كيف تحقق الإخلاص لله

معلومات عامة  -  بواسطة:   اخر تحديث:  ١٣:٥٠ ، ٢٦ مايو ٢٠٢٠
كيف تحقق الإخلاص لله

الإخلاص لله

يعدّ الإخلاص لله -سبحانه- أصلٌ أصيل في دين الإسلام، وهو كذلك أهمّ عملٍ من أعمال القلوب التي يقتضيها الإيمان بالله تعالى، أمّا أعمال الجوارح فقبولها تابع لسلامة النيّة، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء"، ولذا كان الإخلاص لله تعالى يمثّل حقيقة الدين وشعار المتقين، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)،[1][2] ومن هنا كان الإخلاص لله -سبحانه- شرطٌ من شروط قبول العمل من العبد؛ أي أنّ العمل لا يُردّ إن كانت تقوى الله والإخلاص له الأساس فيه، كما أنّ قبول العمل لا يرتبط بقدره، فقد يكون العمل كثيراً إلّا أنه لا يُقبل لعدم الإخلاص فيه، وقد يكون بسيطاً ويُقبل للإخلاص فيه، ولذلك يجدر بالعبد ألّا يزهد في أعماله مهما كانت بسيطةً.[3]

كيفية تحقيق الإخلاص لله

يمكن تحقيق إخلاص النية لله -تعالى- في سائر الأفعال والأقوال بالعديد من الأمور، يُذكر منها ما يأتي:[4]

  • محاسبة النفس؛ وتكون بمحاسبة العبد نفسه باستمرارٍ وخاصةً قبل القيام بالأمر، فينظر العبد في الأسباب التي تدفعه للإتيان بالعمل، فإن كانت حسنةً فلا بأس من القيام به، وإلّا فلا يؤدّيه.

  • تربية النفس بالحرص على أداء بعض العبادات دون أن يعلم بها أحداً من العباد، فتكون بين العبد وربه فقط، كما أن إخفاء العبادة والحرص على الإسرار بها، وتجنّب الحديث عنها يجعل العبد بعيداً عن الوقوع في الرياء، وبذلك يتخلّق العبد بخُلق التواضع.

  • اليقين بالعجز عن إيفاء الله ما يستحقّه من العبادة؛ فكلّ الأعمال والعبادات والطاعات التي يؤديها العبد لا تقدّر بما يمنحه الله لعباده، إضافةً إلى أنّ الله -عز وجل- يمنح على ذلك الأجر والثواب الحسن تفضّلاً منه.

  • مراجعة العبد لعيوبه وتقصيره في أداء ما عليه من واجباتٍ وفرائض تجاه الله -تعالى-.

  • اليقين بأنّ الحياة الدنيا زائلةً، وأنّ الخلود في الحياة الآخرة، والتفكّر بالعواقب المترتبة على الرياء في الحياة الدنيا، قال -عليه الصلاة والسلام-: (من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه وجعل فقرَه بين عينَيه ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِبَ له)،[5] إضافةً إلى عواقبه في الحياة الآخرة، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن عبدٍ يقومُ في الدُّنيا مَقامَ سُمْعةٍ ورياءٍ إلَّا سمَّع اللهُ به على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ).[6]

  • تذكّر الموت وسكراته، والقبر وأحواله، واليوم الآخر وما فيه من الأهوال.

  • ترهيب النفس من الرياء، فالترهيب والتخويف من الأساليب التي تجعل العبد في مأمنٍ من الوقوع في المحذور.

  • مصاحبة المُخلصين، وبذلك يتأثر العبد من حالهم وينتهج سلوكهم.

  • استشعار عظمة وقدرة الله -تعالى- ووجوده في كلّ وقتٍ وحينٍ، فيجب أن تكون العبادة له وحده سبحانه، فبيده النفع والضر، كما أنّه يعلم السرائر والبواطن.

  • ترغيب النفس بذكر الفضائل التي ينالها العبد المُخلص، ومن تلك الفضائل: التوفيق والسداد.

  • دعاء الله والاستعانة به وطلب التوفيق منه للإخلاص والنجاة من الرياء.

