سنتعرف فى هذه السطور القادمة عن اهم اسباب سقوط الدولة العثمانية وكيف كانت نهاية الدولة العثمانية.
سقوط الدولة العثمانية
دور الاحتلال وخاتمة الدولة (1908–1922) هي آخر مرحلة من مراحل الدولة العثمانية والتي انتهت بزوال الدولة العثمانية وتقسيم المناطق التي كانت تحت نفوذها. كان عام 1908 نقطة تحول جوهرية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وفي تاريخ الدولة العثمانية. وعرف عن هذا السلطان سعيه لترسيخ نظام الخلافة الإسلامية وأطلق شعار “يا مسلمي العالم اتحدوا”، وكان عهده من أكثر أوقات الدولة العثمانية نجاحا وصعوبة في الوقت ذاته.
أسباب سقوط الدولة العثمانية :-
لسقوط الدولة العثمانية العديد من الأسباب ومنها :-
أولاً :- ضعف الالتزام الديني بالدين الإسلامي وأحكامه مما كان عاملاً في ضعف الدولة وتفككها وترابطها الثقافي في البداية وعدم الترابط الحقيقي بين الأقاليم التابعة لها على الرغم من بدايتها الإسلامية الأمر الذي ساعدها كثيراً على اتساع رقعتها الجغرافية ونفوذها السياسي والعسكري حيث كان فتح القسطنطينية ومنطقة البلقان حتى أن الحدود الجغرافية للدولة قد امتدت حتى دولة بولندا حالياً .
ثانياً :- إهمال اللغة العربية :- بدأ إهمال اللغة العربية وتعليمها للنش بل حتى نشرها وتعليمها لأهل الأمصار والبلدان المنضمة تحت لواء الدولة حديثا مما كان دافعاً قوياً لعدم وجود ترابط قوي وفعال بين أقاليم الدولة حيث كانت اللغات المختلفة .
ثالثاً :- تمكن القادة العسكريين من مد نفوذهم في أجهزة الحكم السياسي والتدخل في أمور الحكم وشئونه .
رابعاً :- إهمال نشر تعاليم الدين الإسلامي في الدول التي دخلت ضمن نطاق الدولة العثمانية مما ساعد على فصلها وانفصالها عن الدولة الأم حيث أن عامل الدين من العوامل القوية والمؤثرة في ترابط الدولة وأقاليمها .
رابعاً :– انتشار الفساد والترف وبالأخص بين سلاطين وحكام الدولة العثمانية حيث أنتشر بينهم الزواج من أجنبيات حيث ظلت الغالبية من الزوجات الأجنبيات ولائهم القومي للدول التي جاؤوا منها والتاريخ ملئ بالقصص والحوادث التي تم فيها كشف مؤمرات ودسائس تلك الزوجات ضد الدولة العثمانية وحكامها حيث كانت قد قامت بعض من الدول المعادية لوجود الدولة العثمانية وخاصة أوروبا وروسيا بزرع تلك الزوجات وقربهم من موقع اتخاذ القرار السياسي بالدولة لتسهيل عملية إسقاطها من الداخل حيث تأتي أشهر تلك الحوادث الخاصة بالزوجات مثال حادثة الروسية اليهودية الأصل وتدعى روكسلان والتي تناولت قصتها كتب التاريخ ووصفتها بالأفعى نظراً لما قامت به من المؤمرات ضد الدولة العثمانية والعمل على إسقاطها.
خامساً :- الحروب الصليبية والتي هي في الأساس حرب دينية ضد الإسلام إذ استمرت تلك الحروب لمدة ذادت عن سته قرون ، حيث قد زادت وتيرتها وبالأخص ضد الدولة العثمانية بعد فتح القسطنطينية فكانت عاملاً على زرع الفتن والمؤمرات على الدولة العثمانية والعمل على إسقاطها لما تمثله من خطورة على أوروبا ككل .
سادساً :- انتشار الفرق الدينية الضالة والمنحرفة والتي قام بزراعتها داخل جسد الدولة العثمانية أعداء الدولة العثمانية وذلك لنشر المفاهيم الخاطئة والمغلوطة من خلال تلك الفرق مثل الشيعة والدروز والصوفيين حيث عملوا على نشر الفرقة والتمييز والفتن بالدولة مما كان له اكبر الأثر في سهولة سقوطها فيما بعد .
