أبشع تجليّات التفاوت الطبقي عبر مختلف محطات التاريخ: حتى البغايا والموتى كان لهم نصيب!

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  11/08/2021
أبشع تجليّات التفاوت الطبقي عبر مختلف محطات التاريخ: حتى البغايا والموتى كان لهم نصيب!

“الملابس لا تُغني الإنسان. لا يغنيه الذهب الرنّان. الغِنى الحقيقي هو في العلم، في حب الخير وفي الإيمان. حان الوقت لكي أكتشف العالم من حولي بجلاء وأرى حقيقة الأشياء. حان الوقت الآن. هل نُسعد إن كان الحال هو كنز الذهب وجمع المال؟ أم يسعدنا همس في القلب، أغنية في الحقل وآمال؟”

هكذا يتغنّى الأمير الهارب من قصره في صور متحركة قديمة تدعى أسطورة سولينغ بالحريّة والخير والحلم والأمل، قبل أن يصور لنا نفس الكرتون مزارعي أرز يخدمون الأرض بكل ما أوتوا من قوة وجهد وفلاحين آخرين ينحنون على الزرع لاقتلاعه من تربته في حركة دائرية متواصلة ومنهكة ومملة، يتلخص فيها وجودهم المرتبط ببعض روبيات.هذا التضارب أو التناقض هو وليد التاريخ منذ بداياته وهو مرتبط في ذهني بلحية كارل ماركس وبنظارات تروتسكي وبملامح لينين الغاضبة على الدوام، وبقصة فيكتور هيجو عن البؤساء وعن سارق الرغيف. هي ثنائية تحكمنا كما تحكمنا ثنائيات أخرى منها الفرح والحزن، الخير والشر، الحياة والموت، الطبيعة وما وراء الطبيعة وتعنى بالمعركة الأسمى وهي معركة ضد التفاوت الطبقي.لكن هذا الحلم الذي بات شبه مستحيل يومًا بعد يوم مع تغوّل رؤوس الأموال وهوس الإنسان بالتكنولوجيا وبالحسابات البنكية، ليس محور حديثنا اليوم فلا تخف عزيزي القارئ وتمهل حتى ترى بين سطور هذا المقال أغرب السلوكيات التي ظلّت منذ أسطورة الخلق إلى لحظة كتابة هذه الكلمات تكرّس الطبقية، وتزيد من بشاعتها.فإلى أي مدى يمكن الحديث عن التفاوت الطبقي في التاريخ القديم؟ وفيمَ ظهر هذا التدرج؟ لِمَ كان على الإنسان أن يأكل أخاه الإنسان، ولِمَ على إنسانيتنا أن تختفي تحت بندِ الأصل العائلي والدم الملكي والأراضي الموروثة؟اقرأ أيضًا: الحرية لا وطن لها، الحرية سماء، والسماء وطن الجميع: قراءة في رواية كوخ العم توم

الممارسات الطبقية في مصر القديمة

كان المجتمع المصري القديم كالعديد من المجتمعات الأخرى، يأخد شكل هرم يقسم إلى ثلاث طبقات. تضم الطبقة الأولى التي تحتل قمة الهرم العائلة الملكية الحاكمة وحاشيتها من نبلاء وكهنة وكبار موظفين وتسمى الطبقة العليا. تتلوها الطبقة الوسطى المكونة من الكتبة والموظفين الصغار والإداريين من محامين وأمنيين. أما الطبقة الثالثة أو السفلى التي تكوّن قاعدة الهرم فهي طبقة الحرفيين والعمال والفلاحين وكذلك العبيد ذوي المنزلة الأحط من منزلة الحيوان في ذلك الوقت.ظهر هذا الظلم الطبقي في محطات عديدة من تاريخ المصريين القدامى، فتجلّى مثلًا في تفقير العمال وتجويعهم في ظل حكم رعمسيس الثالث حتى قرروا الإضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام، وقالوا استنادًا إلى نص مصري قديم تُرجم فيما بعد ووُضع في متحف تورينو الإيطالي:”لقد أوصلنا الجوع والعطش إلى ما وصلنا إليه، لا توجد ملابس ولا يوجد زيت لدينا ولا يوجد سمك عندنا ولا خضراوات. أبلغوا الفرعون“.ثم هاجموا مخازن الغلال لافتكاك الطعام وعزفوا عن بناء مقابر للملوك. كما كان أيضًا للملوك والنبلاء فقط الحق في تعدد الزوجات، ويرجع ذلك إلى أسباب سياسية تغيب في أغلب الأحيان، فلا نجد بدًّا من الزواج مرة أخرى إلّا إرضاءً لشهوات النبيل الغني. ومن بين الملوك نذكر الملك أمنحوتب الثالث الذي كان له زوجات من بابل وآشور وميتاني إلى جانب زوجته “تي” ومن بين النبلاء نسمّي “مري-كا-رع”.ولئن تعلقت هذه الممارسة المهينة للمرأة بالملوك، فقد وجدنا فيها ولأول مرة نفطة مضيئة بالنسبة لبقية الطبقات التي كثيرًا ما تكون الطرف الخاسر في معادلات التدرج الطبقي الاجتماعي.كل هذا متوقعًا ومنتظرًا، لكن أليس من الغريب أن يخضع التحنيط إلى معايير طبقية؟ صحيح أن الموت كان يُعتبر عند المصريين القدامى مرحلةً من مراحل الحياة وجسرًا يحملهم إلى الآخرة، وصحيح أنهم لهذا السبب اهتمّوا بموضوع الموت وأخذوا يدرسون إمكانيات الخلود وطرق تحقيقه حتى توصلوا إلى فكرة تحنيط الأموات، لكن هذا التحنيط كان مقسّما إلى عمليتين مختلفتين تمامًا أولهما باهظة الثمن، متعددة الخطوات والمراحل، مجعولة لجثث الملوك وأقاربهم وثانيهما تحنيط سريع وبدائي لعامة الشعب (يُزال فيها القلب كيلا يشارك الفقراء الأغنياء العالم الآخر).تفاقم هذا التباين بين الطبقات في الحضارة المصرية القديمة ، فوجدنا عمالًا يبيعون أنفسهم في عملية بيع ذاتي ويصيرون عبيدًا لمن أقرضهم مالًا بعد أن عجزوا عن تسديد ديونهم له/ وبذلك يكونون قد تخلوا تماما على ممتلكاتهم وحرياتهم.

