صلاة الاستخارة
يلجأ المسلم إلى استخارة الله -تعالى- حين يحتار في الاختيار بين أمرَين لا يصل بينهما إلى قرار، فيُصلّي ما يُعرَف شرعاً بصلاة الاستخارة، يدعو فيها الله، ويسأله أن يهديه إلى القرار الذي فيه خَير له،
كيفيّة صلاة الاستخارة ودعاؤها
صلاة الاستخارة ركعتان اثنتان من غير صلاة الفريضة، يدعو فيهما المُستخِيرُ اللهَ بالدعاء الوارد
- استحباب قراءة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بعد الفاتحة في الركعة الأولى، وقراءة (قل هو الله أحد) في الركعة الثانية بعد الفاتحة، وهذا قول الحنفية، والشافعية، والمالكية.
- استحسان بعض السَّلَف قراءة الآيات: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ*وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ*وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
[8] وذلك بعد الفاتحة في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية قراءة الآية: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).[9] - عدم تحديد قراءة مُعيَّنة، وهو ما ذهب إليه الحنابلة، وبعض الفقهاء.
أمّا في ما يتعلّق بأداء صلاة الاستخارة مُستقِلّةً، أو صلاتها مع صلوات أخرى، فللعلماء في ذلك أقوال، هي:
- صلاة الاستخارة مع الصلاة المكتوبة لا تصحّ، وقد اتّفق على ذلك العلماء؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ)
[11] . - صلاة الاستخارة مُستقِلّةً أفضل من صلاتها مع غيرها، وقد اتّفق العلماء على هذه الأفضليّة.
- صلاة الاستخارة ضمن السُّنَن الراتبة، أو الصلوات ذات الأسباب، كصلاة الضحى، وتحيّة المسجد، وقد اختلف العلماء في ذلك، ولهم فيه قولان، هما:
- صحّة صلاة الاستخارة مع أيّ صلاة سوى الفريضة.
- صحّة صلاة الاستخارة في النوافل المُطلَقة، كأن يركع ركعتَين طاعة لله، ولكن لا يصحّ أداؤها مع النوافل المُعيَّنة، كالسُّنَن الرواتب، والصلوات ذات الأسباب، وقد فرّقوا هنا بين النوافل، وقسّموها إلى مُطلَقة، ومُعيَّنة.
وقت صلاة الاستخارة
للعلماء في جواز أداء صلاة الاستخارة وقت النهي* أقوال؛ إذ تُعرَف هذه المسألة بذوات الأسباب، وأقوال العلماء فيها هي:
- يجوز أداء الصلوات ذات الأسباب في وقت النهي إذا وُجِدت الأسباب الداعية لها، ومنها صلاة الاستخارة، وهو قول الإمام الشافعيّ، ورواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض الحنابلة، واستدلّوا في ذلك على أنّ النهي عن الصلاة في وقت النهي قد دخله تخصيص، كجواز قضاء الصلاة الفائتة، وجواز إعادة الصلاة لمن دخل المسجد وفيه جماعة يُصلّون فأراد أن يُصلّي معهم ولو كان في وقت النهي، ولا تدخل الصلوات ذوات الأسباب في أحاديث النهي؛ لأنّها مُقترِنة بسبب.
- عدم جواز صلاة أيٍّ من صلوات النوافل المقرونة بسبب مُطلقاً، وهذا مذهب الأحناف، والمالكية، وهو القول المشهور عن الإمام أحمد، واستدلّوا على ذلك بأنّ أحاديث النهي بلغت حَدّ التواتر؛ فهي أقوى بعمومها، وعليه فصلاة الاستخارة لا تجوز في وقت النهي.
ويمكن لمن يريد تأدية الاستخارة بالدعاء أن يدعوَ في أيّ وقت يشاء؛ نظراً لأنّ الدعاء يصحّ في الأوقات جميعها، أمّا إن كانت بالصلاة والدعاء فهي ممنوعة في أوقات الكراهة عند المذاهب الأربعة، وقد قال بذلك صراحةً المالكية، والشافعية، باستثناء إباحتها في الحرم المكّي في أوقات الكراهية عند الشافعية، أمّا الحنابلة والحنفية فقد استدلوا بذلك على عموم المَنع.
على المُستخِير أن يكون مُقبلًا على الاستخارة بذهنٍ خالٍ، وأن لا يكون قلبه مائلاً إلى أحد الأمرَين، وأفضل وقت يُقبل فيه على الاستخارة هو عند ورود الخاطر على القلب؛ فبِصلاته ودعائه يظهر له الخير، أمّا إذا مال قلبه إلى أحد الأمرَين، وقَوِيت إرادته عليه، فيمكن لذلك أن يُخفي عنه الرشد في الاختيار،
شروط صلاة الاستخارة
إن لصلاة الاستخارة عدة شروط، يُذكر منها:
- أن تكون الاستخارة في الأمور التي لا يعرف المسلم خيرها من شرّها؛ فالعبادات والواجبات لا يُستخار لها، وكذلك المحرّمات والمنهيّات، باستثناء إذا أراد بيان خصوص الوقت في ذلك؛ مثل أن يستخير للحج في هذا العام أم الذي بعده.
