاولت أن يكون مريحًا، فأخرج ليراني الناس في الشارع والعمل فتاة على أعتاب الأمومة فرحة مبتهجة بقدوم صغير يجدد لها الحياة.قد ينقلب ذلك في لحظة إذا حدث موقف عابر يجعلني أبكي خلسة بينما أفصل عينات الدم التي علي فحصها. أستطيع أن أسمعك عزيزي القارئ وأنت تتذكر تبدل الأحوال الذي يصاحبك عندما يحين وقت النزول للعمل أو يضعك مديرك في مهمة معينة أو يباغتك باجتماع طارئ.اقرأ أيضًا: كيف تنجح حتى ولو لم تمتلك أي مهارات خاصة؟!

إن كنا سنعاني الضغوط: لماذا نعمل؟

يحيا الإنسان منذ طفولته وهو يحاول أن يثبت لنفسه وجود وشخصية منذ أن يقول لا وهو في الثانية من عمره، مرورًا بتقلبات المراهقة والعناد مع الأهل وحتى اختيار الدراسة الجامعية التي لا يفضلها الأهل، وأخيرا العمل. لذا ترجع أهمية العمل إلى عدة نقاط أهمها:

  • يساعدك العمل على تحقيق ذاتك.
  • يساعدك على الاستقلالية المادية.
  • الفراغ قاتل لا يمكن منع ضرره إلا بالعمل.
  • العمل وسيلة لرفع قيمة الإنسان بين البشر.
  • يحمل العمل بضعًا من المتعة الذاتية، فالإنسان بطبعه يحب الشعور بأنه يساعد غيره.
  • كل الأسباب السابقة وغيرها تجعل من العمل قيمة عظيمة في حياة المرء، فما الذي يجعل العمل سببًا رئيسيًّا في كثير من الأمراض النفسية والجسدية؟ وكيف يمكننا منع ذلك؟ وما السبل للمحافظة على الصحة النفسية في العمل؟ هذا ما نحاول البحث عنه في السطور القادمة.

    واقع الصحة النفسية حول العالم

    بحسب منظمة الصحة العالمية فإن 1 من كل 4 بالغين يعانون من مرض نفسي وأن ١٨٪ من السكان البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من اضطرابات القلق بمختلف أنواعها. بالطبع تؤثر تلك النسبة على العاملين وعلى الاقتصاد العالمي.

    ما العلاقة بين الصحة النفسية في مكان العمل والاقتصاد؟

    بالرغم من التطور التكنولوجي وإحلال الآلة محل الإنسان في كثير من المجالات، إلا أن علماء الاقتصاد ما زالوا عند رأيهم بأن رأس المال البشري هو الأكثر قيمة والأعلى مكانة اقتصاديًا، فحتى لو تمكنت الآلة من القيام بدور الإنسان فمن الذي يصنع الآلة؟ كما تشير استطلاعات الرأي والأبحاث التي يجريها الاقتصاديون حول العالم أن فاقد الإنتاجية الناتج عن إصابة العاملين بأمراض نفسيةكالاكتئابوالقلق- وهما من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا بين البشر- يكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة تصل إلى تريليون دولار أمريكي سنويًا.اقرأ أيضًا: في اليابان: حتى العامل مدى الحياة وليست منتجاتها فقط!

    ما هي العوامل المؤثرة على الصحة النفسية للموظفين في مكان العمل ؟

    تعتبر البطالة من أكثر الأسباب شيوعًا في الاضطرابات النفسية لدى الشباب والتي تؤثر بالنتيجة على قرارتهم الحياتية، فكثير من الأبحاث تشير أن البطالة من ضمن أقوى الأسباب التي تجعل الشباب يدمنون المخدرات، لكن بيئة العمل غير المناسبة أيضًا تسبب الكثير والكثير من الاضطرابات التي تؤثر على الصحة النفسية، من بين تلك الأسباب:

