ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  2020/10/24
ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!

ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… فهناك تحت المجهر يسكن عالم آخر، بين لحظة وأخرى نفس وآخر أنت تستنشق أعداد مهولة من أفراده فهو يسكن ذرات الهواء، يسكن الماء واليابس، يعيش في الجليد حيث البرودة القارصة وحتى باطن الأرض على حرارته وتوهجه، يمرضنا أو حتى يقتلنا أو يتسبب بوعكة خفيفة، تقوم عليه صناعات فتسبب في أرباح طائلة أو يتسرب بالخطأ لصناعات أخرى فيتسبب في خسائر فادحة، عالم يسكننا، يسكن معدتنا وأمعائنا، يسكن أنفاسنا، ويملأ كل مليمتر من جلدنا ولا تكتمل حياتنا ولا تفاعلاتنا الحيوية دونه! إنّه عالم الأحياء الدقيقة… عالم الميكروبات؛ الآن سآخذكم في جولة نتعرف من خلالها على أهم أفراد الميكروبيولوجي لنميز بين كائن وآخر، دعونا نضبط عدستنا ولنبدأ الرحلة…


مبدئيًا معنا قسمين من الكائنات الحية الدقيقة على وجه الكرة الأرضية:


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!


  • بدائية: وتكون المادة الوراثية لها منتشرة داخل الخلية في السيتوبلازم، كالبكتيريا.

  • حقيقية النواة: وفيها تسبح النواة بداخلها المادة الوراثية في السيتوبلازم. ككل باقي الأحياء الدقيقة ما عدا الفيروسات!

البكتيريا (أول أشكال الحياة على الأرض)


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!


في ذلك اليوم الذي نسيت به أنّ تنظف أسنانك، شرعت أعداد مهولة من كائنات بدائية وحيدة الخلية بأشكال متنوعة (عصوية – كروية – حلزونية) في التكاثر لتكوين مستعمراتها آملة في احتلال فمك، ظهرت البكتيريا لأول مرة على كوكب الأرض من حوالي 3.5 إلى 4 بليون سنة، لتكون بذلك أول أشكال الحياة على الأرض.


ولأنّ الخلية البكتيرية اعتادت على العيش وحيدة بمفردها، نجدها مستقلة معتمدة على ذاتها، إلاّ أنّها أكثر تعقيدًا في تركيبها من الخلية البشرية مثلًا، فهي تتكون من: غشاء خلوي بتصميم خاص لحماية أكبر، سيتوبلازم تنتشر به المادة الوراثية للخلية، وأحيانًا ما تحتوي على سوط أو أكثر من أجل الحركة، وشعر قصير كالعصا الصمغية يساعد البكتيريا على الالتصاق ببعضها أو بالخلايا والأسطح الأخرى يسمى بيللي أو فيمبيرلا، وغالبًا ما تحيط نفسها من الخارج بالكبسولة وهي مادة مخاطية تعتبر بمثابة درع حماية تلجأ إليه بعض أنواع البكتيريا للتغلب على المقاومة الحيوية.


البكتيريا على ضآلة حجمها الذي لا يتجاوز (0.2 : 10 مايكرومتر) لها دور كبير وتؤثر في شتى أمور الحياة، فهي توجد في كل مكان حولنا، تدخل في صناعات كالأوراق وأطعمة كالأجبان، وتتسبب في إفساد وتسمم أخرى، في المعدة تساعد على الهضم، وتساعد بعض أنواع النباتات في تثبيت النيتروجين، يتسبب بعضها في الإصابة بالأمراض لتأتي أخرى بمضادات حيوية لعلاجها؛ إلاّ أنّ نسبة البكتيريا المسببة للأمراض لا تتعدى الـ 1%، فعندما تدخل بكتيريا ممرضة الجسم، تتكاثر سريعًا وتفرز مواد كيميائية (إنزيمات) تحلل أو حتى تدمر خلايا معينة، أو تتسبب في تغيير نشاطها الحيوي، كتلك البكتيريا المحللة التي تتآمر من أجل تسوس أسنانك.


كما أنّ هناك طائفة من البكتيريا لها القدرة على تحمل الظروف شديدة القسوة فتجدها تعيش وتنمو في الجليد، أو حتى الحمم البركانية والينابيع الساخنة التي تتعدى درجة غليان الماء، تسمي (آركيا).


البروتوزوا


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!