- أن تكون في الأمور المباحة، أو المندوبات في حال تعارض أكثر من مندوب.
- يشترط لصلاة الاستخارة ما يُشترط للصلاة؛ كستر العورة، واستقبال القبلة، والطهارة من الحدثين، وغير ذلك من الشروط العامة للصلاة، أما الحائض والنفساء فلا تصحّ منهم الصلاة، ولكن بإمكانهم التوجّه إلى الله تعالى بدعاء الاستخارة في هذه الحالة.
[18]
مشروعيّة صلاة الاستخارة وأهمّيتها
يلجأ المسلمون إلى صلاة الاستخارة؛ اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلم-؛ ففي حديث جابر بن عبدالله أنّه قال: ( كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ)
أمّا أهمّية صلاة الاستخارة، فهي تكمن في ثلاثة أمور، هي:
- نَفي تعلُّق القلب بشيء سوى الله -تعالى-، واللجوء إليه، والتوكُّل عليه، وتفويض الأمر إليه، ممّا يُعزِّز توحيد الله في القلب.
- الأخذ بالأسباب يرافقها توفيق الله للمسلم في سَعيه، وكتابة الفلاح له في اختياره؛ فمن يصدق الله في سؤاله أعطاه الله حاجته ولم يَرُدَّه.
- تحقيق الطمأنينة، واليقين في قلب العبد، والرضا بقضاء الله وقَدَره، فيردّ الهمَّ والحزن الذي قد يحصل بسبب اختياره.
علامات الاستخارة ونتائجها
يعرف المُستخِير أثر الاستخارة إمّا بعلامات القبول، أو علامات عدم القبول، أمّا علامات القبول باتّفاق الفقهاء الأربعة تُؤدّي إلى انشراح الصدر؛ أي مَيل القلب إلى أحد الأمرَين ميلاً خارجاً عن هوى النفس، بينما تؤدّي جميع علامات عدم القبول إلى انصراف النفس عن الأمر، وعدم بقاء القلب مُعلَّقاً به، هذا فيما يتعلّق بعلامات الاستخارة،
- إقدام العبد على أمره، وعدم انتظار حدوث شيء، فإن تيسّر له، أو أعرض عنه فهو اختيار الله له.
- وجود ثلاثة أحوال لا يخلو المسلم منها بعد صلاة الاستخارة، وهي على النحو الآتي:
- إقبال النفس على الأمر، وخُلوّها من التردُّد والحيرة فيه، وله هنا أن يُقدِم على العمل، ويمضيَ فيه، وهو دليل على أنّ الله -تعالى- هو الذي اختار له ذلك.
- انصراف نفسه عن الأمر، وقلّة رغبتها فيه، أو انعدامها، ويجوز له هنا ألّا يمضيَ في الأمر.
- بقاؤه في حيرة وتردُّد، وله هنا أن يمضيَ في الأمر إذا ترجّح في عقله النَّفْع منه، ويُحسنَ ظنَّه بالله؛ بأنّ اختيار الله له هو الخير، أو أن يُعيد الاستخارة أكثر من مرّة، فإن لم يترجّح له أحد الأمرَين، أو انشرح له، فإنّه يستشير من يَثِق به، فما صَرَفه الله إليه فهو الخير.
- النظر إلى ما يميل هواه إليه ومخالفته؛ فإن كان يهوى أحد الأمرَين قبل أن يستخير فلا يفعله؛ لأنّ متابعة الهوى مذمومة غالباً، ومُخالفته محمودة، فليفعل ما كان يُخالف هواه قَبل الاستخارة.
تكرار صلاة الاستخارة
قال الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة بأنّه ينبغي أن تُكرَّر الاستِخارة بالصَّلاة والدعاء سبع مرّات، فيُشرَع للمُستخِير أن يُكرِّر الاستخارة بالصلاة أو الدعاء إذا لم يظهر له شيء، أمّا إن انشرح صدره للأمر فلا داعي لتكرار الاستخارة، ولم تذكر كُتب الحنابلة رأيهم في ذلك،
حُكم دعاء الاستخارة دون صلاة
يُشرَع للمُسلم أن يستخير الله -تعالى- بالدعاء دون أن يُؤدّي صلاة الاستخارة؛ حيث يمكنه أن يدعو الله بدعاء الاستخارة في أيّ حال من الأحوال؛ فالحاجة إليها مُتكرِّرة، ودائمة، وخاصّة إذا كان الأمر مُستعجَلًا، أو حتّى إذا كانت المرأة حائضاً، والأكمل للمسلم أن يجمع بين الصلاة والدعاء، فإن اقتصر على الدعاء فلا بأس؛ لأنّ صلاة الاستخارة سُنّة لا حرج في تَركها.