سابعاً :- تغلغل ووصول أعداء الدولة العثمانية في مراكز الدولة الرئيسية والحساسة مثل الجيش كمثال مصطفى كمال أتاتورك .
ثامناً :- انتشار الأحزاب والحركات الانفصالية والعرقية بالدولة حتى أنها أصبحت موجودة في أغلب الأمصار والأقاليم بالدولة العثمانية ، حيث لعبت السياسات الخاطئة وقصر الرويا والخبرة بالحكم لسلاطين الدولة العثمانية لهذه الحركات النجاح حيث عملت تلك الحركات على تقسيم المجتمع داخليا مما سهل إسقاط الخلافة فيما بعد .
تاسعاً :- الجيش الانكشاري حيث عمل تمرده الدائم على سلاطين الدولة العثمانية وتدخله في الشئون الخاصة بالحكم بل وصل الأمر إلى عزل وقتل بعض السلاطين والعمل على إثارة روح التمرد والمؤمرات والفتن إلى إضعاف الدولة .
أسباب سقوط الدولة العثمانية
أولأ– الأسباب غير المباشرة :
1 – تبني الدولة العثمانية الشريعة الإسلامية في نظمها وقوانينها ، في كل شاردة و واردة ..
وقد كان لرجال الدين ( شيخ الإسلام والمفتين ) أهمية كبرى في توجيه الدولة بالنصائح والأوامر الشرعية ، نذكر مثالاً على ذلك أن شيوخ الدولة العثمانية كانوا قد أجمعوا على تشويه سمعة الوهابيين (أصحاب الدعوة السلفية في الحجاز والذين تبناهم آل سعود ) ، و نعتوهم بالکفر و المروق من الدين ، و أفتوا بوجوب قتالهم و محق فتنتهم ، فما کان للسلطان العثماني إلا أن أرسل أوامره إلى واليه على مصر “محمد علي باشا” يأمره بسحق هذه الحركة الوهابية، وفعلاً أرسل هذا ابنه ” إبراهيم باشا” القائد التركي الموهوب على رأس جيش تركي من مصر ، فدمر دولتهم ، وقتلوا الأمير السعودي الزعيم المدني ( الزمني ) لهذه الحركة في مدينة الدرعية بنجد ؛ فنامت بذلك الدعوة الوهابية حتى نهاية القرن التاسع عشر ومن الأمثلة أيضاً : قصة دخول المطبعة إلى البلاد الإسلامية التي عارضها علماء الدين – أول الأمر – معارضة كادت تُحدث فتنة لولا تدحُ ل السلطان بنفسه وإقراره لإدخالها ..
2 – إن الصبغة الإسلامية الشديدة لدولة العثمانيين كانت حافزاً رئيسياً للدول الأوربية المسيحية كي تتضافر في عدائها لها ،
وفي تنسيق الضربات عليها ، فكانت الدولة العثمانية مثلاً كلما تصادمت مع دولة أوربية (كبلغاريا أو روسيا) وقفت الدول الأوربية تراقب ، فإذا لاح لها أن العثمانيين قد قاربوا النصر وكادوا يستثمرونه تدخلت الدول الأوروبية مجتمعة لتحول دون إحراز الهدف .. وتفرض – بواسطة إرادة دولية موحّدة – سلامًا ظالماً للعثمانيين رغم ألهم في موقع المنتصر !!.
3 – كانت الإمبراطورية العثمانية تضم إليها بلاداً واسعة،
وتخضع لها شعوب مختلفة القومية والدين؛ وكانت سياسة الدولة فيهم ألاً تتدخل في شؤون هذه الشعوب مادامت لا تثير شغبا و لا فتنة ، في هي لم تحاول قط – وهذه سياسة إسلامية أصيلة – أن ترغم نصرانياً أو يهودياً أو غيرهما أن يترك دينه وأن يصبح مسلماً .. بل كانت تعامل هؤلاء الرعايا معاملة حسنة جداً، وكانوا يرتقون في مناصبها إذا امتلکوا المؤهلات المناسبة لها.
