كيف كانت أخلاق الرسول

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ١٢:١٠ ، ٢ أبريل ٢٠٢٠
كيف كانت أخلاق الرسول

حثّ الرسول على حسن الخلق

ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في حُسن الخُلق، وقد بيّن -عليه الصلاة والسلام- أن بعثته كانت لإتمام مكارم الأخلاق، حيث قال: (إنما بُعثت لِأُتمِّم صالح الأخلاق)،[1] وشهد الله -تعالى- لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعظم الأخلاق، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[2] وممّا ينبغي الإشارة إليه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر أصحابه بمخالقة النّاس بخلقٍ حسنٍ، مصداقاً لما رواه أبو ذرٍ -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (اتَّقِ اللَّه حيثُ ما كنت، وأتبع السَّيِّئة الحسنة تمحها، وخالق النَّاس بخلقٍ حسنٍ)،[3][4] وقد وصف الصحابة -رضي الله عنهم- عِظم أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّنوا أنه كان أحسن الناس خلقاً، مصداقاً لما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنُ الناسِ خُلُقًا)،[5] بالإضافة إلى ما رُوي عن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- أنها قالت: (ما رأيت أحدًا أحسنَ خلُقًا من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).[6][7]

ولما سُئِلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: (كان خلقُه القرآنَ)،[8] ويدل قول أم المؤمنين أن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت الالتزام بما أمر الله -تعالى- به في القرآن الكريم، واجتناب ما نهى عنه، والتحلي بالأخلاق الحميدة التي مدح الله -تعالى- أصحابها، والبعد عن الأخلاق التي ذمّ أهلها، كما قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل".[7]

أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم

الصدق والأمانة


ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الصدق والأمانة، فقد لقّبته قريش بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان أهل مكّة يأتمنونه على أسرارهم، وحوائجهم، وأموالهم، ولما بعثه الله -تعالى- وأمره بتبليغ الرسالة صعد -عليه الصلاة والسلام- على جبل الصفا، ونادى في قريشٍ قائلاً: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟، قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا)،[9] بل حتى أن ألدّ أعدائه شهدوا له بالصدق، كما حصل عندما قام النضر بن الحارث خطيباً في زعماء قريش، وعلى الرغم من عداوة أبي سفيان الشديدة له في بداية الدعوة؛ إلا أنه لم يستطع أن يخفي هذه الصفة، حيث سأله هرقل عن صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا: (هَل كُنتُم تَتَّهِمونَه بِالكَذبِ قَبل أنْ يَقولَ ما قال؟ فزَعمتَ -أي أبو سفيان- أنْ لا، فعرَفتُ -أي هرقل- أنَّه لَم يَكُنْ لِيدَعَ الكَذِبَ على النَّاسِ، ثُمَّ يَذهَبَ فيَكذِبَ على اللهِ)،[10] وقد وصف الله -تعالى- نبيّه -عليه الصلاة والسلام- بالصدق حيث قال: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).[11][12][13]

وقد بيّن أهل العلم أن الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم، والصدق هو القرآن الكريم، ومن الجدير بالذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحثّ الأمّة من بعده على التحلّي بخلق الصدق، فقد رُوي عنه أنه قال: (علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ)،[14][12] ومن أهم الصفات التي عُرف بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمانة، فقد كان يُلقب في قومه قبل البعثة بالأمين، وكان سبب زواجه بخديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- ما بلغها عن صفاته الخُلقية؛ وأهمها الأمانة، وقد تجلت هذه الصفة الخُلقية العظيمة في كل مراحل حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى في أصعب الظروف وأحلك الأوقات، فعندما قرّر -عليه الصلاة والسلام- الخروج من مكة متخفّياً في الليل مهاجراً إلى المدينة المنورة، أمر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالبقاء خلفه في مكة ليردّ الأمانات والودائع التي كانت قريش قد وضعتها عنده على الرغم من عداوتهم له.[15]

الرحمة


كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بأمّته، وكُتب السيرة والتاريخ مليئةٌ بالمواقف التي تبيّن رحمة النبي -عليه الصلاة والسلام- وعطفه على المسلمين، وقد شهد الله -تعالى- لنبيّه -عليه الصلاة والسلام- في القرآن الكريم بصفة الرحمة، حيث قال: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ)،[16] وقد فاقت رحمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل أحدٍ حتى وصفه الله -تعالى- بأنه أولى من المؤمنين بأنفسهم، حيث قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ).[17][18]