الفرق بين الاستخارة والاستشارة
الاستخارة تكون من العبد إلى الله -تعالى-، يطلب منه فيها أن يُيسّر له أمره، ويختار له ما ينفعه، أمّا الاستشارة فتكون من العبد إلى غيره من أهل الثقة، والعلم، يطلب منه النُّصح فيما استشكلَ عليه، وكلا الأمرَين مسنونان؛ حيث كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يستشير أصحابه بأمر من الله، وذلك في قوله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
الهامش
*وقت النهي: ويُقصَد به الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة، وهي ثلاثة: عندما تشرق الشمس إلى أن ترتفع في السماء، وحين تكون الشمس في منتصف السماء؛ أي وقت الظهيرة بحيث لا يكون هناك مَيلان لظلِّ الشخص لا إلى ناحية المغرب، ولا إلى ناحية المشرق، وعندما تبدأ الشمس بالغروب إلى أن تغيب.
المراجع
- 1 - عمر عبد الكافي، <i> "مقتطفات من السيرة" , ، صفحة 34، جزء الخامس , عمر عبد الكافي، .
- 2 - تعريف و معنى الاستخارة في قاموس المعجم الوسيط , www.almaany.com , 15-12-2019. بتصرّف. .
- 3 - مجموعة من المؤلفين (1433هـ)، <i> " الموسوعة الفقهية " , ، صفحة 196، جزء 1 , مجموعة من المؤلفين (1433هـ)، .
- 4 - محمد بن إبراهيم التويجري (2009م)، <i> "موسوعة الفقه الإسلامي" , (الطبعة الأولى)، صفحة 699، جزء الثاني , محمد بن إبراهيم التويجري (20 .
- 5 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 6382، صحيح. .
- 6 - حكم ذكر دعاء الاستخارة قبل السلام وبعده , www.islamweb.net , 12-6-2010، 15-12-2019. بتصرّف. .
- 8 - سورة القصص، آية: 68-70. .
- 9 - سورة الأحزاب، آية: 36. .
- 10 - عقيل بن سالم الشهري (2010م)، <i> "صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية" , (الطبعة الأولى)، الرياض: دار كنوز إشبيليا، صفحة 29-30 , عقيل بن سالم الشهري (2010م)، .
- 11 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله السلمي، الصفحة أو الرقم: 7390، صحيح. .
- 12 - عقيل بن سالم الشهري (2010م)، <i> "صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية" , (الطبعة الأولى)، الرياض: دار كنوز إشبيليا للنشر والتوز , عقيل بن سالم الشهري (2010م)، .
- 13 - الموسوعة الفقهية الكويتية , (الطبعة الثانية)، الكويت: 1404هـ، صفحة 244، جزء الثالث , مجموعة من المؤلفين (وزارة ا .
- 15 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145. .
- 16 - وقت صلاة الاستخارة وهل يمنع الكلام بعدها , www.islamweb.net , 16-5-2009، 16-12-2019. بتصرّف. .
- 18 - استخارة الحائض بالدعاء.. وهل يجب عليها التطهر والتستر له , www.islamweb.net , 7-12-2015، 15-4-2020. بتصرّف. .
- 19 - رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1162 ، صحيح. .
- 20 - عقيل بن سالم الشهري (2010م )، <i> "صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية" , (الطبعة الأولى)، الرياض: دار كنوز إشبيليا للنشر والتوز , عقيل بن سالم الشهري (2010م )، .
- 21 - أهمية صلاة الاستخارة , islamqa.info , 11-6-2008، 18-12-2019. بتصرّف. .
- 23 - عقيل بن سالم الشهري (2010م)، <i> " صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية " , (الطبعة الأولى)، الرياض: كنوز إشبيليا ، صفحة 27-28 , عقيل بن سالم الشهري (2010م)، .
- 25 - صلاة النفل , www.aliftaa.jo , 18-12-2019. بتصرّف. .
- 26 - حكم الرؤيا بعد الاستخارة , www.islamweb.net , 30-6-2005، 29-12-2019. بتصرّف. .
- 27 - سند بن علي بن أحمد البيضاني، "هل تجوز الاستخارة بالدعاء دون صلاة ؟" , www.saaid.net , سند بن علي بن أحمد البيضاني .
- 28 - سورة آل عمران، آية: 159. .
- 29 - الفرق بين الاستخارة والاستشارة , www.al-eman.com , 18-12-2019. بتصرّف. .
- 30 - هل تقدم الاستشارة على الاستخارة أم العكس؟ , www.islamweb.ne , 15-6-2015، 18-12-2019. .
- 32 - د. أمين بن عبدالله الشقاوي ( 18-11-2016)، " أوقات النهي عن الصلاة " , www.alukah.net , د. أمين بن عبدالله الشقاوي ( .