  • طول ساعات العمل والاضطرار لساعات إضافية طويلة من العمل المتواصل.
  • عدم الإحساس بالتقدير المتوقع وأحيانًا التقليل من حجم إنجازاتك.
  • التعامل مع الموظف كآلة انتاجية وعدم مشاركته في أي من قرارات العمل.
  • عدم الموازنة بين الحياة العملية والحياة الشخصية، فبعد سنوات يقف الإنسان ليجد نفسه وقد نسي عائلته ونسته العائلة أيضًا.
  • الظلم الوظيفي سواء بإجبار الموظف على فعل مهمة معينة لا طاقة له بها أو أن يوكل إليه مهمة أقل بكثير من إمكانياته مما يشعره بالدونية .
  • التحرش النفسي داخل مؤسسة العمل نفسها بالتنمر مثلًا.
  • عدم شعور الموظف بالانتماء للمؤسسة.
  • التسلط من الموظفين الأكبر تجاه من دونهم بالعمل.
  • من المؤسف أن نعلن أن بعض الوظائف تساهم في زيادة معدل الإصابة بالاضطرابات النفسية كالقلق إن لم يتم التعامل معها بحنكة وعلم، كالعمل بالقطاعات الطبية التي يعايش العاملون بها حالات مرضية صعبة وحساسة وكثير من الوفيات.

    مؤشرات تدل على أنك تعاني اضطرابات نفسية مرتبطة بالعمل

  • تجبر نفسك على الذهاب للعمل يوميًا وتؤكد أنه لو كان الأمر بيدك ما ذهبت.
  • عند الذهاب للعمل تجد صعوبة بالغة في بدء المهام الموكلة إليك.
  • حدة الانفعالات تجاه أمور عادية ونفاذ الصبر مع الزملاء.
  • دائم الانتقاد لبيئة العمل سواء علنًا أو بداخلك.
  • دائم الشعور بالخيبة تجاه وظيفتك.
  • لا تشعر بالرضا تجاه إنجازاتك وفي أحيان كثيرة لا تراها.
  • تغير ملحوظ وغير مبرر في عاداتك، فمثلًا من المرجح أن تتغير عادات نومك إذا ما رُزقت بطفل جديد أو تتغير عادات طعامك إذا ما انتقلت إلى بيت جدتك، لكن هنا التغير غير مرتبط بتغير أخر.
  • اضطرابات جسدية غير مبررة كأوجاع المعدة والصداع
  • ماذا يمكنني أن أفعل عندما أشعر باضطراب نفسي بسبب العمل؟

    عليك أن تعترف أولا وتتفهم ما بك، ثم يمكنك اللجوء إلى الطبيب أو المختص إذا لزم الأمر. بالطبع حاول أن تحل أسباب المشكلة وأعلن ذلك لرؤسائك، فإن كان الضغط ناتجًا عن تحمل أعباء إضافية أو عدم التقدير المعنوي أو المادي، طالب بحقك وأنت في موضع قوة.اقرأ أيضًا: قُلْ ولا تَقُلْ: أمور يجب مراعاتها عند إجراء مقابلات العمل

    ما الذي على المؤسسات فعله لكي تضمن السلامة النفسية لموظفيها وتساعد من أصيب باضطراب؟

    بحسب الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية فإن المنتدى الاقتصادي العالمي دعا أكبر الخبراء الاقتصاديين في أرجاء العالم لوضع دليل يتضمن خطوات واضحة وتوصيات محددة من أجل إنشاء منظمات سليمة نفسية، ومن بين التوصيات التي على المؤسسات الالتزام بها ضرورة توفير استشارات نفسية مجانية وكذلك فحوصات دورية للعاملين بمختلف تدرجاتهم الوظيفية.إن الاهتمام بالصحة النفسية في مكان العمل للعامل ليست رفاهية بل أولوية قصوى فالعامل هو المتحكم الأكبر في دائرة الاقتصاد العالمي.