العدل


ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في العدل، حيث أقام شرع الله -تعالى- على القريب والبعيد، وعندما سرقت المرأة المخزومية، وحاول أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، تغيّر وجهه -عليه الصلاة والسلام- وقال: (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها)،[19] وغيرها الكثير من المواقف التي تدلّ على أن العدل من صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأصيلة، بالإضافة إلى عدله -عليه الصلاة والسلام- بين زوجاته، وتحمّله لما قد يقع من بعضهنّ من الغيرة.[20]

الحلم


كان الحلم من الأخلاق المتجذّرة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب السيرة النبوية مليئةٌ بالمواقف التي تدلّ على ذلك، ومنها قصّة الأعرابي الذي جذب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ردائه جذبةً شديدة أثّرت في عاتقه الشريف، وقال له: "يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك"، فما كان من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أن التفت إليه، ثم ضحك، وأمر له بعطاء، ومما يدلّ على عِظم حلمه -عليه الصلاة والسلام- عفوه عن المرأة اليهودية التي حاولت قتله بالشاة المسمومة، وعن اليهودي الذي سحره، وعن المشركين الذين أُسروا يوم الحديبية.[21]

الشجاعة


الشجاعة من أعظم الأخلاق التي يتحلّى بها الرجال الأقوياء الذين تقوم على أكتافهم الأمم، والذين لا يعرفون طعم الخوف والخور، وقد أثنى الله -تعالى- على المؤمن القوي، حيث إنه أحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وتجدر الإشارة إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان مثالاً يُقتدى به في الشجاعة والثبات، ومن المواقف التي تدلّ على ذلك ثباته -عليه الصلاة والسلام- في وجه جيوش الكفر وقادة الظلال، فيوم حُنينٍ لمّا اختلطت صفوف المسلمين وفرّ بعضهم من أرض المعركة، ثبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثبات الشجعان، وأخذ ينادي في الصفوف قائلاً: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ)،[22] وكذلك الأمر يوم أُحد لما خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانقلبت أحداث المعركة واضطرب جيش المسلمين وأخذوا ينسحبون من أرض المعركة، ثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجه المشركين وحوله ثلّة قليلة من الصحابة رضي الله عنهم، ومن بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فكان -عليه الصلاة والسلام- يقول له: (ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي).[23][24] وقد سجّل التاريخ فرار الأعداء وأشد الخصوم من أمامه في الكثير من المواقف الحاسمة، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يتصدّى للمصاعب بإيمانٍ راسخ، وقلبٍ ثابتٍ، حتى إنّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يقول: (كنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القوم، اتَّقَينا برسولِ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، فما يكون منَّا أحدٌ أدنا مِنَ القومِ منهُ).[25][26]

ومن المواقف التي تدل على أن الشجاعة من صفات النبي -عليه الصلاة والسلام- الخُلقية، نصرته للمظلوم ووقوفه في وجه الظالم، على رغم من قسوة الظَلَمة في ذلك الوقت بالتحديد، فقد رُوي في سيرة ابن هشام أن رجلاً من إراش جاء إلى مكة ومعه إبل يريد أن يتاجر بها، فاشتراها منه أبو جهل، ثم ماطله في دفع ثمنها، ولما طال الوقت ولم يدفع أبوجهل المال، استغاث الرجل بأهل مكة ليردّوا له مظلمته، فلم يغيثه أحد، فالكل يخشى بطش أبوجهل وقوّته، ثم أشار بعض رجال قريش على الرجل بأن يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما فعلوا ذلك إلا استهزاءً، حيث إنهم يعلمون العداوة التي بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي جهل.[27]

فذهب الرجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه)، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه الرجل وتوجّه إلى دار أبي جهل وطرق عليه الباب، فقال: من هذا؟ فأجابه، ثم طلب منه الخروج إليه، فخرج أبو جهل مسرعاً قد انتقع لونه من الخوف، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يعيد للرجل حقه، فقال: (نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له)، فدخل مسرعاً وخرج بحق الرجل، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحق الإراشي بقومه.[27]