وحتى من النواحي العرقية والجنسية فالدولة العثمانية لم تسع إلى فرض لغتها أو ثقافتها على الشعوب الأخرى .. بل على العكس من ذلك فقد كانت تحافظ على ثقافات شعوبها ولا تحاول ها مساساً ومن الأمثلة المعروفة عن ذلك :
معاملتها مع الشراكسة –الذين هجرهم الحرب الروسية والظلم الروسي لهم – فقد قدمت الدولة العثمانية لهم كل المساعدة ، باعتبارهم رعايا مسلمين هُجّروا في سبيل دينهم !! فاستقبلتهم السلطنة على شكل قبائل وكتل بشرية، وأسكن بتهم – محافظة على تشكيلاتهم العشائرية –على أراضيها الشاسعة بل ومنحتهم (أقطعتهم) أفضل الأراضي الزراعية ” الميرية ” ، على الأنهار أو في مواضع الينابيع ، التي تضمن لهم الاستقرار والبقاء ، واليوم – في سورية مثلاً- يقول لك شركسي اليوم –حفيد ذلك الشركسي المشرد المهجّر المطرود – إني ورثت عن والدي كذا وكذا من مئات الدونمات الزراعية !! دون أن يذكر فضل العثمانيين عليه وعلى ذويه !!
علاقتها مع الصرب هذا الشعب السلافي القاسي المشهور بقسوته في التاريخ ، صحيح أن كثيراً من أبنائهم أسلموا وأصبحوا قادة، وصدوراً عظاماً (رؤساء وزارات ) ، ولكن أغلبية الشعب بقي على نصرانيته ( أورثوذوكس) ، يتحين الفرص التي تنشغل فيها الدولة العثمانية في حرب أو أزمة ليقوم بثورات عنيفة لطرد العثمانيين .. ! وكذلك فعل الأرمن هذا الشعب الذي نال من الحظوة في عهود الدولة العثمانية ما نال ، کانوا على الدوام من أثرى شعوب هذه الدولة وأعلاهم مكانة، وكان منهم كثير من الوزراء والمستشارين في هذه الدولة ..
ومع ذلك فإن هؤلاء الأرمن طالما طعنوا السلطنة في ظهرها مرات و مرات . . وکان باستطاعة الدولة العثمانية أن تفعل – ما فعلته روسيا برعاياها اليهود أو برعاياها التتار
الأتراك إذ قامت بتذويبهم ومحو هويتهم وبتشريدهم من بلادهم وتشتيتهم في أراض متفرقة من سيبيريا الواسعة القاسية المناخ والظروف، حق ليقول ( بيرتولد شبولر) في كتابه ( العالم الإسلامي في العصر المغولي )عن مأساة التتار في روسيا وعن ما آلت إليه حالهم في ظل هذه السياسة القاسية :
” وهكذا أن راى احفاد الأتراك المغول الذين حكموا أوروبا الشرقية في ماضي الزمان يقتربون من أزمة تمدد وجودهم كأمة ، و لا ندري ما ستكون النتيجة ؟!..”
فهؤلاء الأرمن .. لو أن الدولة العثمانية بادرت إلى تشتيت شملهم في البلاد الإسلامية الشاسعة الخی کانت کلها تحت سلطافا … لکنت لم تسمع بوجود هم ، ولما کانت لهم قضية يتحدثون بها اليوم .. لأن حل بعض المشكلات القومية – وخاصة الكتل القومية الصغيرة الأرمن والصرب وأمثالهما-كان بسيطاً في العهود التاريخية السابقة لعصرنا
فأرسل الخليفة حملة بقيادة عُجيف بن عتُبسة فقضى على فتنتهم، ثم قاموا بترحيلهم جملة إلى بلاد الروم ( الأناضول ) وألقوا بهم وراء الحدود كما تُلقى القمامة في المزبلة !! وصحيح أن الموقف غير إنساني .. ولكن الدولة العباسية ارتاحت منهم إلى الأبد ! وقبل ذلك قام الخليفة عمر بن الخطاب بطرد اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، وقال قولته الشهيرة: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان )؛ وفرض على جميع القبائل العربية الدخول في الإسلام فرضاً .. ولم يقبل منهم البقاء على النصرانية .. كما حدث مع قبيلة تغلب فقد منع نصارى تغلب من تعميد أبنائهم، لأنه لم يقبل من العرب غير الإسلام !!
و قبل ذلك أجلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم – اليهود من بني قينقاع وبني النضير عن المدينة ، بسبب الفتن التي كانوا يحاولون إيقادها في المجتمع الإسلامي الأول .
