أول قصة من قصص الأنبياء هي قصة سيدنا آدم – عليه السلام – حيث أنه كان أول بشر يخلقه الله – عز وجل – و قد كرمه ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة أن يسجدوا له أحتراماً لقدره ومكانته ، لذلك فإن آدم – عليه السلام – هو أبو البشرية كلها ، ولما عاش آدم – عليه السلام – في الجنة لم يكن ينقصه إلا شئ واحد هو الزوجة التي يألفها ، وسكن إليها فخلق الله – عز وجل – له زوجته حواء ، ولا عجب أن هناك الكثير من التفاصيل داخل هذه القصة الرائعة ، كما أن أحداثها مشوقة وتدعو للتأمل ، والتدبر ، وأخذ العبرة ، والعظة .
قصة آدم كامله مكتوبه
هناك الكثير من السور في القرآن الكريم التي جاء فيها ذكر قصة سيدنا آدم – عليه السلام – ويذكر في كل موضع القصة بصورة مختلفة عن الأخري بحيث تكتمل أحداث القصة عند ربط جميع المواضع مع بعضها ، كما في باقي قصص الأنبياء فورد في سورة البقرة ، والأعراف ، والحجر ، والإسراء ، والكهف ، وطه ، وص ، ولكن عند النظر إلى كل موضع من هذه المواضع يمكن أن تفهم الأحداث بكل سهولة ، حيث أن الآيات غاية في السهولة ، وجاءت بمعاني سهلة واضحة ، حتى يفهمها الناس ، وهذا يدل على أهمية هذا الحدث الكبير ، الذي أرد الله – عز وجل – أن يكون أول درس للبشرية كلهم .[1]
قصة آدم وحواء
الملائكة هم أول المخلوقات التي خلقها الله – عز وجل- ، وحتى قبل أن يخلق آدم – عليه السلام – وقد أخبرهم الله – تعالى – أنه سوف يخلق بشراً من طين ، وليس من نور مثلهم ، وأنه سوف يسويه ، وينفخ فيه من روحه ، وسوف ينزل إلى الأرض ، ليعبد الله – عز وجل- هو وذريته التي سوف تكون من نسله وورد ذلك في في القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ، ورد الملائكة يوحي بأنهم يعلمون طبيعة البشر ، وأنه يمكن أن يخطئوا وأن طبيعتهم تختلف عن طبيعة الملائكة الذين لا يخطئون أبداً ، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، لذلك قالوا أن البشر سوف يفسدون في الأرض ، ويقتلون الأنفس ، وهم الذين يفضلون عليهم لا يكون لهم ها الشأن العظيم ، للك جاءهم الرد ، وهم في حيرة من أمرهم من الله -عز وجل -،بقوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
وفي موضع آخر من الآيات يقول الله -عز وجل : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * )
وفي هذا الموضع ، يبين الله – عز وجل- أنه سوف يخلق آدم – عليه السلام – من طين ، وأنه سوف يُجمع من تراب الأرض الأحمر ، والأصفر ، والأبيض ، والأسود ، وبعد ذلك يتم خلط التراب بالماء حتى يصبح صلصالاً من حمأ مسنون ، ثم تعفن الطين وانبعثت منه رائحة ، وهذا الأمر جعل إبليس يتعجب من كون أن هذا الطين الذي انبعثت منه الرائحة ، هو الذي سوف يخلق منه هذا المخلوق الجديد ، لذلك سأل الله – عز وجل – عن ذلك فجاءت الإجابة بالتنفيذ عندها سواه الله – عز وجل- بيده ونفخ فيه من روحه ، وهنا أمتثل الملائكة لأمر الله – عز وجل – عندما أمرهم بالسجود تكريماً له ، ولكن إبليس كان من الملائكة ، ولم يسجد لآدم – عليه السلام – وقال الله تعالى له : (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) ، ورد على الله – عز وجل – بقول يملأه التكبر ، وقال : (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ، عندما صدر هذا الموقف من إبليس بالتكبر ، والتعالي على ما خلق الله – عز وجل – بيديه ، أمر الله – عز وجل – أن يخرج إبليس من الجنة فقال – تعالى – : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) ، وعاش آدم – عز وجل – في الجنة ما شاء الله له ، ولكنه كان يشعر بالوحدة فهو البشر الوحيد في هذه الجنة الواسعة فخلق الله – عز وجل- له زوجته حواء حتى تكون سكناً له ويشعران بالنعيم الله عليهما ويتمتعا به سوياً .[3]
قصة سيدنا آدم وإبليس
ولكن جرت حكمة الله بالكثير من الأمور ومنها خروج سيدنا آدم من الجنة وحرمانه وزوجته من النعيم الذي يعيشان فيه وهذا لأن إبليس توعد لآدم – عليه السلام – أنه سوف يخرجه من الجنة ، ويكون له الشقاء بالخروج منها ، حيث قال: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ، وعندها أراد الله – عز وجل – أن يعلم سيدنا آدم أنه في نعيم ليس بعده نعيم ، وهو وجوده في الجنة التي يوجد فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وقال له أن لا يمكن أن يجوع في الجنة ، ولا عري ، لا ظمى أبداً وذلك في قوله تعالي : (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) .
وبعد ذلك جاء قول الله تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ* فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) ، وهذا يدل على أن الشيطان أخذ يوسوس لآدم – عليه السلام – بأن هذه الشجرة هي أحلى ثمار الجنة ، وأنه يجب أن يأكل منها حتى يشعر بطعم ثمارها اللذيذ ، ورغم التنبيه الذي نبهه الله – عز وجل- له فقد عصى آدم أمر الله – عز وجل- فضل وغوى ، وسمع كلام إبليس اللعين ، وما مكر له فنزل من الجنة هو وزجته وغضب الله – تعالى – منه ولكنه ذلك يستغفر ربه ، ويدعوا أن يسامحه على ما فعل وأخطأ إلى أن غفر الله – عز وجل – له .
ومن أهم الأمور التي يجب أن يتعلمها المسلم من هذه القصة أن الإنسان مخير وليس مسيراً كما يزعم الكثير من الناس ، وأن الله – عز وجل – كتب عنده الأقدار ، ولكن يجب على الإنسان السعي حتى ينال خيرها ، ويطرد عنه شرها بالدعاء ، كما يجب أن يعلم أن إبليس هو العدو الأكبر له في هذه الحياة ، ولا يجب أن يطاوعه في أي أمر من الأمور حتى لا يكون مصيره الخروج من الجنة ، ودخول النيران في الآخرة .[3]