حور العين
لَمّا خلق الله سبحانه وتعالى الخلق وأوجد الكون قدَّر الوسائل والسُّبُل اللازمة لضمان استمراريّة الكون، وعندما خلق آدم من طين ثمّ أَمَره أن يمكث وزوجه في الجنّة شريطة ألّا يقربا الشّجرة؛ إنّما أراد بذلك أن يختبر التزامه بأوامر الله، والانتهاء عمّا نهى، وليظهر فيما يتقدّم للعموم أنّ أصل البشريّة مجبولٌ على مُخالفة الأوامر والسّير خلف الشّائعات والخرافات؛ حيث إنّ آدم قد سار خلف إبليس الذي أوهمه أنّه ما مُنع من الأكل من الشّجرة إلا لأنّ خلوده وبقاءه مُتوقّفٌ على أكله منها، ممّا دفعه لمعصية الله.
من هنا نشأت البشريّة وتكاثرت بعد أن نزل آدم وزوجه إلى الأرض، ولأنّ الجنّة والنّار خُلِقَتَا ليكونا نتيجةً تصل إليها البشريّة بعد خروج آدم من الجنة، فقد جعل الله لهما أسباباً للوصول إلى كل واحدةٍ منهما من الكفر والإيمان، كما جعل لمن يدخل الجنّة أبواباً من النّعيم عديدة، وعلى النّقيض، فقد جعل لمن تُوصِله أعماله إلى نار جهنم أبواباً عديدةً من العقاب، وكان من أوجه نعيم أهل الجنة الكثيرة الحور العين، حيث جاء ذكرها في القرآن الكريم والسُنّة النبويّة في العديد من المواضع.
خلق وصفات حور العين
تتَّصف الحور العين بكلّ صفات الحُسن والكمال، وتخلو منهنّ صفات النّقص والخلل، وممّا جاء في وصفهِنّ أنهُنّ مُطَهَّرَاتٌ مُهذباتٌ من الأحوال المُستَقذرة التي تمرّ بباقي النّسوة، كالحيض، والنّفاس، والبول، والغائط، والمنيّ، والمُخاط، والبلغم، والورم، والدَّرَن، والصّداع، وسائر الأوجاع والأسقام. ولا تمرّ الحور العين بمراحل الولادة التي تمرّ بها النّساء، ولا تعتريها دسائس الطّبائع، وسوء الخُلق، وميل الطّبع إلى غير الأزواج وغير ذلك. وقد قال الحسن البصريّ رحمه الله في وصفهنّ: (هنَّ عجائزكم العُمص العُمش طَهُرنَ من قاذورات الدّنيا).
أما خَلقُهن، فقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله في وصف خَلقِهن: (خَلق الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزّعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب أي الأبيض، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور، إذا أقبلت يتلألأ نور وجهها كما يتلألأ نور الشّمس لأهل الدّنيا).
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً)؛
سبب خلق الله للحور العين
بعد أن خلق الله الجنّة والنّار هيَّأهُما لأهلهما، فجعل لأهل الجنّة من النّعيم ما لا عين رأت ولا أذُن سمعت ولا خطر على بشر من قبل، وكان من ذلك النَّعيم أن أنشأ لأهل الجنّة أزواجاً من الحور العين أعطاهنّ أجمل الصِّفات، ونفى عنهن كلّ صفةٍ من صفات النّقص والاستقذار التي يَمقُتها الإنسان، أو التي في وجودها تضييعٌ للجمال، وتفويتٌ للغاية التي خُلِقنَ من أجلها، وهي تنعُّم رجال أهلّ الجنة بهن، قال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ).
وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري، أنّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام قال: (إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِى السَّمَاءِ)،
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)،
موضع الشّاهد من حديثه -رضي الله عنه- قوله: ( ... فتتلقّاهم الولدان المُخلّدون يطيفون بهم كما تُطيف ولدان أهل الدّنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة، يقولون: أبشر أعدّ الله لك كذا، وأعدّ لك كذا، فينطلق أحدهم إلى زوجته فيُبشّرها به، فيقول: قَدِم فلان باسمه الذي كان يُسمّى به في الدّنيا، وقال: فيستخفّها الفرح حتّى تقوم على أسكفة بابها، وتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيجيء حتّى يأتي منزله، فإذا أصوله من جندل اللّؤلؤ من بين أصفر وأحمر وأخضر، قال: فيدخل فإذا الأكواب موضوعة، والنّمارق مصفوفة، والزَرابيّ مبثوثة قال: ثمّ يدخل إلى زوجته من الحور العين، فلولا أنّ الله أعدّها له لالتمع بصره من نورها وحُسنها، قال: فاتكأ عند ذلك ويقول: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كُنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله)،
المراجع
- 1 - معجم اللغة العربية المعاصرة , (الطبعة الأولى)، بيروت: عالم الكتب، صفحة 578، جزء 1 , أحمد مختار عبد الحميد عمر (2 .
- 4 - سورة الواقعة، آية: 35. .
- 6 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3327. .
- 7 - العقائد الإسلامية , ، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 302-303 , سيد سابق، .
- 8 - سورة الزمر، آية: 73. .
- 10 - سورة الأعراف، آية: 43. .
- 11 - رواه الطبري، في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 20/267، إسناده صحيح. .