وجود قضية الجواري وتعدد الزوجات .. كان يثمر الكثير من الأولاد، وبالتالي الكثير ملی الورثة الطامحين للحكم .. وخاصة أن كانوا من أمهات مختلفة .. وكثيراً ما كانت هذه الظاهرة من أسباب الفتن والمشاكل الداخلية في الأسرة الحاكمة نفسها لا عند العثمانيين فحسب بل في جميع الدول الإسلامية التي عرفها التاريخ كالعباسيين وغيرهم .
5 -انتشار الرشوة والفساد الإداري وخاصة في العهد الأخير من السلطنة،
وخصوصاً في البلاد العربية، التي كان النفوذ العثماني فيها ضعيفاً نسبياً وبعيداً عن العاصمة ، وبسبب أن غالبية سكانها عرب . وهؤلاء كانوا في واد ، والدولة في واد آخر.. فالعربي كان قد تعود منذ العهود الإسلامية الأولى ( بعد القرن الهجري الأول) أنه غير معي بالدولة ولا بشؤونها و خاصة السياسية منها ..
فهو لم يشارك مشاركة ذات شأن في الدفاع ضد الصليبيين ولا المغول ولا غيرهم من الغزاة ، بل لقد كان العربي يتذمر حتى من دفع المال ) لتجهيز الجيوش الإسلامية التي صدات الغزاة و کافحتهم …
السماح للامتيازات الأجنبية في بعض أراضي الدولة العثمانية ، وهذا كان يجاوره العمل التبشيري المسيحي الذي كان يغذي النعرات الطائفية في لبنان ، ويحرّض – بشكل مباشر وغير مباشر – على الانتفاضة ضد حكم العثمانيين أو على الأقل زرع الفتن والمشاكل فيها . ثم كلما حدثت فتنة بين طائفتين ( كالتي حدثت بين النصارى الموارنة والدروز في لبنان ) كانت تقوم قيامة الدول الأوروبية بحجة حماية النصارى في بلاد العثمانيين !!
کانت الإرساليات التبشيرية المسيحية – وخاصة في لبنان وسورية – تحاول جاهدة بعث الوعي القومي العربي عند العرب ، و القرن 19 م و ما بعده، لا محبة بالعرب ولا بتراثهم بل لفصم عرى الأخوة الإسلامية التي كانت تُغمع الشعبين العربي والتركي في الدولة العثمانية الإسلامية التي كانت تقدس العرب وتاريخهم .. وبنظرة بسيطة لتاريخ النهضة القومية العربية تجد أن أول أعلامها كانوا نصارى من اللبنانيين والسوريين !! (آل البستاني و آل الیازجي و نجیب عازوري و غیر هم )
دخول العناصر العربية المحلية في البلاد العربية في صفوف الإنكشارية وجنود الولايات العربية في أواخر عهد العثمانيين على شكل جنود مرتزقة لا يحملون ولاء إلا لمصالحهم وكان كثير من هؤلاء من الزعار ( الزعران ) فأفسدوا تركيبة الجند الذي كان يحفظ النظام في الولايات العربية ،وسُمي هؤلاء ( باليرلية ) .
وصول الموجات العارمة للنزعات العرقية والعنصرية و الدعوات القومية الحق كانت قد اجتاحت أوروبا؛ ثم انتقلت عدواها بواسطة الدراسات العلمية الإثنولوجية (علمرالأعراق) والنظريات الأكاديمية حول أعراق البشر وتصنيفهم ودراسة خصائصها العرقية.
انتقلت هذه العدوى إلى المفكرين العرب والأتراك .. فتنبه كل فريق إلى خصائصه القومية .. فأجّج ذلك شعوراً بالعداء بين الطرفين .. وقاد العرب في النهاية إلى أن يتعاونوا مع المستعمرين (بريطانيا وفرنسا) ضد الدولة العثمانية المسلمة في الحرب العالمية الأولى ! لماذا ؟
لأن بريطانيا وفرنسا قدمت لهم وعوداً براقة كاذبة بأهم إذا تحالفوا معهم إبان هذه الحرب العظمى و ساعدوهم في تحطيم الإمبراطورية العثمانية فسوف يمنحون العرب جزاء ذلك حق بناء دولة عربية واحدة تضم بلاد الشام و العراق والجزيرة العربية !!
