الخوف من الله
إنّ الخوف من الله -تعالى- يعدّ من المقامات العليّة في مدارج السالكين، وهو من لوازم الإيمان بالله، حيث قال الله تعالى: (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)،
تعريف الخوف من الله
علاقة الخوف من الله -تعالى- بالدّلالة اللغويّة لمصطلح الخوف تظهر من خلال التعرّف على معنى لفظ الخوف في معاجم اللغة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الخوف في اللغة: الخَوْف اسم، وهو مصدر الفعل خَافَ، وهو من الفزع والرّهبة، ويُقال: اعتراه خوف؛ أي أصابته فزعة أو خشية، ويُقال أيضاً: خاف عليه؛ أي حرص عليه مع قلقه عليه، والخوف: هو ما يحدث في النّفس من انفعالٍ عند توقّع ورود مكروه أو فوات محبوب.
[3] - الخوف في الاصطلاح: تعدّدت معاني الخوف في الاصطلاح وبيان بعضها فيما يأتي:
[4] - إنّ الخوف هو منزلة من أعظم منازل الطريق إلى الله تعالى، وأشدّها نفعاً لقلب العبد، وهي عبادة قلبيّة مفروضة، قال الله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)،
[5] والخوف حالة يصاحبها حركة في القلب عند استشعار عظمة المَخُوف. - إنّ الخوف يكون على قدر العلم والمعرفة بالمَخُوف، والخوف صفة لعامّة المؤمنين، والخائف من الله يهرب منه إليه.
- إنّ الخوف من عذاب الله -تعالى- ليس مقصوداً لذاته؛ وإنّما هو وسيلة للهروب ممّا يكون سبباً في العذاب؛ لأنّ أثر الخوف متعلّق بأفعال العبد، ولذلك قيل: الخوف الصادق هو ما منع صاحبه عن محارم الله تعالى، وقال ابن تيمية رحمه الله: (الخوف المحمود ما حجز صاحبه عن محارم الله).
- إنّ الخوف له ثلاث مراتب؛ الأولى: أن يخاف العبد من العقوبة، وبهذه المرتبة يصحّ الإيمان، وهذه المرتبة من الخوف هي خوف العامّة، ويتحصّل الخوف من التّصديق بالوعيد ومعرفة المعصية، واستشعار عاقبة الفعل، والثّانية: الخوف الذي لا ينقطع حال هناء العيش وسرور الخاطر، فيمتنع العبد عن قبيح الأفعال في كلّ حال، والثّالثة: خوف الخاصّة، وهو حال أهل الخصوص؛ فليس في خوفهم وحشة كخوف من أساء الفعل، بل خوفهم خوف هيبة الجلال، وأعظم ما تكون أوقات المناجاة.
- إنّ الخوف يقاربه في المعنى مصطلحات أخرى؛ منها: الوجل والرّهبة والخشية، إلّا أنّ الخشية أخصُّ منها، فهي مقرونة بمعرفة أكثر للمخُوف، ولذلك كان العلماء أشدّ النّاس خشية من الله تعالى، حيث جاء في القرآن الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)،
[6] والرّهبة ضدّ الرّغبة، وهي إمعان في الهرب من المكروه، والوجل حالة خفقان القلب عند رؤية المخُوف أو تذكّره، والهيبة هي خوف يصاحبه التّعظيم مع المحبّة للمخُوف والمعرفة بجلاله.
- إنّ الخوف هو منزلة من أعظم منازل الطريق إلى الله تعالى، وأشدّها نفعاً لقلب العبد، وهي عبادة قلبيّة مفروضة، قال الله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)،
فضل الخوف من الله وثمراته
الخوف من الله -تعالى- عبادة لها فضل كبير، ويترتب عليها عدّة آثار وثمرات، منها:
- الخوف من الله -تعالى- صفة المؤمنين، وتشبّه بالملائكة المقرّبين والأنبياء المُرسلين، قال الله -تعالى- واصفاً الملائكة: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)،
[8] وامتدح الرّسل -عليهم السلام- بقوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ).[9] - الخوف من الله -تعالى- يُعين العبد على الاجتهاد في العمل الصالح الخالص لله -تعالى- وحده، وتأكيداً على أثر الخوف من الله في القُربات والطّاعات؛ جاء في القرآن الكريم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا*إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا).
[10] - الخوف من الله -تعالى- يُبعد عن الشّهوات والنّزوات والّلذات المُحرّمة، فما كان عند العاصي من الآثام محبوباً يكون عند الخائف مذّموماً مشؤوماً.
- الخوف من الله -تعالى- يرفع صاحبه إلى رضا الله -تعالى- ورحمته، ويُوصل صاحبه إلى الملاذ الآمن تحت ظل عرش الله يوم القيامة، فقد جاء في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم القيامة: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
[11] - الخائف من الله -تعالى- في الدنيا يُكرم بالأمان في الآخرة، فقد صحّ في الحديث الذي يرويه النبيّ -صلّى الله عليّه وسلّم- عن ربّه تبارك وتعالى: (وعزَّتي لا أجمَعُ على عبدي خوفَيْنِ وأمنَيْنِ، إذا خافني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ، وإذا أمِنَني في الدُّنيا أخَفْتُه يومَ القيامةِ).
[12]
المراجع
- 1 - سورة آل عمران، آية: 175. .
- 2 - سورة الإسراء، آية: 59. .
- 3 - تعريف و معنى خوف في معجم المعاني الجامع , www.almaany.com , 27-3-2018. بتصرّف. .
- 4 - ابن قيم الجوزية (1993)، <i> " مدارج السالكين " , (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 507-512 , ابن قيم الجوزية (1993)، .
- 5 - سورة البقرة، آية: 40. .
- 6 - سورة فاطر، آية: 28. .
- 7 - نجلاء جبروني (22-1-2017)، " الخوف من الله " , www.alukah.net , نجلاء جبروني (22-1-2017)، .
- 8 - سورة النحل، آية: 50. .
- 9 - سورة الأحزاب، آية: 39. .
- 10 - سورة الإنسان، آية: 9-10. .
- 11 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح. .
- 12 - رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 640، أخرجه في صحيحه. .
- 13 - أبو حامد الغزالي، <i> " إحياء علوم الدين " , ، بيروت: دار المعرفة ، صفحة 160، جزء 4 , أبو حامد الغزالي، .