كائنات وحيدة الخلية غير ذاتية التغذية أي أنّها تحصل على غذائها من البيئة المحيطة، وهي تعيش في بيئات مختلفة كالمياه العذبة أو المالحة وحتى التربة…


البروتوزوا متنوعة للغاية، فهي تختلف في الشكل والحجم والطريقة التي تتغذى وتتحرك بها، مما جعل العلماء يقسمونها إلى أربعة أنواع بهذا الشكل:


كاذبات الأرجل (الأميبا): ذلك أنّ أجزاء منها تتمدد كالأرجل لتلتف بالغذاء بشكل كامل إلى أن يصبح بداخلها، فتقوم إنزيمات خاصة بهضمه لتحصل الأميبا على الطاقة اللازمة للحركة مرة أخرى.


ذوات الأهداب: وتكون محاطة بالكامل من الخارج بشعيرات قصيرة جدًا وهي موجودة من أجل الحركة.


ذوات الأسواط: يحتوي جسمها على سوط أو أكثر لتساعدها على التحرك بسرعة، والسوط أطول من الأهداب.


متجرثمة: وهي لا تمتلك أسواط أو أهداب ولا تستطيع التمدد بجسمها كالأميبا. لذا، فهي طفيل لا يكون حيًا إلاّ داخل العائل، وليست لها أي فائدة فهي في أغلب الأحوال تتسبب في أمراض خطيرة.


الطحالب (ليست كلها كائنات دقيقة)


https://static.arageek.com/wp-content/uploads/الطحالب.jpg


تنتمي لعائلة الطلائعيات أو الأوليات مع البروتوزوا، وعلى عكس البكتيريا والفيروسات فهي تحتوي على نواة، وعلى خلاف كل باقي الأحياء الدقيقة فهي لديها الكلوروفيل الذي يمكنها من القيام بعملية البناء الضوئي أي إنّها ذاتية التغذية كالنباتات.


متنوعة للغاية في الشكل من حيث التركيب أو الحجم، فمنها ما هو لا يرى بالعين المجردة وحيد الخلية كطحلب الكلاميدوموناس الذي يوجد في البرك والمياه العذبة، أو يوجد مصطفًا في خيوط رفيعة طويلة، أو يتجمع ليكون مستعمرات مستديرة كالفولفوكس، ومنها ما هو عملاق عديد الخلايا كعشب البحر أو الكيلبس التي قد يبلغ طولها 60 متر. لذا، فليست كل الطحالب كائنات دقيقة.


الطحالب هي ذلك الغطاء الأخضر الذي يغطي لحاء الأشجار، وأسطح الحيطان الرطبة، والأحجار المبللة والتربة، أو حتى يطفو على أسطح مياه البحار والأنهار فيمد الأسماك والكائنات الحية بها بالأكسجين اللازم لتنفسها من خلال عملية البناء الضوئي.


الفطريات


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!


أليس من المثير للدهشة إنّنا نستخدم فطر لرفع الخبز، ليأتي فطر آخر إذ هو ترك في العراء ليسبب تعفنه؟!


الفطريات ثلاثة أنواع:


فهي إمّا صغيرة لا ترى بالعين المجردة وحيدة الخلية، أو في مستعمرات كالخمائر التي نستخدمها في صناعة المخبوزات وأقراص الفايتامينات وغيرها، كما أنّ بعض الخمائر تسبب الأمراض والالتهابات كعدوى فطر الكانديدا الشهيرة، وبإمكان الخمائر التنفس في وجود أو غياب الأكسجين.


وإمّا أعفان عديدة الخلايا كالتي توجد على الخبز وهي تنشأ من خيوط دقيقة، والتي ما إن حان وقت التكاثر سرعان ما تتحول لكيس مليء بالجراثيم محمول على عصا أو حامل جرثومي، إلى أن ينفجر الكيس وتنمو كل جرثومة وبعد عدة مراحل أكثر تعقيدًا يتكون لدينا فطر جديد، والأعفان منها ما هو ضار يسبب أمراض، ومنها ما هو مفيد كالبنسيليوم الذي ينتج منه البنسلين.


أو كالنوع الثالث والأخير ينشأ من خيوط دقيقة كالأعفان تنمو شيئًا فشيئًا، وتصل إلى أحجام يمكن رؤيتها كالفطر، أو المشروم الذي ينتج ملايين الجراثيم الميكروسكوبية (سهلة الانتشار) لا تلبث أن تنبت إلى فطر من جديد هي الأخرى متى وجدت الوسط الملائم، والفطر أيضًا منه ما هو صالح للأكل ومنه ما هو سام.


والفطريات بوجه عام سريعة الانتشار فهي بإمكانها أن تنمو من أحد الخيوط الدقيقة، أو حتى جرثومة لتعطي فطر جديد.


الفيروس (كائن بدوام جزئي)


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!