التواضع


كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في التواضع، فعلى الرغم من عِظم مكانته ورِفعة منزلته إلا أنه كان أبعد الناس عن الكبر والبطر، حيث كان -عليه الصلاة والسلام- يخفض جناحه لأصحابه رضي الله عنهم، ويجلس بينهم كواحدٍ منهم، حتى كان يأتي الرجل الغريب فلا يميّزه من بينهم حتى يسأل عنه، مصداقاً لما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ، فطلَبْنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أن نَجْعَلَ له مجلسًا يَعْرِفُه الغريبُ إذا أتاه)،[28][29] وفي أحد الأيام جاء رجل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال له: (يا محمَّدُ، يا سيِّدَنا وابنَ سيِّدِنا، وخيرَنا وابنَ خيرِنا)، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا أيُّها النَّاسُ، عليكم بِتَقْواكم، لا يَستَهْويَنَّكمُ الشَّيطانُ، أنا محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، عبدُ اللهِ ورسولُه، واللهِ ما أُحِبُّ أنْ تَرفعوني فوقَ مَنزلتي التي أنزَلَني اللهُ).[30][31]


الكرم


ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الجود والكرم، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، ورُوي أنه كان يعطي بسخاءٍ من غير أن يخشى الفقر، أو يحسب له حساباً، وقد ربّى الصحابة -رضي الله عنهم- على خلق الجود والكرم، ووردت الكثير من الأحاديث التي تدلّ على ذلك، ومنها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لَوْ كانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، وعِندِي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ).[32][33]

الحياء


كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياءً، وقد وصف الصحابة رضي الله عنهم حياء النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه أشد من حياء الفتاة في بيت أهلها، حيث قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ حَياءً مِن العَذْراءِ في خِدْرِها)،[34] ومن المواقف التي تدل على أن الحياء من الصفات الخُلقية المتأصّلة في شخصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياؤه من الله عز وجل، وذلك لمّا أشار عليه موسى -عليه السلام- بالرجوع إلى ربه -سبحانه وتعالى- في مسألة تخفيف الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لموسى عليه السلام: (قد استحييتُ من رَبّى)،[35] ومن المواقف التي دلّت على حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن قصة زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من زينب بنت جحش رضي الله عنها، حيث تفرق أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- بعد تناولهم الطعام في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي ثلاثة منهم يتبادلون الحديث، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يرغب بخروجهم، ولكن حياءه منعه من إشعارهم بشيء من ذلك، وتركهم يُكملون ما هم فيه، حتى تولى الله -عز وجل- بيان ذلك، فأُنزل قوله تعالى: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ).[36][37]

الزهد


إن من صفات الرسول العظيمة الزهد في الدنيا، والرضى بما يقيم الصلب من الطعام والشراب، والصبر على قساوة العيش؛ فعلى الرغم من كونه سيد الأنبياء والمرسلين، إلا أن طعامه كان التمر والشعير، وكان يمضي الشهر والشهرين ولا توقد النار في بيته ويكتفي أهل بيته بالتمر والماء مصداقاً لما روي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (إن كنا آل َمحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنمكثُ شهراً ما نستوقد بنارٍ، إن هو إلا التمرُ والماءُ)،[38] وكان يجوع حتى يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، مصداقاً لما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قال: (لقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يظلُّ اليومَ يلْتَوي، ما يجدُ دَقَلاً يملأُ به بطنَه)،[39] ولو أراد لأكل أفضل الطعام فقد حُملت إليه الأموال ولكنه لم يبقي لنفسه منها شيئاً وإنما كان يُنفقها كلها في سبيل الله، وكان ينام على الحصير، ووسادته محشوة بالليف، ولباسه البُرد الغليظ، ولو أراد أن يلبس أجمل الثياب، ويعيش في رغد ونعيم الحياة لفعل، ولكنه اختار الزهد في الدنيا لأن هدفه ما عند الله تعالى.[40]

الصبر


كان النبي الكريم أصبر الناس على الأذى، وكان يناله من الأذى ما ينال أصحابه في بداية البعثة في مكة المكرمة؛ فلا يصدّه ذلك عن دعوة الحقّ شيئاً، بل يزداد ثباتاً وجلداً وصبراً، فكان الصبر درعه المتين، يتحصّن به مستذكراً دعوة المولى -عز وجلّ- له بالتزام هذا الخلق العظيم، حيث قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)،[41] وكلمّا احتشدتْ عليه الخطوب والكروب تسلّح بقول المولى -سبحانه-: (فَاصْبِرْ كَمَاصَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).[42][43]

المراجع