و حقاً .. كانت النزعة القومية عند الأتراك حديثة العهد ، فقد كانوا عبر تاريخهم يحبون العرب لأنهم قوم النبي ،و يقدسون لغتهم أيضاً لأنها لغة القرآن ،وهي في نظرهم أقدس لغات العالم .. ويرون كثيراً من بلاد العرب أرضاً مقدسة لأن فيها قبور الأنبياء و الصحابة .. حتى إنهم كانوا يسمون بلاد الشام ” شام شريف” !.
لذلك فأنت لا ترى في تاريخ الأتراك ما يوحي بأهم حاولوا طمس اللغة العربية أو الهوية العربية، بل على العكس من ذلك فإن أعلام العلماء في علوم اللغة العربية ( بنحوها وصرفها ) وآدابها هم من غير العرب ( أتراك وفرس ): كخلف الأحمر وأبي عبيدة وسيبويه والكسائي والسيرافي والزمخشري والطبري والجاحظ وابن قتيبة وأبي حيان التوحيدي .
** وفي علوم القرآن والحديث والفقه فإن جل العلماء الأعلام هم من الأتراك والفرس حتى إن أعلام العلماء الذين تصدّوا للشعوبية – وكانت حركة فارسية في الغالب –كانوا من غير العرب كالجاحظ وأبي حيان التوحيدي (كلاهما فارسي الأصل ) وابن قتيبة الدينوري والزمخشري ( و هم ما ترکیان ) .
قلنا إذن .. إن النزعة القومية التي ظهرت عند قسم من الأتراك العثمانيين كانت حديثة النشوء ، متأثرة بما درسه المثقفون منهم في الجامعات الأوروبية عن تاريخ الأتراك القدم ،وعن دورهم التاريخي الكبير في صناعة التاريخ .
أما النزعة القومية العربية فقد كانت قديمة جداً، لم يستطع الإسلام بمبادئه السمحة أن يطفى من حدها، ولا أن يزرع انفتاحه العالمي في قلوب العرب إلا في حالات فردية قليلة جدا .
ثانياً– الأسباب المباشرة لسقوط الدولة العثمانية:
كانت الدولة العثمانية قديماً لا تعتمد في جيوشها إلا على العنصر التركي وعلى جيشها الإنكشاري أيضاً (وهو جيش نظامي مفرغ للعمل القتالي – محدود العدد لم يتجاوز في أقصى حالاته بضعة آلاف وكان معظم هؤلاء من عناصر سلافية صربية مسلمة وألبانية مسلمة أيضاً).
أما رعاياها من العرب والمسيحيون فلم تكن الدولة العثمانية تعتمد عليهم في التجنيد لا إجباراً ولا تطوعاً !!
ولكن هذه السياسة تعدلت بعد ثورة العناصر التركية الشابة المثقفة في الجيش التركي (جمعية الاتحاد والترقي ) سنة 1908 م وإسقاط عبد الحميد الثاني .
“وكانت أفكار هؤلاء المصلحين تعتقد أن من حق –بل من واجب – جميع عناصر الدولة العثمانية أن يشاركوا في جيشها المدافع عنها، باعتبارهم مواطنين .. وكانت هذه فكرة سيدفع العثمانيون ثمنها غالياً ..
إذ إن هذه العناصر كانت وبالاً على الجيش العثماني الذي كان موحد الولاء ، فأصبح يضم بين فئاته فرقاً كاملة من الأعداء الداخليين الذين كانوا:
1 – إما أن يتخاذلون في اللحظة الحرجة من المعارك
{ كما فعلت الفرق العربية في أثناء حرب القنال ( أو السفربرليك) ضد الإنكليز في مصر ، وكانت السبب الأكبر في خسارة العثمانيين بقيادة أحمد جمال باشا ، مما أثار ثائرة جمال باشا بعدها ضد الزعماء من القوميين العرب الانفصاليين ، الذين كانوا – قبل بدء الحرب العالمية وخلالها – يتصلون سراً بسفراء وقناصل فرنسا وبريطانيا لتنسيق العمل على إسقاط الدولة العثمانية و يقومون بنشاط سري فعال في نشر التذمر في الشارع العربي ضد الدولة العثمانية و تحريضه عبر المناشير السرية و غيرها و هييج مشاعر العرب القومية ضد الأتراك و وصفوهم بأهم –من خلال تسترهم – اغتصبوا مُلَك العرب و طمسوا حضارهم ، و أن العثمانيين سفاحون احفاد جنکیز و هولاکو و تیمورلنك .!!}
أو أن ينسلخوا في اللحظة الحاسمة عن الجيش ، وينضموا الى أعدائه في جبهة القتال ؛ كما فعل الأرمن في انضمامهم إلى الجيش الروسي ( العدو ) ضد جيش الدولة ، وكما فعل النصارى في البلقان .. وهكذا وفي حلك اللحظات والدولة العثمانية تخوض معركة الوجود أو اللاوجود ضد أعتى جيوش العالم في حرب عالمية كبرى .. .. خرجت جميع الفئات المناوئة الحاقدة عليها من كل صوب تطعن العثمانيين في ظهورهم ، من صرب وأرمن وألبان وعرب ونصارى في لبنان وسورية ومصر . وحتى الشريف حسين – الذي كانت الدولة قد عينته نائباً في البرلمان العثماني.
