دراسة جديدة تشكك في الحدود المفترضة لعمر الإنسان

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  24-02-2019
دراسة جديدة تشكك في الحدود المفترضة لعمر الإنسان

ما هو العمر الذي يمكننا الوصول إليه حقاً؟
عاشت جين لويز كالمون 122 عاماً و 164 يوماً، وهو أكبر عمر موثق يصل إليه أي شخص عبر التاريخ. وكانت كالمون توحي في مقابلاتها بطابع الشخص المئوي ذي المعنويات العالية، حيث قالت للصحفيين لدى إتمامها عامها الـ 110: "لم تظهر عليّ سوى تجعيدة واحدة طوال عمري، وأنا أحاول تجاهل الموضوع".
توفيت كالمون عام 1997 في مدينة آرل الفرنسية، والتي عاشت فيها قسطاً كبيراً من حياة بلغت من الطول حداً يثير الإعجاب، فوفقاً للسجلات الدقيقة لم يعش أي شخص آخر أكثر من 120 سنة.
وتُعدّ مسألة وجود حد أقصى للعمر البشري من عدمه قديمةً قدم الزمان، وقد تناولها مختص في التأمين يدعى بينجامين غومبيرتز Benjamin Gompertz الذي قدم عام 1825 فرضية تقول بأن معدلات الوفاة تتسارع بشكل أسي مع التقدم بالعمر.
ووفقاً لهذه الفرضية التي تُعرف بقانون غومبيرتز، فإن احتمالات الوفاة تتضاعف كل ثماني سنوات، ويبدو أن هذه القاعدة صحيحة بين الـ 30 والـ 80 من العمر، إلا أن الباحثين يختلفون فيما بينهم بشأن التغيرات التي تطرأ على معدلات الوفاة في الأعمار المتقدمة للغاية، حيث أشارت دراسة جديدة نشرت في مجلة Science إلى أن معدلات الوفاة تتباطأ فجأة في تلك الأعمار.
وتحدث أحد مؤلفي الدراسة كينيث واكتر Kenneth Wachter أستاذ فخري لعلم السكان والإحصائيات لدى جامعة كاليفورنيا بيركلي (University of California at Berkeley) عن الهدف منها قائلاً: "لقد كان الهدف هو حسم الجدال حول ما إذا كانت الوفاة لدى البشر تتخذ نمطاً مشابهاً لها لدى العديد من الأنواع الأخرى، ونعتقد أننا نجحنا في حسمه فعلاً".
فبعد أن تبين من قبل أن معدلات الوفاة تصل إلى مستوى ثابت عند عمر معين لدى حيوانات المختبر كذباب الفواكه المتوسطي والديدان الأسطوانية، توصل مؤلفو الدراسة الجديدة إلى أن معدلات الوفاة لدى البشر تتسارع وصولاً إلى عمر 80، ثم تتباطأ لتثبت عند سوية محددة بين عمر 105 و110، وهكذا، فإن قانون غومبيرتز ينتهي بخط مستقيم وفقاً لهذه النظرية.
ولكي نكون واضحين تماماً، يدور الحديث هنا عن تسارع معدلات الوفيات، لا عن احتمالات الوفاة بحد ذاتها، إذ إن الأخيرة تبقى غير مبشرة، وتظهر الإحصائيات أن 2 فقط من كل 100,000 امرأة تعيشان حتى عمر 110 سنوات، أما عند الرجال فإن النسبة ذاتها تبلغ 2 بين كل 1,000,000 فقط.
ووفقاً للدراسة الجديدة، فإن الإنسان إذا وصل إلى عمر 105، فإن احتمال وصوله إلى عمر 106 يقارب 50% في المئة، وكذلك الأمر بين 106 و107، ثم 108 و109 و110.
أُجرِي البحث بقيادة إليزابيتا باربي Elisabetta Barbi من جامعة سابيينتزا روما (Sapienza University of Rome) إلى جانب خبراء في المعهد الإيطالي الوطني للإحصائيات، وتم من خلاله تعقب كل شخص في إيطاليا ولد بين عامي 1896 و1919 ووصل إلى عمر 105 أو أكثر، حيث ضمت الفئة المذكورة 3,836 شخصاً، منهم 3,373 من النساء و463 من الرجال.
ويتفوق السجل الوطني الإيطالي على بيانات الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة من حيث دقة المعلومات، ذلك أنه يطلب تحديثات سنوية من المواطنين، ولذا يقول واكتر إن "إيطاليا هي على الأرجح أفضل مصدر للبيانات بين أيدينا".
وقد أشاد هولغر روتزن Holger Rootzen عالم الإحصائيات لدى جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد (Chalmers University of Technology in Sweden) بالدراسة قائلاً إنها تقدم "تحليلاً جيداً ومدروساً بعناية"، والذي يكشف أن معدلات الوفاة تتوقف عن الزيادة في السنوات ما بين 105 و110 من العمر.
وعكف روتزن على دراسة بيانات مشابهة متعلقة بمدة الحياة من اليابان والدول الغربية، والتي جمعها معهد ماكس بلانك للأبحاث السكانية (Max Planck Institute for Demographic Research) ليتوصل إلى نفي وجود حد واضح للعمر البشري، وهو ما خلصت إليه دراسة نُشِرت في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي في مجلة (Extremes)، وتنبأ روتزن أننا قد نشهد خلال ربع القرن المقبل وصول شخص ما إلى عمر 128 عاماً.