ذلك الكائن المتسبب في عدد مهول من الأمراض لكلًا من النبات والحيوان والإنسان، جعلته الأخير ذلك أنّني أعتبره كائنًا بدوام جزئي، فهو مختلف تمامًا عن بقية الميكروبات، حتى أنّ البعض لا يعتبره كائنًا حيًا من الأساس إنّما جزء معدي لا ينشط إلاّ داخل خلية العائل، والفيروسات على اختلاف أشكالها (عصوية أو كروية) لها تركيب بسيط جدًا فهي تتكون من مادة وراثية محاطة بغلاف بروتيني.


الفيروس شديد التخصص فلا تحدث الإصابة بالفيروس إلاّ عندما يجد عائله الخاص فيتعرف عليه بواسطة مستقبلات خاصة، يقترب منه ويتشبث به ليفتح الغلاف البروتيني ويقذف مادته الوراثية بالخلية المضيفة، ومن ثم تتحكم المادة الوراثية للفيروس بجميع نشاطات الخلية وتسخرها لإنتاج أجزاء الفيروس، وعلى الرغم من خطورته وسرعة انتشاره؛ فلأنّه لا يعتبر كائن حي نحن لا نستطيع معاملته بالمضادات الحيوية كالبكتيريا والفطريات، فالفيروسات لا يمكن القضاء عليها إنّما هناك مضادات فيروسية تمنع تكاثر الفيروسات بمنعها من دخول الخلايا المضيفة، إلاّ أنّه في بعض حالات الإصابة الفيروسية يصف الطبيب المعالج مضادات حيوية، ذلك أنّ عدوى الفيروس تضعف مناعة الجسم أمام البكتيريا أيضًا!


الفيروس أبسط أشكال الحياة وأصغر الميكروبات، حجمه لا يتجاوز (0.001 مايكرومتر) أي أنّه أصغر من 10:100 مرة من حجم البكتيريا. لذا، لا يمكن الحصول عليه بالطرق الميكانيكية حيث أنّه يمر عبر ثقوب فلتر سيتز الذي يستخدم لفلترة خلايا البكتيريا، إنّما يمكننا الاستدلال عليه من خلال ملاحظة قتله خلايا العائل كالبكتيريوفاج، أو ملتهمات البكتيريا الذي نستدل عليه من البقع التي تتكون عند قتلها مجموعة خلايا بكتيرية في طبق مليء بالبكتيريا.


الفيروسات ليس منها ما هو نافع وما هو ضار فجميعها ضار بنسب مختلفة (كفيروس الإنفلونزا في مقابل فيروس الإيدز أو نقص المناعة المكتسبة) فكلمة فيروس في حد ذاتها هي كلمة لاتينية تعني السم، وعلم الفيرولوجي يهتم بدراسة الفيروسات منفصلة عن علم الميكروبيولوجي أو الأحياء الدقيقة.


الجراثيم


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!


لا يصح بأي حال من الأحوال اعتبارها مجموعة منفصلة من الكائنات الدقيقة؛ ذلك أنّنا نطلق كلمة جرثومة على الطور الكامن أو الخلية المقاومة لأي كائن دقيق (بكتيريا، فطر، فيروس)، والتي تنتج عند تغير الظروف البيئية للكائن لظروف غير ملائمة له ولنموه وتكاثره، فنجد الكائن يلجأ لأن يحيط نفسه بجدار سميك لحمايته، ويوقف كل أنشطته الحيوية ليدخل في طور كامن دقيق الحجم حتى تحسن الظروف، وهنا لا تلبث الجرثومة أن تنبت من جديد إلى كائن كامل يستطيع مباشرة وظائفه الحيوية بالضبط كما السابق.


الآن بعد أن أخذنا نظرة سريعة على عالم ما وراء الميكروسكوب الممتع المليء بالأكشن، أعتقد أنّه قد اتضح لنا جميعًا كم بإمكانها أن تكون شرسة تلك الكائنات الدقيقة، كنا صغارًا فيقولون أمامنا البقاء للأقوى وفورًا يتبادر إلى أذهاننا الأسد ملك الغابة؛ لكن ماذا عما يمكنه أن يقتل الأسد ولا يقتله الأسد؟ وماذا عما يتسبب في سقوط أقوى وأعتق الأشجار! ماذا عما يمكنه أن يقتلك أنت ويدمر جهازك المناعي ولا تستطيع أن تفعل شيئًا حياله، فالبقاء ليس للأقوى إنّما للأذكى والأقدر على استغلال إمكانياته، اتقوا شر من اقترب من الأرض مرة، واتقوا شر ما لا ترونه ألف مرة، ولا تستهينوا بعالم الدقائق ؛)


ليس كل ما لا نراه يمكننا إهماله… عالم ما وراء الميكروسكوب!