2 – انشغال الدولة العثمانية واستنزاف مواردها في حروب متتالية لا تنقطع أبداً ،
وعلی عدة جبهات .. مع عدم الانسجام بين عناصر هذه الإمبراطورية الواسعة .. مع وجود تحجر وانغلاق تجاه الموجات الثقافية والعلمية الأوروبية لأسباب دينية كان يتحمل وزرها شيوخ الإسلام والإفتاء النافذين في دولة دينية يخلص فيها سلاطينها لمشورة الدين وعلماء هذا الدين !! فمثلاً.. عند دخول المطابع الآلية إلى الدولة انكمش كثير من المتدينين وخافوا مما قد تجره هذه الحروف المطبوعة من تمديد للتراث الإسلامي ، وأحدثت حتى هذه الآلة –ذات النفع العظيم – ضجة وجدالاً بين علماء الدين حتى تدخل السلطان بنفسه فأقرها !!
3- وقوع بعض الكوارث الطبيعية المدمرة
كالزلازل ، وكذلك هجمة الجراد المخيفة التي اجتاحت بلاد الشام في فترة الحرب العالمية الأولى ، التي حصدت كل موارد الزراعة في المنطقة مما زاد من ألم الحصار الاقتصادي الخانق الذي مارسته الدول الأوربية ضد العثمانيين ،وخاصة في بلاد الشام ، مما تسبب بالفقر الشديد والمجاعات ، وكان هذا عاملاً إضافياً زاد من نقمة الشعوب العربية وبخاصة في بلاد الشام على الإدارة العثمانية في تلك الفترة ! !
عدم توفر وسائل الإعلام والدعاية المساندة للسلطنة في حربها ، بل على العكس كان المثقفون العرب بنشاطهم الحزبي والصحافي وكتابة المناشير يعملون بكل نشاط وحماسة بمساعدة الإنكليز والفرنسيين وبالتنسيق معهم – في بث التحريض بين شعبهم ضد السلطنة والانقلاب عليها !!
كانت ثورة الشريف حسين أشد الطعنات في ظهر السلطنة
إذ كانت الدولة العثمانية ( وهي خلافة إسلامية ) قد تظن أي شيء سوى أن يقوم شريف مكة ، سليل النبي (ص) ، فيضع يده بيد أعداء المسلمين من المستعمرين .. و متى؟! في ظرف شديد الحرج للأمّة الإسلامية .. وهو معركة الوجود أو الفناء !!
و بذلك تم تأمين غطاء شرعي من قوات عربية مسلمة، تحت قيادة رجل عربي هاشمي ، كي تتقدم القوات الإنكليزية والفرنسية بصورة الأصدقاء المخلصين المخالفين الذين سيطردون هؤلاء الأتراك -الذين اغتصبوا الخلافة الهاشمية قديما- ويعيدوها إلى أهلها من العرب الهاشميين !!
ظهور طبقة واسعة من المفكرين والمثقفين من الأتراك أنفسهم ( أمثال : الشاعر الأديب ولي الدين يكن ، المفكر ضيا كوك ألب ، والشاعر نامق كمال، مصطفى کمال …) کانت ترى وجوب الإصلاح الانقلابي الجذري للدولة العثمانية ، أي أن تسقط الدولة العثمانية ذات الصبغة الإسلامية ؛ لتقوم مكانها دولة عصرية النظم ، علمانية المنهج !.