  • استشعار مراقبة الله في كلّ الأحوال سراً وعلناً، وبذلك يكون رضى الله -تعالى- الغاية من كلّ ما يصدر من العبد، قال الله -تعالى-: (وَإِن تَجهَر بِالقَولِ فَإِنَّهُ يَعلَمُ السِّرَّ وَأَخفَى).[7][8]

  • اليقين بأنّ الله -تعالى- مطّلعٌ على كلّ الأعمال، وأنّ له ملائكةً موكلةً بكتابة أفعال وأقوال كلّ عبدٍ، وأنّ كل ذلك سيحاسب عليه يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).[9][8]

  • العلم بأنّ الله -تعالى- سيجازي ويحاسب كل عبدٍ يوم القيامة على ما صدر منه في الحياة الدنيا، ثمّ يتقرّر المصير بدخول الجنة أو النار، قال -تعالى-: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ).[10][8]

  • معرفة عظمة الله -تعالى- وقدرته، والعلم بأسمائه وصفاته علماً يقيناً مبنياً على فهمٍ دقيقٍ لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.[11]

  • محبة ذكر الله والرغبة به والحرص عليه، وتفضيله على سائر الكلام، قال الله -سبحانه-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).[12][11]


وإجمالاً فالعبد الذي يسعى إلى نيل الإخلاص في النية عليه النظر في البواعث والأسباب التي تدفعه لأداء العمل، والحرص على أن تكون مشروعةً وصالحةً، وبذلك ينال العبد الإخلاص في النية والصلاح في العمل، مع الحرص على عدم تغيّر وتحوّل تلك البواعث والأسباب بعد الشروع في العمل، وعدم الإشراك في النية، فعلى سبيل المثال من رغب بتلاوة القرآن الكريم يمكن له أن يُخلص في نيته بإرادة وقصد عبادة الله، وعلم الفضيلة المترتبة على قراءة القرآن، ومعرفة المنفعة من التأمّل في آيات الله والتدبّر فيها، والطمع في نيل الشفاعة يوم القيامة، واستحضار أهمية تلاوة كلام الله، وأنّه من أحبّ وأهم الأعمال التي يمكن للعبد من خلالها التقرّب من الله -تعالى-.[13]

تعريف مفهوميّ النية والإخلاص

يحتاج الكشف عن حقيقة إخلاص النية لله إلى بيان معنى كلّ من: النية والإخلاص لغةً واصطلاحاً، وتفصيل ذلك فيما يأتي:


تعريف النية


تعرّف النية في اللغة والاصطلاح كما يأتي:[14][15]
  • النية لغةً: مصدر الفعل نوى، والاسم منه النية، وتُلفظ بتشديد الياء عند أغلب أهل اللغة، ولها العديد من المعاني؛ فتَرِد بمعنى قصد الشيء، وبمعنى حفظ الشيء، كما يعني توجّه النفس نحو العمل، أو عزم وعقد القلب على العبادة، والنية هي الأمرُ الذي ينويه المرء، والذي يوجّه نفسه للقيام به، وهي القصد والهدف الذي يُذهب فيه.

  • النية اصطلاحاً: عرّفها الفقهاء بتعريفاتٍ عديدةٍ؛ فعرّفها الحنفية بأنّها قصد العبادة والتقرّب من الله -سبحانه- الذي يكون بأداء الأفعال، ويُمكن أن يكون بعدم أداء ما نُهي عنه، أمّا المالكية فعرّفوا النية بأنّها قصد الفعل وإرادته بالقلب، والعزم والإرادة عليه، وعُرّفت النية عند الشافعية بأنّها قصد وإرادة الأمر مع القيام به، وعند الحنابلة يُقصد بها العزم على أداء العبادة والطاعة التي ينال به العبد القرب من الله -تعالى-، مع عدم قصد الرياء أو السُمعة أو المدح والثناء من الناس.


تعريف الإخلاص


يعرّف الإخلاص في اللغة والاصطلاح كما يأتي:[16][17]
  • الإخلاص لغةً: من خَلَصَ يخلص خلوصاً، بمعنى الصفاء والنقاء وإزالة الشوائب، وترد بمعنى النجاة، وخلص إلى أمر؛ أي بلغه وانتهى إليه، والإخلاص في الطاعة يُقصد به انعدام الرياء فيها، وإرادة وقصد التقرّب من الله.

  • الإخلاص اصطلاحاً: توجيه القصد والعزم في العمل للتقرب من الله -سبحانه- فقط؛ طلباً للثواب وخشيةً من العقاب وطمعاً في نيل رضى الله، دون السعي في نيل السُمعة الحسنة أو الرياء.

أهمية وآثار إخلاص النية

يعدّ الإخلاص من أعمال القلوب المهمة، وتكمن أهمية أعمال القلوب في كونها الأصل في أعمال الجوارح، ومن أمثلة أعمال القلوب: محبّة الله تعالى ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، والتوكّل على الله وحده والرجاء والخوف منه، أمّا أعمال الجوارح فتابعةٌ لأعمال القلوب،[18] ولذلك فإنّ للإخلاص في النية أثراً كبيراًَ في الدنيا والآخرة، يُذكر منها:[19]

  • نيل السعادة في الحياة الدنيا والآخرة.

  • صحة العمل، فالإخلاص شرطٌ من شروط صحة الأعمال.

  • متابعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به، إذ إنّ الإخلاص من الأسباب التي تدفع إلى ذلك.

  • تحوّل الأعمال المباحة إلى عبادةٍ ينال بها العبد المُخلص الأجر والثواب من الله -تعالى-، فالنية الصالحة الصادقة تحوّل مختلف الأعمال إلى عبادةٍ.

  • السلامة من أمراض القلوب، مثل: الحسد والحقد.


ويُضاف إلى ما سبق من الآثار المترتبة على الإخلاص أنّه:[20]
  • يرفع منزلة العبد ومكانته في الحياة الدنيا والآخرة.

  • يجنّب العبد الوقوع في الأوهام والوساوس، ويفرّج كُرباته وهمومه، ويحقّق له طمأنينة القلب وسكينته.

  • يمنع من العبودية لغير الله -سبحانه-.

  • يقوّي الإيمان في قلب المُخلص.

  • نيل الأمان والهداية في الدنيا والآخرة.

حكم النية

إنّ الأعمال معتبرةٌ بالنيات، قال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)،[21] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ)،[22] ويعدّ هذا الحديث مرجعاً أصيلاً للعلماء في استنباط القاعدة الفقهية التي تنصّ على أنّ "الأمور بمقاصدها"، والحكمة من إيجاب النية تتمثّل بتمييز الأعمال والأقوال؛ أي تمييز العبادات عن العادات، وتمييز ما لله -تعالى- عن غيره.[23]

أقسام النية

تتفرّع النية إلى نوعين من حيث حكمها، وبيان النوعين فيما يأتي:[24]

  • النية المفروضة: وهي النية التي تتوقّف عليها صحة العبادات والطاعات، مثل: نية الصلاة والحج والصيام وغيرها، وعادةً تأتي هذه النية بقصد الفعل، وتكون في القلب، ولا يُشرع التلفّظ بها؛ إذ لم يرد ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى سبيل المثال: العزم على الصيام يحقّق نية الصيام.

  • النية المستحبة: وهي النية غير المفروضة، والغرض منها نيل الأجر والثواب من الله -تعالى-، وتكون في الأمور المباحة لتتحوّل إلى طاعةٍ ونافلةٍ، ومثالها: أن تكون النية من النوم كسب الراحة للقيام بالطاعات والعبادات، فقد ورد عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنّه قال: (أمَّا أنَا فأنَامُ وأَقُومُ، فأحْتَسِبُ نَوْمَتي كما أحْتَسِبُ قَوْمَتِي)،[25] أي أنّه كان يقصد الأجر والثواب في راحته ونومه كما كان يقصد ذلك في أعماله.

أهمية النية وأثرها في الأعمال

تكمُن أهمية النية في كونها أساس أي عملٍ، فإذا صلحت صلح العمل، وإذا فسدت فسد بها، كما أنّ بالنية الصالحة ينال العبد التوفيق والسداد من الله -تعالى- بأعماله،[26] وقد تشفع النية لصاحبها في نيل الأجر على العمل دون القيام به ذلك إن كانت النية حازمةً وجازمةً، فقد ينوي المرء القيام بعملٍ ما إلّا أن بعض الأمور قد تحول دون القيام به، ولكنّه يؤجر عليه بسبب النية وإن لم يفعله، وفي ذلك روى الإمام مسلم في صحيحه أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهادَةَ بصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ علَى فِراشِهِ)،[27][28] كما أنّ العبد قد ينال بالعمل الواحد أجر عدّة أعمالٍ إن تعدّد قصده فيه، ومثال ذلك نيل أجر أداء سنة الفجر وسنة الوضوء وسنة تحية المسجد بأداء ركعتين فقط.[29]

مقاصد النية

شُرعت النية لتحقيق العديد من الغايات والمقاصد، يُذكر منها:[30]

  • التمييز بين العبادات المتنوعة؛ فعلى سبيل المثال فإنّ الصوم قد يكون واجباً أو تطوعاً أو شكراً لله -تعالى-، أي إنّ الفعل وهو الصوم واحدٌ، إلّا أنّ النية هي الفارق بين الأمور المتشابهة، كما أّن النية تميّز العبادات بعضها عن بعض في مكانتها؛ ومثال ذلك: الصلاة التي تتفرّع إلى فرائض ونوافل، وتتفرع الفرائض إلى ما تم نذره وما لم يتم، وكذلك النوافل تتفرع إلى راتبةً وغير راتبةٍ، فكانت النية هي الفارق بين العبادات على اختلاف رُتبها.

  • التمييز بين أعمال العبد إن كان قيامه بها عن نفسه أم عن غيره، ومثال ذلك: الحج؛ فقد يحجّ المرء عن نفسه أو عن غيره، والفاصل بين ذلك النية.

المراجع