التفاوت الطبقي في الحضارة اليونانية

من يحب اللوحات التي تصور أثينا بمفكريها وعامة شعبها وساحات النقاش فيها، يتفطن منذ الوهلة الأولى إلى التركيبة الطبقية لهذا المجتمع الذي عرف أرمات اقتصادية متتالية وعاش حروبًا ومعارك كثيرة، كان من شأنها تعكير الجو العام.وقد لاحت هذه التركيبة في ملحمة الأوديسة موضحة أن للمجتمع اليوناني طبقة دنيا مكونة من عبيد وعبيد حُرِّروا، ولكن ظلوا مفقَرين، وطبقة وسطى جمعت التجار الذين لم يكونوا بالأصل من أثينا، ثم طبقة عليا لأصيلي اليونان وطبقة للنبلاء الذين يسيّرون الدولة.والطبقية ليست ضرورة طبقية قائمة على المال والجاه، فقد تكون أيضًا طبقية قائمة على الجنس كاعتبار المرأة في اليونان خادمة للرجل، أو أخرى تندرج ضمن نفس الجنس كالتفريق بين بائعات الهوى في المجتمع اليوناني وتقسيمهم إلى فئتين: فئة تمثل بغايا بيوت الدعارة ولها غرض إباحي صرف، وفئة أعلى رتبة وأكثر حقوقًا وهي بغايا الطبقة العليا.اقرأ أيضًا: رواية ألف شمس ساطعة: شموس أفغانستان المطلةٌ على تلالِ الخسارة

الممارسات الطبقية في الهند البريطانية

بقيت الهند في فترة الاستعمار البريطاني أو ما يسمى بالراج البريطاني تعاني من تقسيمات كبيرة في تركيبتها المجتمعية، جعلتها أكثر عرضة للتوتر الشعبي والتفرقة والأزمات. وقد انقسمت الهند البريطانية بموجب هذا النظام الذي غرسه الاستعمار إلى فئتين: هما فارنا وجاتي.حسب نظام أو فئة فارنا، يمكننا تقسيم الهنود في ما بينهم إلى رجال دين أو معلمين، حكام ومحاربين، حرفيين، خدم وعمال. لكنك لا تولد بنفس التصنيف إن كنت من بين الثلاث طبقات المذكورة أولًا بل تصبح كذلك بعد البلوغ، وفي حال كنت عاملًا أو خادمًا فإنك تظل كذلك ما حييت.أما حسب النظام و الفئة الثانية جاتي، فيقسم الناس حسب مهنهم. هذا التقسيم الطبقي إضافة إلى التقسيم الطائفي الذي يحرم زواج محبَّين من طوائف مختلفة والذي يسمح أحياناً باضطهاد الطوائف الأخرى والتنكيل بها، كان سببًا في انتشار العنف والقتل وجرائم الشرف في الهند.الخاتمة:قديمًا كان أوضح تجليّات الطبقية الاجتماعية والاقتصادية هي استعباد الناس وتكريسهم للقيام بواجبات وأعمال شاقة، واليوم صارت الطبقية تظهر بنفس الملامح ونفس البشاعة ولكن من خلال استعباد الأموال للعمال في ظل نظام رأسمالي كبير.اقرأ أيضًا: الأخ الأكبر يراقبك: ما الذي تعرفه عن ديستوبيا 1984؟