لماذا يصعب إنهاء المحادثات بين البشر في أغلب الأوقات؟.. دراسة تجيب

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  20/05/2021
لماذا يصعب إنهاء المحادثات بين البشر في أغلب الأوقات؟.. دراسة تجيب

بينما كُنت اكتب قائمة مهامي اليومية الطويلة -كالمعتاد- رن هاتفي وإذا بأخي يريد التحدث معي قليلًا. لم انتبه للوقت، لكن ما حدث حقًا هو أننا تحدثنا لفترة زمنية طويلة تقترب من الساعة. تأخرت عن موعد البدء في العمل وانزعجت كثيرًا للأضرار اللاحقة في المواعيد. لكن هذا دفعني للتفكير وتذكرت محتوى المحادثة الذي لم يكن فعالًا أو مهمًا لهذه الدرجة.حسنًا، هذا الموقف حدث بالفعل معي. وتساءلت عن الأسباب الخفية -بالنسبة لي- وراء هذا السلوك. ووجدت الإجابة في 1 مارس 2021، عندما نُشرت دراسة في دورية “PNAS”، تُفيد بأنّ البشر يميلون لإطالة الحديث عبر الهاتف، وفي أغلب الأحيان لا يستطيعون إنهاءه. وهذا التصرف خارج عن إرادة السلوك البشري، تُرى ما السر وراء ذلك؟نقلًا عن مجلة ساينتفيك أمريكان، صرح آدم ماستروياني (المؤلف الأول للدراسة) بأنه بينما كان يستعد للذهاب إلى حفلة في جامعة أوكسفورد -ربما كان وقتها طالب ماجستير- وعلى غير توقع، تلقى اتصالًا هاتفيًا من أحد الأشخاص المقربين له. لم يدرك ماستروياني في بادئ الأمر أنّ هذه المحادثة ستستهلك وقتًا طويلًا (تمامًا كما حدث معي). فكر في إنهائها بأدب، لكنه لم يفلح. ثم جاءت على باله فكرة، وهي أنه ربما يكون الطرف الآخر يريد إنهاء المحادثة أيضًا ولا ينجح في ذلك. باختصار، كلاهما عالقان ولا يستطيع أي منهما اتخاذ خطوة فعّالة لإنهاء تلك المكالمة!يمكنك الاطلاع على: كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تسيء لسمعتك المهنية وتعيقك في رحلة بحثك عن وظيفة؟

المحادثات بين البشر والاتصالات الاجتماعية.. حاجة أم غاية؟

يقول مؤلفو الدراسة:

“المحادثة ما هي إلا مجموعة من المهام المعقدة التي يؤديها البشر باحتراف وإن بدت بسيطة، ويفشلون في إدراك أنفسهم عندما يؤدونها بصورة سيئة”

هل فكرت يوميًا في انطباع الكائنات الفضائية حولنا إذا رأونا -بغض الطرف عما إذا كانت فكرة الكائنات الفضائية حقيقة أم خرافة، هذا مجرد افتراض- سُيشاهدون كائنات عاقلة تأكل وتشرب وتنام وتتحدث، وسيَظنون أننا مصممون فقط للأكل والنوم والاستمتاع باهتزاز حبالنا الصوتية عندما نلتقي بعضنا. أظن في هذه الحالة علينا التماس العذر لهم، فهم لا يفهمون طبيعة البشر الأرضيين. في الحقيقة إنّ المحادثات جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهي الوسيلة الفعّالة للتواصل بين البشر، فنحن نقدم النصائح أو الاقتراحات ونتعامل مع أصدقائنا وزملاء العمل من خلال تبادل الكلمات والعبارات، ما يخلق تفاعلًا بيننا وتصبح الحياة أفضل وأسرع.تشيرالدراسةإلى أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعة الحال. لذا فإنّ الاتصال الاجتماعي ضروري للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية، ويتحقق هذا الاتصال من خلال المحادثات. لكن في بعض الأحيان، نلاحظ عدم انتهاء هذه المحادثات وقد تطول لتبلغ ساعات. أقرب مثال على هذا (وسنُؤكد كلنا على ذلك) المكالمات الهاتفية بين والدتك وخالتك. يشتكي بعض الأشخاص من طول هذه النوعية الطويلة من المحادثات بلا فائدة، لكن لا يعرفون أنّ لهذا أسبابًا.اجتهد العلماء للوصول إلى الفهم العلمي وراء هذا التصرف البشري الغريب، لكن، ما يُثير الدهشة حقًا هو أنّ علم السلوك البشري لا يجيب عن سؤال مهم حول أكثر الأنشطة التي يمارسها البشر، وهذا السؤال هو…

لماذا لا تنتهي المحادثات بين البشر؟

حسنًا، تأتي الإجابة على هذا السؤال من خلال دراستين لـ 932 محادثة:

  • الدراسة الأولى كانت بين المُشاركين وشركائهم الحميمين.
  • والثانية بين المُشاركين وشركائهم الغرباء.
  • حيث طُلب من المشاركين تحديد الوقت الذي أرادوا فيه إنهاء المحادثة، وتقدير الوقت الذي أراد شريكهم فيه إنهاء المكالمة أيضًا. وكانت المفاجأة أنّ المحادثات لا تنتهي عندما يريد كلا الطرفين استكمالها، أو على الأقل عندما يود طرف واحد فقط استكمالها، ونادرًا ما تنتهي عندما يريد طرف واحد فقط الانسحاب. وانتهت 2% من المحادثات عندما أراد كلا الطرفين إنهاءها. وكانت هذه النسبة ثابتة سواء كان الشريكين حبيبين أو غرباء.من ناحية أخرى، أشارت النتائج إلى أنّ المتحدثين لم يكن لديهم أي فكرة عما إذا أراد الشريك إنهاء المحادثة أم لا، ولم يهتم أحد برغبة الطرف الآخر، ما يعني أنّ مسألة إنهاء المحادثة هي في الأساس مشكلة تنسيق كلاسيكية، لا يستطيع البشر حلها، لأنهم لا يعرفون كل المعلومات عن الطرف الآخر أو ظروفه، تمامًا مثل يوم الحفلة التي تأخر عنها السيد آدم ماستروياني، فالطرف الآخر -الذي كان يُحادثه- لم يعرف أنّ آدم على عجلة من أمره.في هذا الصدد، صرح ماستروياني لـ “ساينتفيك أمريكان”، وقال: “مهما كنت تعتقد أن الطرف الآخر يريد الحديث، فقد تكون مخطئًا”.اقرأ أيضًا: بعد أن قربت كل بعيد.. وسائل التواصل الاجتماعي متهم رئيسي في التفكك الأسري المتفاقم اليوم!

    من أين تأتي مشكلة تنسيق المحادثات الكلاسيكية؟

    تقترح الدراسة أنّ الأمر أشبه بصديقين أرادا تناول الطعام في مطعم واحد، لكن أحدهما يحب البيتزا والآخر يحب السوشي، كيف يمكن حل هذه المعضلة؟ حسنًا، سيحدث شيء من الآتي:

  • إما أن يتنازل أحدهما ويذهبا إلى أحد المطعمين، ويصبح أحد الطرفين مرغمًا على هذا الطعام.
  • أو سيذهب كلاهما إلى مطعم ثالث لتناول وجبة عادية، وفي هذه الحالة، سيستاء كلاهما من عدم التفاهم هذا بمرور الوقت.
  • كلا الصديقين لم يُفصحا لبعضهما عن حالة الاستياء التي يَشعرا بها، ما يعني أنّ معلومات كل واحد منهما عن احتياجات الآخر الحقيقية قليلة جدًّا. هذا بالضبط ما يحدث في المحادثات، يرغب كل طرف في شيء ما، ويتنازل أحدهما أو كلاهما، ما يثير الاستياء بمرور الوقت، والحقيقة أنّ كلًّا منهما لا يعرف سوى القليل عن احتياجات الطرف الآخر.

    ما الحل إذًا لمشكلة تنسيق المحادثات؟

    في حالة السوشي والبيتزا، لا بأس من تناول السوشي مرة والبيتزا في المرة التالية، الأمر ليس معضلة كبيرة، يتطلب فقط بعض التنسيق بين الصديقين. لكن في حالة المحادثات الهاتفية، الأمر يبدو بسيطًا من الخارج، رغم أنه معقد، إذ يرى الشخص الذي يريد إنهاء المحادثة أنّ هذه إساءة للشريك، حتى وإن أراد الطرف الآخر نفس الشيء، المشكلة أنّ كلاهما يُخفيان رغبتهما الحقيقية. لكن إذا تجرأ كلاهما وصرحا لبعضهما عما يريدا، سيَختصر هذا الطريق أمامهما ويَصلا إلى حلٍ مُرضٍ. ويقول ماستروياني إنّ علم النفس قد تنبه للتو على أنّ هذا السلوك الاجتماعي طبيعي وأساسي، كما أنه مثير للاهتمام أيضًا.وأخيرًا.. إنّ مهارة إنهاء المحادثة تحتاج إلى تدرج وأناقة في نفس الوقت، ويتم ذلك بمراحل محسوبة، لأن أي خطأ قد يتسبب في فشل الأمر والبداية من جديد، لا يتقن الجميع فعل هذا، ما يتسبب في إطالة المحادثات، وتظل المشكلة مطروحة، لكن هذه المرة، لن يكون السؤال “لماذا يصعب إنهاء المحادثات بين الناس في أغلب الوقت؟” لكنه سيكون “ما أسهل الطرق لإنهاء المحادثات؟”. مع ذلك، لن تنتهي المحادثات بين والدتك وخالتك بهذه السهولة!اقرأ أيضًا: من “عليك الأمان” إلى أنا “أحبك أو أحترمك”: تعرف على ما يمكن أن تنقله التحية بشكلها البسيط من التواصل