وكان باحثون لدى كلية آلبرت آينشتاين للطب (Albert Einstein College of Medicine) قد قالوا في دراسة لهم نُشِرت في مجلة Nature قبل عامين، إن هناك حداً أقصى للعمر البشري يُقدر بنحو 115 عاماً مستندين في فرضيتهم إلى بيانات الأعمار التي جمعوها من 40 دولة وفقاً لما أوردته صحيفة الواشنطن بوست، وفي رأي هؤلاء الباحثين، فإن طول حياة كالمون كان مجرد مصادفة محظوظة.
وفي تعليقه على الدراسة الجديدة قال براندون ميلولاند  Brandon Milhollandالذي شارك في دراسة مجلة Nature كطالب دكتوراه، إنه "من المستبعد جداً" أن يتوقف المنحنى البياني لمعدلات الوفاة عن الزيادة بهذا الشكل المفاجئ والواضح، مضيفاً أن "هناك خيارات أخرى إلى جانب هذين الخيارين [أي قانون غومبيرتز والخط الثابت]".
كما وصف يان فايج Jan Vijg عالم الوراثة لدى كلية آلبرت آينشتاين للطب وزميل ميلولاند في دراسة مجلة Nature، الخيار بين الخط الثابت وبين قانون غومبيرتز بأنه "ديكوتومية dichotomy خاطئة"، أي أن وقوفنا أمام هذين الخيارين فقط واقتصارنا عليهما هو أمر خاطئ.
ووافق ميلولاند زميله الرأي قائلاً: "إن أعمدة الخطأ في دراستهم كبيرة"، وهو ما يفتح الباب أمام الخطوط البيانية شديدة الانحدار، والتي تمثل البيانات الإيطالية، أن تأخذ شكلاً مقوساً، إلا أن ميلولاند أكد في الوقت نفسه أن قانون غومبيرتز لا بد له أن ينتهي، لأن معدلات الوفاة لا يمكننها أن تتضاعف إلى أكثر من 100%، ومع ذلك، فإن الدراسة الجديدة لم تقنعه بأن معدلات الوفاة تتوقف عن الزيادة عند وصولها إلى 50 في المئة.
وعلى المقلب الآخر، شكك روتزن في صحة الاستنتاجات التي توصلت إليها دراسة مجلة Nature والتي افترضت وجود حد معين لعمر الإنسان، لافتاً إلى أن مؤلفي الدراسة قد ارتكبوا خطأ إحصائياً: فمع أن احتمالات تجاوز 115 من العمر منخفضة بالفعل، إلا أن هذا لا يعني وجود حد للعمر على حد تعبيره.
وعبر روتزن عن فكرته مستخدماً مثال تصويب الأسهم إلى اللوحة الهدف، حيث أن الشخص قد لا يصيب منتصف الهدف من 10 محاولات، إلا أن احتمالات نجاحه في ذلك ترتفع عندما يقوم برمي آلاف الأسهم.
وانتقد روتزن مؤلفي دراسة مجلة Nature قائلاً إنهم "ببساطة لا يفهمون الفكرة التي تقول بأن إجراء المزيد من المحاولات يؤدي إلى ارتفاع نسبة تحقق الحدث المدروس" سواء كان ذلك رمي عدد أكبر من الأسهم أو وصول عدد أكبر من الأشخاص إلى أعمار متقدمة للغاية.
وعلى هذا الصعيد، تشهد أعداد الأشخاص الذين يبلغون عمراً متقدماً للغاية تزايداً مستمراً، فعلى سبيل المثال وصل أربعة أشخاص من المولودين عام 1896 في إيطاليا إلى عمر 105 أو أكثر، فيما وصل أكثر من 600 شخص من المولودين عام 1910 إلى العمر المذكور.
وفسر واكتر ذلك بتناقص معدلات وفيات الرضع في إيطاليا بين عامي 1896 و1910، وتحسُّن الرعاية التي يتلقاها المسنون في الثمانينات والتسعينات من أعمارهم مع تقدم السنين، وهو ما سمح بانضمام المزيد من الأعضاء إلى "نادي المئوية".
واختتم واكتر حديثه بالقول: "إذا توصلنا إلى فهم العلاقات المتبادلة بين إرثنا الجينومي وكافة العوامل العملية الأخرى التي حظيت بدراسة وافية كالتغذية والسلوك، عندها سنفهم سر قدرة هؤلاء الأشخاص على الوصول إلى الثمانينات والتسعينات من عمرهم ومن ثم سنستطيع تمديدها".
وحتى الآن، فإن أكبر الأشخاص سناً بيننا ينتمون إلى خلفيات حياتية متنوعة، وهو ما يعلق عليه روتزن بالقول: "إن التوصيات المتعلقة بنمط الحياة كضرورة ممارسة الرياضة، وتناول أطعمة معينة وتجنب أخرى، تتمتع بفعالية كبيرة في الأعمار الصغيرة، ولكن لا يبدو أنها تلعب أي دور في الأعمار المتقدمة".
وللأمانة، فإن كالمون نفسها قالت إنها ظلت تدخن لفافتين يومياً حتى عمر 119، ثم أقلعت عن التدخين لأن بصرها بات ضعيفاً إلى درجة لا تسمح لها بإشعال السجائر!